الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
هوامش ثقافية القصة القصيرة  جدا الامساك بلحظة هاربة
هوامش ثقافية القصة القصيرة  جدا الامساك بلحظة هاربة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عباس داخل حسن
النـص :

منذ عقود ظهر جنس ادبي جديد في عالم السرد القصصي  القصة القصيرة جدا وذلك بعد ترجمة  (انفعالات) لناتالي ساروت عام 1932 وربما تجارب  قبل ذلك الا انه لم يسلط الضوء عليها ، وبدا الجدل يحتدم بعد ترجمة هذه المجوعة القصصية التي استهوت بعض الكتاب في خوض هذا الغمار وتوزع الاهتمام بين المضمون والشكل وقد اشبع الجانب التاريخي كثيرا في البحث والاستقصاء وذهب البعض يسرف كثيرا من البحث في ايجاد له جذور في التراث العربي والانساني

لكن حقيقة ظهور اي ( جنس ادبي جديد هو عدائي ! العدائية تمتزج بالاصالة ! وهي

تقلق ماعتاد عليه الناس من افكار)    لكن تبقى الحاجة الانسانية للتعبير عن قضايا عصرية نتيجة للتطور المتسارع للمحيط من حولنا بكل جوانبه فبات الابتكار حاجة موضوعية وملحة لايجاد  جنس  سردي جديد ، فتحمس له من تحمس ورفضه من رفض للامانة لماهو سائد من اشكال السرد المتعارف عليه ومقابل ذلك ان الامانة تفرض علينا عدم السخرية اواللامبالاة من هذا الجنس الذي كرس له كثير من كبار الكتاب   جهود غير استثنائية لانه عمل غاية الصعوبة في التكثيف والترميز والمفارقة الحادة والدهشة التي تحدثها البضع كلمات او سطور من فعل   

منذ ان برزت القصة القصيرة جدا كشكل اوجنس قصصي جديد اصبح الشغل الشاغل لكثير من قصاصي العالم والعرب جزء من تلك التفاعلية في الاهتمام  وذلك لان الشكل بصفته مبدأ الاختبار والاسلوب من ناحية يبدو كانه احد مظاهر الشكل فان اشكال جديدة ستظهر في حقيقة الاشياء الجديدة ، وهذا بالطبع بمقدار مايكون تلاحمها الداخلي أكثر ثباتا بالنسبة للاشكال الاخرى وبمقدار ماتكون مدروسة ودقيقة هذا ماذهب اليه ميشال بورتو في بحوثه في الرواية الجديدة ينطبق على القصة القصيرة جدا ، وقد يبدو الامر فيه شيء من التهويل ، الا ان هناك ركائز يمكن رؤيتها بوضح في اعتماد ق ق ج من  تكنيك وتقنيات السرد  معتمد على الطاقة الشعرية للغة في تفجير كوامنها الصورية لهذا اثبتت وجودها برمته    لاشتمالها على اركان السرد القصصي وبجدارة اثبت ق.ق .ج كجنس ادبي له حيزه ومساحته الواسعة رغم صغر حجمه كنص ادبي ومن هنا تاتي الصعوبة في النجاح بمثل هذه المهمةالصعبة للغاية  لانها غاية في التركيز والشمولية للفكرة والموضوع والتكثيف والاقتصاد فرضتها العولمة والحداثة المفرطة بكل جوانب الحياة وايقاعها المتسارع بجنون وهنا يحضرني قول الروائي والشاعر البرتغالي جوزية بيكسوتو القصيدة المكونة من اربعة ابيات توازي في كثافة معانيها رواية من مائتي صفحة .

وقد اشتغل كبار القصاصين والروائيين في التجريب والاستثمار الابداعي في القصة القصيرة جدا امثال نجيب محفوظ وخورخي لويس بورخس وتشيخوف  وجاءت نصوصهم لاتقل اهيمية عن مطولاتهم السردية في القصة والرواية في تتبع المقومات السردية الاساسية في الاحداث والشخصيات والبنية الزمنية والاسلوب وجاءت جل اعمال الكاتب السوري زكريا تامر بهذا الجنس الادبي وكان مثلا في التمكن في اسلوب كريكاتوري محبوك بسردية عالية وظفت التكثيف والانزياح والسخرية بدقة مما جعل نصوصه مقروء في معظم انحاء المعمورة  وترجمت اعماله لعدة لغات ويكاد يمتاز بتجربة فريدة في القصة القصيرة جدا في الترميز والسخرية وهو صاحب نتاج كمي وكيفي في هذا المجال عربيا وعالميا

هنا لايتسع مقال صغير اودراسة مقتضبة لسبر حدود واعماق هذا الجنس الادبي الذي يحتل مساحة واسعة لاتقل شانا عن الاجناس الادبية الاخرى تاليفا وقراءة ومثلما ابدع كتاب امريكا الاتينية ، ولما لهم من ارث ابداعي وانساني جلي وعظيم كذلك كانت لهم الريادة في ترسيخ هذا الجنس الادبي (ق.ق.ج) ولهم بصمات ريادية في تطور هذا الجنس الادبي لايمكن تجاوزها على الاطلاق شرقا وغربا ، وقد ترجمت العديد منها الى لغات عديدة وكان لها تاثير في مسار ق.ق.ج امثال غوستو مونتيروسو صاحب اقصر قصة قصيرة جدا ( الديناصور) ، رني ابليس فابيلا ، خون خوصي اريولا ، غبيرييل خمينيث امان ، فرناندو ابينيسا والقائمة طويلة جدا .

