الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 36.95 مئويـة
النقد المسرحي واستراتيجياته
النقد المسرحي واستراتيجياته
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الانصاري
النـص :

منذ إن تبلور المسرح كأبداع انساني تحول من الممارسات الطقسية والتقاليد والاحتفالات العفوية الى ممارسة قصدية محورها الفكر والوعي والأسلوب الذي يتشكل من خلال منظومة متعددة من الفنون بأعتبار المسرح فنا دراميا مركبا وشاملا يتكون من اللغة والحوار والحركة والصوت والمؤثرات واللون والضوء والزي والفراغ وأداء الممثل الذي يتعامل مع كل هذه المنظمة من جانب وعلاقته بالمتلقي وكيفية ضمان مشاركته لتحقق الأثر المتبادل ، لقد كان النقد وسيبقى فعلا معرفيا يكمل العمل المسرحي بل يسهم في تصويبه وتطويره واثراه خبرات الفنانين المشاركين فيه ، حيث ساهم النقد في تحديد السمات الإبداعية للاعمال المسرحية بعد أن يتم تحليلها وتقويمها من خلال قراءة علمية واعية تستند الى أسس النقد السليمة التي تتطلب توفر مؤهلات لدى الناقد وخبرة معرفية كبيرة والمام بخصائص الاعمال المسرحية وأساليبها واشكال تجسيدها بما يمكنه إعادة انتاجها وفق تحليل دراماتورجي يشخص بدقة التعامل الاخراجي مع النص والرؤية النهائية المنتجة وكيفية التعامل مع النص وفكرته الفلسفية وتوضيح مدى قدرة المخرج والممثل والمصمم في ربط العلاقات بينهما بأحكام وتوظيف ادواتهم الفنية بتناغم وانسجام يفود الى الرؤية المشتركة ،

إن دور النقد يكاد يتصدر العملية الإبداعية برمتها كونه المحصلة النهائية لجهود كل القائمين في الإنتاج المسرحي وتكمن أهميته في توجيه العمل المسرحي نحو أفاق امثل وبما يعزز معرفة الفنان ويطور ممارسته الفكرية والمهنية . ومع تنوع التجارب المسرحية التي انطلقت من المدرسة الكلاسيكية القديمة التي كان يوجهها اساطين النقد المسرحي والذي يعد الفيلسوف ارسطو هو الاغنى عطاءا بينهم في تلك الفترة من خلال ما انجزه من أسس ومعايير نقدية في كتابه الشهير فن الشعر 330 ق م ، والذي ارسى فيه مبدأ المحاكاة وحدد معيير العمل الإبداعي وخصائصه وهي الالتزام بالوحدات الثلاث المتمثلة بالحدث الدرامي ( وحدة الموضوع ) ووحدة الزمان الذي يقع خلال يوم واحد ووحدة المكان ( مكان درامي واحد ا، وقد كانت الاعمال التراجدية التي كتبها رواد التأليف المسرحي العالمي في العصر اليوناني اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس وارسطوفان هي النماذج التي استقى منها ارسطو لفكاره النقدية والتي طبقت فيما بعد على الاعمال الكوميدية التي كتبها ميناندر وسنيكا وبلاوتوس ، و قد ظلت تعاليم ارسطو في النقد تطبق لفترات زمنية طويلة حتى عصر النهضة الذي ظهرت فيه تيارات جديدة حاولت اقتفاء اثر الكلاسيكية القديمة مع تجاوزات للوحدات الثلاثوقد انتجت هذه الفترة روائع من الاعمال الخالدة لمبدعين كان يتصدرهم شكسبير وكالديرون ولوب دي فيجا وبير كورنيه وجان راسين وموليير وغيرهم ممن ابدعوا اعمالا مسرحية وفق رؤى مغايرة انسجمت مع تطورات العصر وتناغمت مع إيقاع المجتمع واستمر النقاد في مواكبة هذه المتغيرات في الكتابة والإخراج المسرحي فتوالت المدارس كما في الرومانسية التي غلبت فيها معالجات النفس الداخلية والاهواء المثالية ، ثم الطبيعية التي هيمنت فيها الحقيقة على العقل والتفكير الى ان جاءت الواقعية التي ارتبطت بقضايا المجتمع ومشاكل الانسان ، اما في العصر الحديث فقد برزت تيارات الحداثة وما جاء بعدها والتي تمثلت بثلاث محاور أساسية يمكن اختزالها بموت المؤلف والنصية واستجابة القارىء وهذه التوجهات تمثلت بالشكلانية والبنيوية والسيميائية والتفكيكية وصولا لنظريات التلقي الذي ارسته مدرسة كونسانس الألمانية وقبلها بدأت بأفكار ديكارت ومبدأ الشك ثم أفكار هيجل بين الحداثة والعقل ثم جاءت محاولات سوسير وبوشلار وكانت ورولان بارت وهيدجر و تعقيبات هابرماس وانغاردنوجاك دريدا الى أصحاب التلقي ورواده روبرت ياوس وفولفانغ ايزر ، وهنا لا يتسع المجال للخوض في تفاصيل الاتجاهات النقدية اوالعلاقة بين النقد المسرحي وضروراته بقدر ما نود الإشارة الى ان رغم تأريخية النقد وتعدد مناهجه ورسوخ مبادئه الا ان العلاقة ما بين المبدع والنقد في عالمنا العربي والعراقي تحديدا مازالت علاقة متوترة وهذا مرده حالة سوء الفهم لدور النقد واهميته للفنان من ناحية واختراق الساحة النقدية من قبل بعض الطارئين عليها ممن تنقصهم الخبرة والمعرفة والتخصص والمتابعة لذلك تأتي كتاباتهم التي تندرج تحت مسمى النقد تجاوزا فاقدة لاسس ومعايير النقد العلمي بعيدة عن المهنية والمعرفية والأخلاقية مما جعل العلاقة اكثر تشنجا خلافا لما هو عليه النقد المسرحي في العالم وكيف يلعب دوره الإبداعي الى جانب التجارب الفنية ونحن نقترب من إقامة المهرجان المسرحي الوطني دعوتنا للقائمين عليه ان يكون للنقد حضورا مؤثرا وليس مجرد تعقيبات هامشية طارئة تقال بعجالة وانطباعات عابرة وان يتم انتقاء نخبة من النقاد الذين امتلكوا أدوات النقد المسرحي تسند لهم مهمة المحور الفكري واختيار لجنة تمنح جائزتهم التي أضحت من اهم الجوائز في المهرجاناتولكي نحاول ان نوثق العلاقة الإيجابية بين الناقد والفنان عبر احترام متبادلوتقيم موضوعي للرؤى والأفكار المشتركة .

المشـاهدات 1831   تاريخ الإضافـة 29/08/2019   رقم المحتوى 351
أضف تقييـم