الثلاثاء 2024/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 25.95 مئويـة
التمرد والاحتجاج في النص المسرحي العربي
التمرد والاحتجاج في النص المسرحي العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

  أ.م.د. اسماعيل محمد هاشم

 

   بعد الحرب العالمية الثانية  ومارافقها  من  دمار وتشظي في جميع مرافق الحياة , وتهدم القيم والاخلاق وشعور الانسان بالإحباط واليأس , ظهر مسرح التمرد والاحتجاج كأحد علامات الرفض السياسي في المسرح العالمي .وتزايد خلال فترة الحرب الباردة التي سادت بين القطبين .وكذلك ظهور كثير من الأنظمة القمعية والدكتاتورية في العالم, وقد استمر مسرح الرفض والاحتجاج في محاولاته للتأثير على مسار الحياة ,ورفض القيم والمفاهيم السائدة , ووضع مرجعية علمية من خلال ادانته للحرب والسياسات القمعية الفاشية , وفضح القرار الذي ساد وهيمن على السياسات الدولية, مثل مثل الحروب ,والغزو وقمع الشعوب , وكل اشكال الاحتلال , وقد اتخذ كتاب المسرح من الخشبة المسرحية قاعدة مهمة لانطلاق فعاليتاهم النقدية الرافضة لكل انواع الاستلاب والقمع , وذلك من خلال كتابة نصوص وتمثيلها ,  اومن خلال مشاهد مسرحية, وحاول الكتاب من خلالها التمرد والاحتجاج على حالة القمع والاستلاب لذات البشرية ,امثال صموئيل بيكت ويوجين يونسكو وبيتر فايس (جيل جون ازبون) و(روبرت بولت) و(جون اردن) و(اوارج بولد) و(بيتر شيفر, وغثرهم ولم يكن المسرح العربي بعيدا عن ذلك الحراك وحالة التمرد والاحتجاج , لكن السطات كانت حاولت تجير المسرح لصالحها  وفرض سطوتها عليه ,سواء كانت هذه السطوة مباشرة في والقمع والتحدي ,و بالمصادرة لخطاب التحريض ,ومحاولة تجيره لصالح السلطة, وربما كان ذلك متأتيا من كون معظم السلطات هي سلطات دكتاتورية ليس لها القدرة على احتواء طبيعة الخطاب وتفهمه, ومن ناحية اخرى عجز الخطاب نفسه على ان يكون فعالا في عملية التغير ,كما ان خطاب التحريض يصبح ضعيف الفعالية عندما يبث اشاعات او اشارات في مساحة ضيقة من فضاء التلقي, ذلك لان المساحة تضيق كلما اصبح المسرح نخبويا ,فان أي نوع من انواع التحريض سواء كان جماليا او ايدلوجيا او فلسفيا سيكون غير قادر على ايصال رسالته بفعالية وتفعيلها في أي شكل كان, سواء كان تحريضا صريحا معلنا ,او كامنا في شفرات ماوراء السطور, او في دعوات التمرد على واقع معين .لذا يمكن القول ان المسرح العربي بشكل عام لم ينتج خطابا تحريضيا بشكل مباشر وذلك بسبب قمع السلطات العربية للكاتب العربي. لذلك التجأ الكاتب المسرحي الى التاريخ , فبات يقتطع بعض المواقف والاحداث التاريخية ويجيرها لصالحه فكرته المسرحية بعد ان يلبسها ثوب العصر , فيتلقاها  المشاهد العربي باعتبارها جزء من تاريخه, فيكون لها تأثير كبير عليه ,وفي الوقت نفسه لاتعترض عليها السلطات لانها تنتقد فترات تأريخيه ماضيه ولا تقترب من السلطة الحاكمة,  لذلك نلاحظ لم يتم من خلال هذه النصوص المسرحية معالجة مايتعرض له المواطن العربي من قمع واستلاب لحريته, وانما راح الكاتب يعالج من خلال هذه الاعمال التأريخية العزة والكرامة ومقاومة الاستعمار وبناء المجتمع الحر الكريم ,كما نلاحظ ذلك في   مسرحيات ( عسكر وحرامية ) و( الزير سالم ) للافريد فرج , و( كيف تركت السيف ) لممدوح عدوا وغيرها من الاعمال  , لكن مع  ظهور  الثورات العربية ضد  الأنظمة  الحاكمة , والتي جاءت بعد مرحلة الاستقلال لتلك الدول  والتي ادت الى شيوع الكثير من الافكار الثورية التي تطالب بالثورة على الفساد والظلم الاجتماعي والمساوات والتفاوت الطبقي .