بغداد – حمدي العطار

حتى يستوعب القارئ ما في رواية ( محاكمة نادية الابرو) عليه ان يكون قد قرأ روايات نادية الابرو الثلاث ( ارواح من رمال- رحلة اليعسيوب- ضوء برتقالي) لأن شخصيات هذه الروايات وما حدث لها ومصيرهم هم اصحاب الدعوة ضد الكاتبة الروائية ومن دون معرفة تفاصيل تلك الروايات سيكون فهم هذه السردية صعبا او مستحيلا فالروائية منذ البداية تعلن نيتها في الاعتزال ( عن عالم السرد وتعقيداته موقنة أن لا جدوى من اجترار الألم والمعاناة وإعادة صياغتها وتشكيلها بكلمات قد تبقى عاجزة عن الولوج في لب الحقيقة واستدراك عمقها أو ربما عقمها "ص12 

احياء الموتى

تجارب من هذا النوع لا تذهب في اخراج الشخصيات الروائية لتكون في واقع افتراضي !  روائي مثل الماغوط يبث الحياة بالشهداء ليأتوا لمواجهة رفاقه وعتابهم لأنهم ضحوا بحياتهم من اجل القضية بينما رفاقهم الان يتمتعون بنعيم السلطة والرفاهية !ولم نسمع بهذا النوع من الاعمال في زج شخصيات روائية برواية اخرى بحجة المحاكمة، في رواية امام العرش للروائي نجيب محفوظ قدم روايته على شكل مسرحية فكرية وقد كتبها بعد عامين من اغتيال السادات فهو يستحضر شخصيات اصبحت في ذمة التاريخ ويدخل جميع الملوك الى قاعة المحكمة بترتيبهم التاريخي كي تستمع اليهم المحكمة قبل النطق بالحكم!

الاسلوب وتقنية السرد

في هذه الرواية فيها انتقال من الروائي الخارجي الى الروائي الداخلي، ولأنها اتخذت السارد البطل متمثلا باسم الروائية فصعب عليها ان تتقمص وتتفاعل من خلال الاستبطان باقي الشخصيات في الرواية الى ان وصلت الى مرحلة اختطافها وتقديمها للمحاكمة فإضافة للسرد متابعة الحوار الداخلي للبطلة وهي تستعرض ابطال رواياتها وليشعر المتلقي ان الروائية نادية الابرو قد اقتنعت بإنها كانت مذنبة

"  اي جنون اطبق على عقلي وجرني إلى كتابة تلك المأسي؟ من خولني ذلك؟ من اعطاني الحق في خلق شخوص والعبث بمكنونات أرواحهم وأقدراهم؟ يا لي من ظالمة! لا أستحق رأفة أو تعاطف بعضهم، لا أستحق، أمعن النظر في وجوههم الواحد تلو الآخر... تقصدين وجوه ضحاياك .. نعم سمهم ما شئت فالنتيجة واحدة، لماذا كان علي تخريب حياتهم بمواجهات وتجارب قاسية ملعونة، انا نفسي لا أقدر على مجابهتها...من اعطانا تلك السلطة الشنيعة في فرض الشقاء والبؤس على أبرياء كل ذنبهم أنهم نتاج عقولنا المريضة وخيالاتنا المتطرفة المعتوهة التي ما ننفك تشيد عوالم المريضة وخيالاتنا المتطرفة المعتوهة التي ما ننفك تشيد عوالم حتى تعاود تدميرها مع النهاية غير ابهين بحياتهم التي اثقلناها بصديد أرواحنا وجروح انكساراتنا ، اي ملعونة أنا"ص153!

المذنب الروائية

يتوصل المتلقي ان ما تعرضت له الشخصيات في روايات نادية الابرو من سجون وتعذيب وقتل وجنون ليس سببه الانظمة السياسية الظالمة والفاسدة والحروب وتداعياتها بل سببها خيال الروائية ، والاشكالية في هذه السردية هو تأييد الروائية لأتهامات توجه اليها( سؤال طالما رادودني: لماذا أكتب؟ ما ذنب كاظم أن يعيش ابد العمر شقيا تطارده الأرواح العالقة برمال صحراء السماوة (ارواح في الرمال)- هل الكاتب رب شخوصه؟ فلماذا لم اكن رفيقة بهم رحيمة؟  لا افهم من وهبنا الحق؟ اهي موهبة ما يدعون أم لوثة عقلية نولد بها وزرها اولئك المسكين!

هنا تقترب السارد من مفهوم ( المخير أو المسير) لأنها تمثل الخالق في خلق شخصيات على الورق فهل هي سمحت لهم أن يقومون في أعمال خارج اراداتهم وصد رضا ورغبة الخالق ( الكاتبة) هنا تكون الشخصيات الروائية هم المسؤولين عن أعمالهم ويحكم على الكاتبة نادية الأبرو بالبراءة. أما إذا كان العكس أي أن كل عمل وموقف وحركة في رواية من مسؤولية الكاتبة نادية الأبرو عندها يكون قرار الحكم لأنها ( مذنبة)!

نحن لا نملك حياة تشبه ما يعيشه الكاتب في اوربا وامريكا فليس لدينا روايات اباحية ولا روايات بوليسية ولا روايات خيال علمي والبعض يشكل على الروائي ان يكتب رواية سياسية فماذا لديه من ثيمات صالحة للكتابة؟ الان امامنا تجربة لروائية كتبت روايات ناجحة لتعود تلوم نفسها لأنها كتبت بصدق وحرفية!