وكذلك الامر بالنسبة الى العالم العربي بمشرقه ومغربه وان ذكر اسماء وتجارب دون اخرى يبدو امر تعسفي وغير ذي انصاف فهناك الكثير الكثير من الاسماء التي حفرت مواقعها ابداعيا ، وقد صدرت العديد المجاميع القصصية والدراسات التي تناولت هذا الموضوع باسهاب وارشفت للقصة القصيرة جدا في المغرب العربي من خلال اصدار اكثر من انطولوجيا تهتم بهذا الجنس السردي وافرد اكثر من موقع ودورية تتناول ق.ق.ج دراسة وتحليل وبرزت اسماء  لامعة في ترسيخ هذا الجنس السردي الجديد  عراقيا

ان من ابرز سمات الابداع هو طاقته الغير مستنفذة في التجريب ، فلاعجب ان يتصدى الكتاب والقصاصون العراقيون بتجارب مبكرة في القصة القصية جدا وتعتبر ريادية عربيا وغير صحيح مقولة ان الفاشلين اوالمدارين لعجزهم قد وجدوا ضالتهم بهذا الجنس الادبي الجديد فهناك قامات قصصية وروائية عراقية لها بصماتها في الادب الانساني والعربي في استخدام السرد القصصي بوعاء القصة القصيرة جدا كمضاف لتجاربهم في عالم سمته الرئيسية هو التغير المتسارع دون توقف فظهرت تجارب عراقية مميزة فنشرت القاصة بثينة الناصري حدوة حصان عام 1974 ونشر القاص خالد حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته الصادرة عام 1975 ونشر القاص والروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي القطار اليلي   وكذلك جمعة اللامي واحمد خلف وابراهيم احمد ومحسن الخفاجي ................

 ومن التجارب التي لابد الوقوف عندها مطولا تجربة القاص هيثم بهنام بردى المكرسة لهذ الجنس الادبي وتفرده في التكنيك واللغة والترميز فنسج نصوصا حريرية من مخمل السرد الحكائي  الملون بالهموم الانسانية فحقق للقصة القصيرة جدا تالقا اسرا في الدهشة مماجعله في الصف الاول بامتياز 

هناك تجربة مميزة للقاص والناقد والتشكيلي حمدي مخلف الحديثي ابتدات من خلال مجموعتة الموسومة تخطيطات وصولا الى مجموعته الاخيرة قضايا والتي تنطوي على اسلوب فني خاص في قضاياها الخمسين التي احتوتها المجموعة وهو قاص عصامي تستحق تجربته الابداعية  دراسة مطولة للالمام بجوانبها الانسانية المشبعة بالتجربة على اكثر من صعيد وفي اكثر من مجال ابداعي      

 

ومن جيل الشباب من اولى اهتماما ومثابرة ابداعية متميزة قصا ونقدا ودراسة بهذا المجال القاص ابراهيم سبتي وله الكثير من الوقفات التحليلية والنقدية اضافة الى نصوص تنطوي على تجربة تستحق الاهتمام انطلاقا من خبرة وتجربة في هذا الميدان

وهنا وقفة مع تجربة للقاص نهار حسب الله التي يمتاز بغزارة نصوصه فاستطاع من خلال خلط الواقع بالمتخيل في رصد حقيقة المجتمع العراقي   بجراة وشجاعة في الارتقاء بالحدث اليومي العادي الى فضاءات اخرى من خلال بناء الصورة المفعمة بالتكثيف والترميز لمعاناة المجتمع العراقي

هناك  عشرات الاسماء التي رفدت القصة القصيرة جدا اذكر منها احمد جار الله ،هيثم محسن، سعدون جبار، ماجدة الغضبان ، زيد الشهيد .............. ونحتاج عراقيا الى انطولوجيا شاملة بسبب تعدد التجارب وكثرتها وتميزها اسوة بالمغرب العربي الذي اولى اهتمام كبير بهذا الجنس الادبي اصدارا ونقدا وتقويما لتجارب كتابه ومبدعيه

 اخيرا تبقى القصيرة جدا  جنس ادبي يعبر عن حاجة فرضتها الحداثة الافتراضية ونحن كبشر منذ ان نفهم الكلام حتى موتنا محاطون بالقصص تسيل دون انقطاع مثل الزمن الذي لانملك الادوات ولا القدرة الكاملة لادراكه فنحاول ان نمسك بدقائقه ومكوناته لادراك حقيقة ما وجاءت ق. ق. ج للامساك بلحظة هاربة وتدوينها سرديا تدفعنا رغبة الخلود لتجميدها لكننا لانعرف كهنها على الاطلاق فنمني انفسنا بين المتخيل والواقعي بحكم افتراضي يشبع فضولنا الانساني العاجز احيانا عن تصور التبادلية الحتمية بين الواقع والخيال  كسنة ثابتة لامناص

المشـاهدات 798   تاريخ الإضافـة 23/10/2019   رقم المحتوى 2883
أضف تقييـم