السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 35.95 مئويـة
الشاعر “جواد الحطاب”  يفتح «بروفايل» لنحت الشعر !
الشاعر “جواد الحطاب”  يفتح «بروفايل» لنحت الشعر !
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

عبدالزهرة الركابي

في مجموعته الشعرية الجديدة (بروفايل للريح.. رسم جانبي للمطار تنويعات على نصب الحرية) حاول الشاعر جواد الحطاب في تداخل مع نصب الحرية أحد الأعمال الخالدة للنحات جواد سليم، أن يجعل هذا النصب القائم في الباب الشرقي في بغداد، جدارية مقروءة وناطقة بالمفردات الشعرية، على الرغم من أن بعض الذين تناولوا هذه المجموعة، عدّ الأمر محاولة تناص، قام بها الشاعر للإستفادة من إيحاءات النصب على مستوى الحدث التأريخي والبعد الفني لهذا النصب.

وإذا كان النصب المنحوت (نصب الحرية) يجسد حدثا» ماضويا» في النسق التأريخي الحديث والمعاصر نسبيا» وذات أبعاد ملحمية تكميلية و تواصلية، فإن الشاعر الحطاب أراد في نصه النثري هذا والذي نأى عن العناوين، ان يكون مكملا» بالشعر وليس بالنحت، بل وليكون ملما» بأحداث لم تُنحت وأخرى سادت أو جرت في التسلسل التأريخي المعاصر، وبالتالي كانت مهمة هذا (البروفايل) في إتجاهين: الأول تداخلي تكميلي وإنتقادي، والآخر إمتدادي وتطويري وتوثيقي:

على موائد عمرنا ..

جميع فواكه العبوات

ويرسب أولادنا في الدرس

لايعرفون إعراب المفخخات

ترك جواد الحطاب نصه مفتوحاً ومن دون عناوين مثلما أسلفت، وقد أستعاض عن ذلك برموز من النصب لتكون وقفة هنا وأخرى هناك، بدلاً من عنوان هنا وآخر هناك، وكان هذا الإستدلال التعويضي، شكلا» للتداخل والربط، بيد أنه أتخذ منحى آخر لفعل ماض قريب أو لحدث معاصر وقريب جداً، سواء ما يخص ثورة العشرين أو مايخص الإعتصامات والتظاهرات التي قامت وإنطلقت تحت (نصب الحرية)، أي منطقة الباب الشرقي أو ساحة التحرير في بغداد، تزامنا» مع أحداث أو ثورات ما يُسمى (الربيع العربي):

محراث خفي/ يمتد من ظهره لقرميد (ساحة التحرير)/ .. مهمولاً يجر السلالات/ المعابدَ/ والآلهة/ (على عدد المعابد يستهلك العراقيون آلهة)

فالشاعر في نصه (غير المعنوّن) هذا، راح يطرح مقاربات تأريخية، ليعبر من خلالها عن (نقمته) وعن رفضه لما هو سائد في الوطن أو لما تعرض له من غزو وإحتلال، وهذا الطرح يذكرنا بديوانه ( إكليل موسيقى على جثة بيانو) والذي صدر عام 2008، وعدّه النقاد اول ديوان شعري مقاوم للاحتلال ولشاعر عراقي من داخل الوطن، ( كان لبغداد أربعة أبواب : باب الشام/ باب الكوفة/ باب البصرة/و…باب خراسان/لبغداد أبواب أربعة/ باب كلواذا، باب الظفرية/ باب السلطان/ و.. باب الطلسم/ الآن لبغداد باب واحد/ باب الـ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه).

