الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
إشارة عن أدب الغضب والاحتجاج
إشارة عن أدب الغضب والاحتجاج
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منذر عبد الحر
النـص :

بما أن الأدب هو الهاجس الإنساني الذي يعبّر عن أحاسيس الناس وهمومهم وأوجاعهم وتطلعاتهم أيضا , فأنه يرتبط بالمتغيّرات الكبيرة والظواهر الاجتماعية الكبرى التي يمر بها المجتمع وأبناء الشعب كافة , ولعل النصوص الغاضبة التي كتبت كنصوص احتجاج أو مقاومة أو تعبير عن سخط شعبي تجاه السلطات القمعية , هي نصوص لا تتمثل فيها الصنعة الفنية والمهارات الصياغية , لأنها تريد الوصول بشكل مباشر إلى الجمهور , كي يتفاعلوا معها وتؤثر فيهم , وهذه النماذج وبعضها قصائد طويلة كتب لها الخلود وأدت إلى إشعال الغضب الجماهيري , الذي ولد ضغطا كبيرا وإحراجا للحكومات والسلطات , وقائمة هذه النصوص تطول , وتتنوع أشكالها الفنية والبنائية , لكنني سأتطرق إلى عيّنات بسيطة منها في إشارتي التي أكتبها , ووطني الغالي الحبيب يعيش فترة  تزهو بالتلاحم الجماهيري والتعبير الحضاري عن سعي أبناء الشعب كله للتغيير وتحديد مصير الأجيال الجديدة , التي لا أخفي إعجابي بها وبوعيها وحماسها ومعرفتها الدقيقة لأهدافها وغاياتها .

ولابد أن أذكر هنا أنه في عام 1948 شهد العراق ,  وخاصة العاصمة بغداد، احتجاجات وتظاهرات شعبية واسعة، عرفت تاريخياً بـ"وثبـة كانون" وذلك احتجاجا على  معاهدة "بورت سموث" البريطانية – العراقية، التي اجمعت القوى والاحزاب والشخصيات الوطنية، على ظلمها للعراق  ..وقد كان للشاعر محمد مهدي الجواهري، موقفه من تلك المعاهدة، وغضبه منها، الذي ازداد حدة بعد أن  أصيب شقيقه الاصغر جعفر، بجروح بالغة خلال الاحتجاجات، برصاص شرطة العهد الملكي، ثم ليستشهد بسبب ذلك بعد ايام، الى جانب من أصيبوا، او استشهدوا، وغالبيتهم من الطلبة والشباب . .حيث كتب قصيدته الخالدة " أخي جعفر " التي أورد أبياتا منها :  

أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ      بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ

فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً    وليس كآخَرَ يَسترحِم

يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياع      أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا

ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا

أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة    أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم

أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد   تظَلُّ عن الثأر تستفهِم

فقُلْ للمُقيمِ على ذُلّهِ       هجيناً يُسخَّرُ أو يُلجَم

تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، أزيزَ الرَّصاص   وَجرِّبْ من الحظّ ما يُقسَم

وخُضْها كما خاضَها الأسبقون   وَثنِّ بما افتتحَ الأقدم

تَقَحَّمْ ، لُعِنْتَ ، فما تَرتجي        مِن العيش عن وِرده تُحرَم

أأوجعُ مِن أنَّك المُزدرى وأقتلُ مِن أنَّك المُعدِم

يقولون مَن هم أولاءِ الرَّعاعُ      فأفهِمْهُمُ بدَمٍ مَنْ هُم

وأفهِمْهُمُ بدمٍ أنَّهمْ         عَبيدُكَ إنْ تَدْعُهمْ يَخدُموا

وأنَّك أشرفُ من خيرِهمْ وكعبُك مِن خدهِ أكرم

أخي " جعفراً " يا رُواء الربيع  إلى عَفِنٍ باردٍ يُسلَم

لَثَمْتُ جراحكَ في " فتحةٍ "       هي المُصحَف الطُهرُ إذ يُلثَم

وقبَّلتُ صدرَك حيثُ الصَّميم     مِن القلب ، مُنْخَرقاً ، يُخرَم

أخي " جعفراً " لا أقولُ الخَيال  وذو الثأرِ يَقْظانُ لا يَحلُم

.........................................

وعن الوطن المبتلى دائما يقول الشاعر الراحل يوسف الصائغ: " أنا لا أنظر من ثقب الباب إلى وطني، لكني أنظر من قلب مثقوب وأميز بين الوطن الغالب والوطن المغلوب" ..

أما نموذج الاحتجاج والغضب الثالث فقد اخترته من الشاعر الراحل محمود درويش حيث يقول :

" الزنبقات السود في قلبي ..و في شفتي ... اللهب ...من أي غاب جئتني ...يا كل صلبان الغضب ؟ ...بايعت أحزاني ..و صافحت التشرد و السغب ...غضب يدي ..غضب فمي ..و دماء أوردتي عصير من غضب ! ..يا قارئي ! ..لا ترج مني الهمس ! ...لا ترج الطرب ...هذا عذابي ..ضربة في الرمل طائشة ...و أخرى في السحب ! ..حسبي بأني غاضب ..و النار أولها غضب !"

نماذج عديدة , يطول الحديث عنها ألهبت الجماهير وظلت خالدة في وجدان الشعوب وضمير التاريخ , وهناك شعراء لهم أصواتهم الهادرة وهم يتناغمون مع غضب أبناء شعوبهم , لكنني اخترت هذه النماذج كعينة مختارة لتأكيد فكرتي في طبيعة هذا الأدب الذي يمتلك سمات خاصة , منها طبيعة لغته وموسيقاه ونسق خطابه الفني , الذي نراه دائما مبسّطا غايته التأثير والتفاعل وإلهاب حماس الجمهور من أجل تحقيق الغاية والهدف والرسالة الوطنية بأيسر السبل وأقصر الطرق , لأن الناس الآن بحاجة لها للمضي في غضبهم المقدس واحتجاجهم النبيل .

المشـاهدات 957   تاريخ الإضافـة 17/11/2019   رقم المحتوى 3101
أضف تقييـم