الخميس 2024/4/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
العراقيون وصورة الاخر: محاولة للفهم والتصحيح
العراقيون وصورة الاخر: محاولة للفهم والتصحيح
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. دهام محمد العزاوي
النـص :

 

في لقاء تلفزيوني صريح، على قناة الشرقية في 10-11-2017،سرد الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد، صورة من المعاناة التي واجهها كانسان غيرمسلم ( صابئي ) يعيش في مجتمع مسلم ظلت فيه صورة الاخر غير المسلم مشوهة اجتماعيا وثقافيا واستمر التعاطي الاجتماعي مع هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة يستند الى تفسيرات واجتهادات فقهية تاريخية مزيفة شتت عقلية العربي المسلم وقيدت نظرته للعالم المحيط به حتى غدى يعيش في وطنه بطريقة بدائية لاتتماشى مع الحضارة الانسانية التي يتسارع خطاها يوميا عبر ملتقيات اممية لتوحيد خطابها القانوني والانساني حيال مشكلات الانسان وتحديات وجوده حيثما كانو في اي بلد كانو من اي حضارة كان . في ذلك اللقاء روي شاعرنا الكبير انه في مطلع خمسينيات القرن العشرين ومذ كان طالبا في الابتدائية لم يسمح له بحضور درس الاسلامية وكيف انه وفي احدى الحصص قام المعلم بطرده مع صديقه اليهودي من المحاضرة على اعتبار انها خاصة باطفال المسلمين، وبعد ان رفض الخروج من الصف نهره الاستاذ وجره جرا الى خارج الدرس، فاثر ذلك في نفسه فما كان منه الا ان أمسك جزءا من القران ( جزء عم ) ،وبدأ يقرأ بصوت عال في ساحة المدرسة ليسمع استاذ الاسلامية، فما كان من الاستاذ الا ان جاء مسرعا اليه لياخذ منه جزء القران ويتلهب قوة ويصيح : ايها النجس كيف تتجرأ على مسك القران وانت صابئي . في ذلك اللقاء التلفزيوني لم تظهر على شاعرنا المتميز علامات التأثر بتلك الحادثة ربما لانها تعود لسنوات طويلة خلت او ربما لانها كثيرة الحدوث في مجتمع الف العنصرية ضد الاخر المختلف دينيا، او لأن شاعرنا كبير في معاني الانسانية والوطنية التي يحملها فتجاهل هذه الحادثة وبقي كما غيره من ابناء جلدته يتوقون للعيش في بيئة احبوها والفوها رغم عنصريتها المقيتة في احيان كثيرة . الحقيقة التي لازلنا لا نعترف بها في مجتمعنا ان فكرة التعايش المشترك مع الاخر المختلف ثقافيا ودينيابدأت تضعف وان صورة الاخر غير المسلم في الذاكرة الجمعية لمجتمعنا العراقي المسلم اصابها العطب وباتت  مشوهة بحكم اساليب التنشئة الاجتماعية الخاطئة للأسرة المسلمة وبسبب التفسيرات المتطرفة لنصوص الدين من قبل مفسرين منغلقين عن الحداثة وبفعل عدم الاستقرار والتبدلات في النظم السياسية والازمات الاقتصادية واعمال العنف والتدخلات الخارجية وهو ما منع بناء نموذج وطني تنموي حداثوي يتعايش في ظله كل المواطنين، ونتج عن ذلك الامر ازدياد التطرف والكراهية والتمييز الذي دفعت ثمنه الجماعات الدينية تهجير اوقتل الابناءها داخل العراق وخارجه وهي التي عاشت طوال قرون في المجتمع العراقيبأمن واستقرار وابداع .ان السؤال الذي يطرح هنا هو عن سرهذا التبدل في مفاهيم وقيم التعايش والاندماج التي سادت بين العراقيين طوال القرون الماضية وعن سبب تبدل النظرة الى الاخرمن نظرة رحمة الى نظرة انتقام ومن نظرة تعايش الى نظرة تهميش ،فقد كان مجتمعنا يشكل حالة مثالية في التعايش بين اتباع الديانات المختلفة من بين كل دول المنطقة ، ففي الوقت الذي عاش فيه لبنان احترابا داخليا بين الطوائف والاديان منذ تشكيله والى اليوم وكذلك مصر والسودان ، فان العراق تميز بهدوء العلاقة بين طوائفه واديانه المختلفة من المسيحيين والصابئة والايزيديين والشبك والبهائيين. فهل ان تلك النظرة نابعة من تصورات دينية خاطئة ام نتجت من التراتبية الاجتماعية السلبية المترسخة في عموم المجتمع العراقي والعربي والتي تقوم على التهكم والازدراء الثقافي والمناطقي بين ابناء المناطق المختلفة في العراق؟ فقد ترسخت في اذهان العراقيين تصورات ثقافية سلبية متوارثة تقوم على اساس مناطقي وجهوي،فالمصلاويمشهورعند غالبية العراقيين بالبخل وابن الناصرية معروف بالخباثة وابن البصرة بالكرم وخفة الدم، في حين تختزن الذاكرة الجمعية للعراقيين بتصورات مبتورة عن غباء الكردي والدليمي والتركماني المصلحجي، ومن الواضح ان النظرة للآخر المختلف دينيا تأتي في اطار التراتبية الاجتماعية وليس الدينية فكما ان ابن الناصرية يتصف بالخباثة فان اليهودي في نظر العراقيين ايضا طماع وخبيث وكذلك الايزيدي ، فالقضية لاتتعلق بالدين وانما بالتراتب الاجتماعي . ولعل مازاد في انفلات المشاعر العنصرية هو ماحصل بعد 2003 من انهيار النظام السياسي وظهور نظام المحاصصة الاثنية والذي قسم الناس على اساس الولاءات والانتماءات ما دون الوطنية فتفجرت المشاعر الطائفية والدينية حيال الاخر فكان نصيب الجماعات المستضعفة من التهميش والاستهزاء والابعاد كبيرا في ظل ضعف القانون وسيادة منطق الغلبة والقوة .ومهما كانت الآراءالتي طرحت في تفسير التعصب اتجاه الاخر ، فان اختلاف الدين بات في العراق سبباوراء النظرة المتعصبة الى الاخر الذي بات اليوم بلا غطاء قانوني او عشائري او مناطقي فاصبح صيدا سهلا للإرهاب ولجماعات الجريمة المنظمة وعرضة الى التمييز والانحياز والنظرة السلبية من خلال اساليب التنشئة والتعليم فمثلا لازال فصل الطلاب غير المسلمين عن الطلاب المسلمين مستمرا في مادة التربية الاسلامية وهو ما يعطي الاخر صورة مشوهة عن المنظومة الاسلامية ويصفها بالانغلاق والارهاب، وبقي عدم تمكين الطلاب المسلمين من التعرف على ديانات زملائه ممن غير المسلمين يتسبب في تشوه ثقافي وعمى فكري لدى كثير من طلاب المسلمين حيال الديانات الاخرى ويفتح باب التأويلات والتفسيرات المشوهة حيال تقاليد وطقوس غير المسلم، فحينما تسأل كثير من العراقيين عن ديانة الصابئة المندائيين او عن ديانة الايزيدية فانهم لايعرفون الكثير بل يعتبرون اتباع هاتين الديانتين كفارا لايجوز التقرب منهم، وهذا الامر ينطبق على المسيحيين ايضا حيث لايفهم المسلم شيئا عن عاداتهم الاجتماعية اوطقوسهم الدينية ويتجنب الدخول لكنائسهم او الاختلاط بهم في مناسباتهم، أما اليهود فقد تعرضوا في العراق لابشع صور التشويه والتنكيل في مطلع الاربعينيات الى بداية الخمسينيات من القرن العشرين، فقد سلبت اموالهم وممتلكاتهم وطردوا من العراق في عملية سياسية ذات دلالات اجتماعية خاطئة لم تميز بين يهود العراق المحبين لبلدهم وبين الصهاينة المغتصبين لارض فلسطين، ولازال مصطلح الفرهود من اشهر المصطلحات التي يستخدمها العراقيون للدلالة على واقعة التسليب والنهب لممتلكات اليهودفي بغداد بل ان العراقيون تغنوا بتلك الحادثة البربريةفلازال المونولوج الشهيرللمطرب عزيز علي ( شحلو الفرهود كون يصير يومية ) مضربا للامثال، ويعبر بصدق عما اختلج في نفوس الجهلة والرعاع من العراقيين آنذاك من حالات تشفي وغلبة بابناء بلدهم الذين اضطروا ليكونوا لقمة سائغة بيد الحركة الصهيونية . اليوم لازالت الكثير من مظاهر العنصرية تمارس في مجتمعنا حيال الاخر اذ يرفضالكثير من المسلمين الجلوس مع الايزيديين والصابئة او اليهود وربما المسيحيينعلىموائدالطعاموالأكلمنطعامهماوالزواجمنبناتهم، وفي الوظيفة العامة يمنع الكثير من ابناء الجماعات الدينيةمنالوصولالىبعضالوظائفالعامةالمهمة في الجيش والاجهزة الامنية الحساسة،ولازال يضرب بالذي يتزوج من صابئية اومسيحية اويهودية المثل بسبب خروجه على تقاليد المجتمع العراقي العربي ،اذ يوضع على مستقبل اولاده الف علامة استفهام !! اذ لا يتم تزويجهم في غالب الاحيان ويكنون بأمهم الصابئية اواليهودية اوالنصرانية .لاشك ان الجهل والتخلف وغياب الرؤية الحكومية لوضع مناهج تربوية تشجع التعايش والاندماج،وكذلك ارتفاع البطالة والفقر في صفوف الاجيال الصاعدة واستناد النظام السياسي على المحاصصة الاثنية وشعور الاغلبية العربية المسلمة في مجتمعنا بغرور السلطة واحتكار القوة تعد من اهم اسباب ارتفاع العنصرية في مجتمعنا. ومما يؤسف له ان صعود مظاهر التعصب والتمييز ضد الاخر في مجتمعنا باتت لها انعكاسات متعددة على واقعنا المعاصر فمن جهة تآكلت هويتنا الوطنية بعد ان تصاعد تهجرة ابناء الاديان الاخرى الى خارج العراق، ومن جهة ثانية كان الانعكاس سلبيا على الثقافة الاسلامية، ففي ظل تصاعد الاسلام وفوبيا واتهام الغرب للاسلام والمسلمين بالتعصب والعنصرية حيال الاخر يصبح تصحيح الصورة واجبا وطنيا يجب ان تتبناه القوى والتيارات السياسية والاجتماعية الحية في مجتمعنا، لاعادة الصورة الحقيقية للاسلام والذي من اعلى غاياته صون كرامة الانسان وحمايته وتوفير الامن له اينما وجد وباي لغة اوهوية كانت وتذليل الصعوبات التي تعترض التكليف الرباني له بعمارة الارض واقامة العدل .

المشـاهدات 761   تاريخ الإضافـة 26/11/2019   رقم المحتوى 3332
أضف تقييـم