وهذا ادى الى تحول كبير في كتابة المسرحيات التاريخية , اذا بات الكاتب العربي يتناول أحداثاً تاريخية جديدة تغاير ما اعتاد كتاب المسرحية التاريخية تناوله في المرحلة الأولى . فبعد ان كانت  تطرح فكرة التصدي الاجنبي ومقاومة الاستعمار, اصبحت المسرحيات التاريخية تنتقد الظلم والقمع والتصدي للسلطة الحاكمة. وبعد ان كان  الصراع التاريخي يجري بين قوة خارجية متعدية وبين العرب ، اصبح  الصراع يجري بين السلطة العربية والشعب ,وبدلاً من اختيار الفترات التاريخية الزاهية بالانتصارات ، تم اختيار  الفترات المظلمة الحافلة بالطغيان والظلم.فمثلا في المرحلة الاولى كان فتح الأندلس, يقابله  في المرحلة الثانية ( غروب الأندلس ). و( أبطال المنصورة ) حل محلهم (الحسين ثائرا )و(الحسين شهيدا)  . وفتوحات بلاد الشام سقوط بغداد ,ومن النقاط المهمة في اختيار المادة التاريخية في هذه المرحلة كان في انتقاء أبطال الحدث التاريخي . فبعد أن كانوا من الطبقات الارستقراطية أو من القادة المشهورين بانتصاراتهم ، صاروا من عامة الناس والفقراء والشهداء . فبرزت شخصيات من أمثال (الحسين بن علي)  و(صاحب الزنج) و(ابو ذر الغفاري) و(أبو خليل القباني) و(رفاعة الطهطاوي) و(الحلاج) ( ثورة الزنج ) ( المهرج )  . وهؤلاء جميعاً تم  تعذيبهم وقهرهم على يد أبناء جلدتهم, وذلك  لما حملوه من أفكار مغايرة, ورفض واحتجاج ضد الانظمة الحاكمة, فمأساة الحلاج التي كتبها صلاح عبد الصبور تصف حالة المواطن الرافض للظلم ومايلاقي من هول التعذيب لمجرد احتجاجه ورفضه للسطلة فيلقى مصيره المحتوم, بأن يعدم ويصلب جسده على جذع نخلة, اذ حاول (الحلاج) إصلاح المجتمع، وتغييره باستخدام الكلمة وجعلها نوراً يضيء الطريق إلى الخلاص, ولكن هذا يثير حفيظة السلطة , مما يفضح سادية السلطة ووحشيتها وهمجيتها ، التي تمظهرت في الرغبة بالقتل والسجن والاضطهاد, اذ حاول الكاتب ان يجعل من الحلاج رمزا للظلام والقهر والتعفن, والحرب النفسية وسوط السجان , ويجعل من السلطة  اداة القهر والتعذيب واسكات الاصوات المعارضة, اما(سعد الله ونوس) فكتب عددا من المسرحيات المتمردة والرافضة لحالة القمع الانساني امثال مسرحية , ورحلة حنظلة, وراس المملوك جابر والفيل ياملك الزمان بائع الدبس الفقير التي طرح من خلالها قمع السلطات الحاكمة لمواطن خضور وقمعه وتقويله مالايقول بقوة السوط,كذلك كتب علي عقله عرسان من سوريا تحولات عازف الناي الذي عالج من خلالها مطاردة السلطان المواطن البسيط وقد عمل المؤلف على تنميط إبطاله ، فعمد إلى صيغة (الجلاّد والضحية)، فجعلهم كضحايا لظلم الدولة واستبدادها؛ فكانت الدولة هي (الجلاد)، وكان لأبطال هم الضحايا, اما من ليبيا فكتب عز الدين جلاوجي احلام الغول الكبير, ليصف الدكتاتوريا وقمعها للمواطن واستلاب حريته وارادته, ومن المغرب كتب عبد الكريم برشيد (ابن الرومي في مدن الصفيح) وهي إدانة للأنظمة القمعية، والعنصرية الشمولية، وفضح ممارساتها اللاإنسانية، التي يصل بها الحال  الى طرد الفقراء من مساكنهم في دور الصفيح دون منحهم مساكن بديلة عنها، اذ تأمر بهدم الأسواق، وإخلاء الساحات العمومية من أجل تشييد الفنادق السياحية الضخمة. ومن العراق كتب (محي الدين زنكنة) مسرحية السؤال وتتحدث عن شخصية الطبيب (صفوان ) ومايلاقي من سجن واضطهاد لذنب لم يرتكبه فيلاقي مصيره المحتوم بالاعدام في محاكمة صورية اذ نلاحظ أن جميع المحاكمات المعروضة في هذه المسرحية لم تحقق العدالة. وفي كل الحالات تكون الأحكام جاهزة، ويكون القضاة تحت ضغط النظام الحاكم , وتعد وجميع هذه النصوص المسرحية هي تمرد واحتجاج ضد السلطات الفاسدة ومايتعرض له المواطن العربي من قمع واستلاب من قبل هذه السلطة وازلامها. وبذلك يكون الكاتب المسرحي العربي لعبا دورا كبير في التمرد والاحتجاج  على السلطة وفضح اساليبها  القمعية التعسفية..

 

 

 

المشـاهدات 234   تاريخ الإضافـة 12/12/2023   رقم المحتوى 35276
أضف تقييـم