النـص : قيل زمان أن الام وهي في اللحد تقول " اسم الله " لابنها حينما يتعثر ، اذن ما أعظم قلب الام ، فلا يخامر ألام يوما ما ، أو يدور في خلدها أن ترعى ابناءها لتستثمر عرقهم بعد كبر ، تلك التي تسعى الى تقويمهم بطريقة صحية وسليمة لترتفع بهم الى الكمال ، فاللام هي الارض المانحة التي لا تشح في وقت الجفاف والقحط ، هي المدرسة الاولى ، الكرم والعطاء اللا منقطع ، هي أول السبل للتعليم وهي الركن الامين والصديقة والحامية ، وهي الحضن الدافئ التي تطمئن اليه الحياة بأكملها ، هي المضحية الاولى التي لا تنتظر أفادة ، بل تحلو لها التضحيات رغبة في إسعاد اولادها ، و فضائل عديدة لا تعد ولا تحصى لا يسعنا ذكرها هنا ، فلا تنحصر رعايتها فقط في المستوى العاطفي بل تتعداها الى مهام كبرى ووظائف عدة تقوم بها لتنشئة اولادها ، على أن أكثر الاوقات رعبا وثقلا على الام تلك الساعات التي لا ترى بها ابناءها ، فتلك الايقونة والرمز تستحق أن تكون الاولى في قائمة الاهتمام والاحترام ، فلا يجوز تجاهلها أو أهمالها وتجاوز متطلباتها خاصة عندما يبلغ بها العمر ، لا يجوز تركها دون رعاية وهجرها في دار المسنين ، وربما الاستخفاف بها امام الآخرين ، ومجادلتها بل أن يرتضي لنفسه ان يتركها في احد سيارات الاجرة او في احد الطرقات لرحمة الاغراب . وهذا ما نلمسه اليوم من عقوق الابناء من قول وفعل تجاه الامهات وعدم برها والذي يشكل ظاهرة خطيرة في كل اسرة ، ويكاد يملأ عوالم مجتمعاتنا ، فهم لا يعلموا عظم عقوق الوالدين وبخاصة الام ، الام التي انتظرت ولدها حتى يطلق شاربيه ولحيته ، لتتباهى به انه حصادها المثمر ، لكنه يعجب بصورته في المرآة ، ويعجبه قوامه ، ويسلّم بأنه الاقوى والاعلى صوتا منها وبأنها لا قيمة لها بعد الان ، وصار يقرر عنها ، يجيز ويمنع ، حامي لها غيور عليها ، غيرة الريبة والعين الحمرا والاخضاع الاعمى ورمي قلبها بجمرات التبجح والاستكبار باعتبارها ليست اكثر من جهاز بيولوجي فتح له عنان الحياة ، وربما يعتبر البعض ان تلك هي آيات الرجولة في نهاية الامر وهي الذكورة الشرقية والادعاء الفارغ بفحولة مستعارة . فأي نوع من الرجال هؤلاء الذين يستكبرون على امهاتهم ويغلضون القول لهن ؟ ربما هي الازدواجية في الظهور الاجتماعي كرجل مؤثر وصاحب كاريزما ويا ارض انهدي ما عليك قدي ، والذي يتكشف بالتالي عن خواء حين ينحرف الى سلوك السطوة والعنف ضد الانسانة التي عبرت به لجة الآلآم لتنقذه من رؤوس الحياة المدببة كي لا تخدش ايامه ، ان هكذا ابناء يجهلون العواقب الوخيمة حينما يتنكروا لامهاتهم او يستعاروا منهن ، او قد يصل بهم الجحود الى الاعتداء اللفظي والجسدي ، هذا الشكل الفاقع المخجل والهابط من انواع التعنيف الذي لا يستند الى قانون لتجريمه يجب ان نضع تحته الف خط ، فأي منطق أنساني يجيز للاولاد ذلك ؟ وأي موقف رجولي يستدعي الابن أن يستهين بأمه بتلك الطريقة ؟ انه إهانة لمنظومة القيم بأكملها وانهيار لسياق العادات والتقاليد التي تلزم احترام الكبير ، والتمرد على القوانين الطبيعية للانفلات من النسيج الاسري ، فالرجولة ليس بفتل الشوارب وابراز العضلات ورفع الاصوات او الصراخ والمعاملة السيئة ،و ايذاء الامهات ، انهم لا يعون مصيبتهم ، بل هو انعدام الاحساس بالامومة وانعدام المشاعر وهو سلوك صبي غر جهول يحاول الاساءة وارتكاب الاخطاء التي تؤدي به الى الانحراف الذي تصل اضراره الى المجتمع قاطبة ، تلك التي الجنة بطولها وعرضها تحت اقدامها ،تلك الالهة التي من دم ولحم ، لا يحق لأي شخص مهما يكن أن يسلب كينونتها وينسى فضلها ، فلا تتجاوزا الخطوط الحمراء ايها الابناء .
|