صحيح أن الحطاب في ديوانه أو مجموعته الأخيرة هذه، يعتقد من خلال المقدمة التي كتبها، والتي عدها (مغامرة) او عملا» تنويعياً، عندما جعل لها عنوانا» شاملا» (تنويعات على نصب الحرية)، فهو يقول في مقدمة مجموعته: (قررت أن أغامر مع جواد سليم وأكتب عن تكويناته الراسية في ساحة التحرير، قد تتطابق القصائد مع رؤية النحات، ومن المؤكد أنها ستختلف، فالإبداع بكل ثيماته ليس سوى مغامرة تحتمل التأويلات … فلأغامر إذن، وإذا فشلت، سأدّعي ما ادّعاه الحيدري بلند)، ويُذكر في هذا السياق، كانت هنالك محاولة تفاعلية بين الشاعر بلند الحيدري والفنان التشكيلي جواد سليم تحت عنوان (ان يرسم هو وانا اكتب قصيدة عما رسم)، وانتهت بقول الشاعر للرسام (رسومك غير موحية )!

فإن هذا التداخل التنويعي والنوعي في آن إذا صحت التسمية، جره الى أن يعمل مقاربة تارة ومقارنة تارة أخرى، وأزعم أن هذا الإسلوب الجريء، ربما يخرج نصه من أطار التداخل التكميلي والإمتدادي مع النصب الى مهمة إنتقادية وموجهة الى النصب نفسه بقصد أو بغير قصد، خصوصا» وأن الشاعر نوّه في مقدمته المذكورة الى هذا الأمر من خلال تسميته بـ (الإختلاف)، وأزعم مرة أخرى أن الكتاب والنقاد الذين تناولوا هذه المجموعة، لم ينتبهوا جيدا» لمثل هذا المشهد الشعري الذي يتداخل مع المدلول النحتي (تبرعت الامهات بصراخهن الى الحصان// فلا سلاسل تقيد الصهيل).

الحصان

والدليل في ما أقول، هو أن الشاعر تعمد وضع صورة الحصان كإشارة دلالية بدلا» عن عنوان القصيدة، على الرغم من أن الشاعر في مقدمة المجموعة أشار الى تماهي نصه أو نصوصه الشعرية مع تكوينات جواد سليم النحتية، وبعمل الشاعر هذا والذي كان تطويرا» على صعيد القراءة من على النصب، عندما جعل صهيل الحصان سلاحا» وصراخاً للإنتفاض، وقد يكون النحات جواد سليم عجز أزميله في التعبير عن هذا المشهد، بيد أن الشاعر جواد الحطاب أفلح في تحويله الى آلية نافذة ومهمة و مقروءة من على هذا النصب، و يبدو أن الجوادين (سليم والحطاب) أرتبطا بقدر واحد، فالأول أهتم بتجسيد الحدث من خلال الأزميل، والآخر من خلال المفردة الشعرية المقروءة، لكن مفردة ومشهد الشاعر في العرض والمشهد على صعيد المأساة والحدث الدامي، هما اللذان منحا أرجحية في الدلالة المتحركة والإستشهاد السائد:

لا تبيّضوا) دمنا بـ ( التداول اليومي )/ نطالبكم بترشيد القتل/

جثث نوافل/ جثث غوافل/ جثث زرقاء/ جثث بنفسجية/ جثث . . بلا جثث/

كل يحمل نعشاً / ويناديه وطني

أن تجربة الشاعر جواد الحطاب في التداخل مع نصب نحت ملحمي وتدويني، يُعد محاولة واثقة سواء على مستوى التماهي والتداخل أم على مستوى التضاد والإنتقاد والتمايز، وهي بقدر ما كانت تجربة ناجحة ومفيدة، بقدر ما كانت محاولة جريئة، لإستنطاق رموز الجماد أو حتى جعلها متحركة بهالة ناطقة ومستنطقة.

وبهذه التجربة والمحاولة في آن، يكون الحطاب حقق ما عجز عنه بلند الحيدري حتى لو كان الأخير من أعمدة شعراء الحداثة في العراق.

وأخيراً من المفيد القول، سبق للشاعر أن اصدر: سلاما ايها الفقراء – قصائد 1978 يوم لايواء الوقت – قصائد 1991 شتاء عاطل- قصائد /1997، ديوان الشعر العراقي – مجموعة مشتركة /1994 مختارات – سيرة حياة -كتاب باللغه الايطالية 1998، اكليل موسيقى على جثة بيانو /2009.

 

المشـاهدات 783   تاريخ الإضافـة 04/12/2019   رقم المحتوى 3520
أضف تقييـم