الجمعة 2024/3/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
العرض المسرحي العراقي ((عضة كلب)): وصمة أن تكون إنسانا
العرض المسرحي العراقي ((عضة كلب)): وصمة أن تكون إنسانا
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

علي لفتة سعيد

 

تنطلق مسرحية «عضة كلب» للمؤلّف لؤي زهرة من تساؤل فلسفي مرتبط بعملية جلد الذات لما آلت إليه الأمور في العراق. وهذا السؤال مفاده .. ماذا لو تحوّل الكلب إلى إنسان؟ ورغم أن كلمة (عضّة) في العنوان لا تشي بمفعولها الإيحائي بقدر ما هو مفعولٌ قصدي أراده المؤلّف في المسرحية، أن يكون على قدرٍ كبيرٍ من مقابلة المعقولية المتعارف عليها حين يتحوّل الإنسان إلى كلبٍ وكيف يعض الآخرين بنكران ذات. المسرحية قدمتها فرقة مسرح باهرون في مدينة كربلاء، من إخراج عباس شهاب، وبإشراف فني لعلي الشيباني. أداء .. جعفر الأمير، إبراهيم الشذر، أحمد جواد، وهناء حسين.

 

عالم البشر المرفوض

 

حاول العرض بشكل مباشر تارة أو غير مباشر تارة أخرى الإجابة على هذا السؤال المعكوس .. فالكلاب الوفية الأمينة للإنسان، لا تحبذ أن تتحوّل إلى إنسانٍ ولو كان بمفعول ساحرة أرادت أن تنتقم من كلبٍ منعها من دخول قصر زوجها السابق لوفائه لصاحب القصر. الساحرة التي تمثل المرأة الباحثة عن حقوقها من زوجٍ غني، ربما لا تمثّل الطبيعة النسائية، ولكنها صورةٌ أخرى من صور المعادلة التي تبحث عن تشظٍ للحالة العراقية، وما آل إليه الوضع العام للشخصية العراقية، بمن في ذلك المرأة التي بدأت بها المسرحية ولم تنته بها، وكأن مهمتها كانت فقط تحويل الكلب إلى إنسان، وإشاعة لحظات البداية للمسرحية وهي تقف على باب القصر، الذي جعلته مصمّمة الديكور أسيل خضير الوزني على شكل بابٍ يعلو سلّمتين تم تغطيتهما بقماشٍ أبيض. ولأنها ساحرة متّشحة بالسواد والشعر الأشعث وتمسك بيدها دفًا علامة الشعوذة، والدخان الأبيض الذي يخرج من تحت الأرض في إشارة إلى بلورة السحر في قاع المسرح، التي كانت الإضاءة تحاول مساعدة المخرج في توزيع الأحداث، التي نفذها سعد سلمان. فإن غضبها حوّل الكلب إلى إنسانٍ بشعرٍ طويلٍ ولحيةٍ شعثاء وبملابس بيضاء، له صوت كلبٍ بنباحه المستمر وهلعه من إيجاد جسده وقد تحوّل إلى كلب. ومنذ البدء هو يريد العودة إلى كينونته ولا يريد أن يكون بشرًا، نكاية بهذا الواقع المرير. من هنا تبدأ العلاقة بين الكلب ومحيطه حتى مع مالكه صاحب القصر، الذي يخرج لمرّةٍ واحدةٍ ليعطي مصداقية لتحوّل الكلب إلى إنسان، حين يتم الحوار بينهما بطريقة الكاذب والمكذّب، وفضح أسباب تحويله من قبل الساحرة كعقوبةٍ قاسية وهي تقول له «سأصيرك إنسانا هل تعرف ما معنى أن تُصبحَ إنساناً، هل تعرف ماذا يعني أن تُنتزع عنك طبيعتك التي أنت عليها، هل تعرف معنى أن ترتدي جِلداً غير جلدك، وتحملُ روحا غير روحك؟ هل تعرف ماذا سيحدث لك عندما تنْكُركَ فصائل الكلاب من بني جنسك؟» ورغم أن رفض الكلب كان مبكّرًا لتحوّله إلى إنسان من خلال فعل الساحرة، ويحدث الحوار بينهما حيث تقول له «اللعنة عليك.. ولماذا ترفض أن تكون بشراً؟ أو ليس الإنسان أعلى قدراً منكم معشر الكلاب؟» فيقول لها الإنسان/ الكلب «نعم، نعم سيدتي، الإنسان أعلى قدراً وأعظم شأناً منا، ولكن حين يصبح الإنسان مثلك فلا، حين يقتل الإنسان أخاه الإنسان بدم بارد، بدون أن يشعر بوخزة ضمير فلا، حين يهجر الإنسان جاره ويعتدي عليه فلا، وعندما يأكل لحم أخيه حياً ميتاً فلا، ولأنني لا أريد أن أكون مثلك ومثل أمثالكِ من البشر. نعم سيدتي الإنسان أعلى قيمة منا. ولكن حين يمتلأ قلبه بالحقد وروحه بالشر وتتلوث يداه بقتل الأبرياء فإنه سيبتعد عن صفة الإنسان».

 

بعيداً عن العار

 

ورغم أن الفعل الدرامي والصراع يتصاعد إلى درجاتٍ أعلى بدخول متسوّلٍ إلى حلبة الصراع بحدبته التي تشبه (حدبة أحدب نوتردام) ويمشي على عكازتين بهدف استدرار عطف الناس للحصول على المال. وفي هذا الحوار تكمن فلسفة المسرحية حين تكون هناك علاقة بين الاثنين، والطلب حتى بتشابه الأسماء، وإن عالم الكلاب عالم لا طائفية فيه ولا موت ولا قتل ولا تفجيرات، والمتسوّل لا يريد أن يبقى إنسانًا، ويريد أن يكون كلبًا. والكلب يريد العودة إلى كينونته فيصرخ أنه لا يريد أن يكون إنسانا. وما تمثّله عملية جلد الذات البشرية من قبل الإنسان الذي ترفض وجوده حتى الحيوانات بما فيها الكلب الوفي، الذي هو الأقرب من الحيوانات له، لأنه أي الكلب خبر الحياة البشرية وقسوتها.

 

التقنية المسرحية

 

حاول المخرج والمشرف الفني الاستفادة من التكنولوجيا، حيث الشاشة الخلفية التي تعرض ظلّ الإنسان من خلال وضع أشباح أو ما يصطلح عليها فزاعات المزروعات من الطيور على المسرح. وكذلك دخول المطرب عبد الله الكبيسي الذي قدم من الأنبار ليغنّي من كلمات الشاعرة فاطمة الليثي بما يتلاءم مع النص بعوده، وهي إشارة إلى عراقية النص. وكذلك استخدام صوت أغنية لحسين نعمة بدلالة غياب الفرح عن الحياة الإنسانية. وأيضا مشهد الانفجار ومقتل الطفولة. وجاءت بساطة الإمكانيات التقنية لتغفر الهفوات التي يمكن ان تحدث في أي عرض مسرحي، ويكفي أن رسالة العرض تحققت، حيث يقول المؤلف في ديباجة العرض .. «عضّة كلب ربما هي موعظة كلب تلك رسالة حملها إليها ذلك الكلب، ليقول لنا أيها الإنسان كن إنسانا مثلما أنا ذلك الكلب الذي أبى أن يكون إنسانا».

المشـاهدات 637   تاريخ الإضافـة 26/11/2019   رقم المحتوى 3328
أضف تقييـم