ترجمة صلاح سرميني

كان فيلليني كاتب حكاياتٍ خرافية، وساحراً، وراويّ قصصٍ، فرض أسلوباً يشبه الحلم، ونظرةً مستوحاةً من أحلامه، وتجاربه، وهمومه بقدر ما كانت من تخيلاته الشهوانية من خلال تصميماته الإخراجية الباروكية، ومن تلك المُستوحاة من إلهٍ خالق الكون عند الأفلاطونيين، ابتكر نوعاً فريداً، بدون مُعلمٍّ، أو تابعٍ، حتى لو أشاد به العديد من المخرجين، والفنانين لاحقاً  لم يحتفظ فيلليني بأيّ شيءٍ، لكنه ترك وراءه الكثير من الأدلة حول عمله، بما في ذلك الوثائق، والمُستندات التي احتفظ بها معاونوه، وأصدقاؤه يُسلّط المعرض الضوء على خياله الغزير بالإضافة إلى مطالبه المهووسة بالتفاصيل وقد اعتاد على تزويد فريق العمل بوفرةٍ من الإنتاج الجرافيكي، وتعديل سيناريوهات، وحواراته حتى اللحظة الأخيرة

لم يكن فيلليني مجرد مخرج، بل كان مبدعاً صاحب رؤية يعتمد على الثقة، ومهارة التعاون لخلق عالم خاصّ به "عندما تنتهي دراسة العمل، وعندما أدرك أنني لا أستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك، في هذا الاتجاه، أقوم بتجميع كلّ هذه المواد المُضطربة: الرسومات، ومذكرات العمل، والحوارات، والصور، وقصاصات الصحف، وما إلى ذلك

وأستأجر دائماً مكتباً في مكانٍ مختلف لا أعرفه، ومجهول قدر الإمكان يهتمّ معرض "فيلليني: المايسترو" أيضاً بالعملية الإبداعية للمخرج، بدءاً من الكتابة، والرسم، وحتى إنشاء الشخصيات، وتشكيل الفريق، والإخراج، والمونتاج، ويعود إلى طبيعة عمله الاستبطانية العميقة، التي ولدّت أفلاماً تمتزج فيها الأحلام، والذاكرة، والواقع المُفترض دون تميّيزمن خلال الذهاب إلى حدّ المشاركة في بعض المشاهد بنفسه، قدم فيلليني نفسه كمُنظم عظيم لأحلامه، وأوهامه، كما قدّم تأملاً لا هوادة فيه حول تطور العرض السينمائيّ في ثلاثة طوابق من مبنى "مؤسّسة جيروم سيدو ـ باثيه"، ومن خلال سينوغرافيا حُلمية بتوقيع الإيطاليّ المُتخصص في الفنّ المُعاصر أليساندرو برون، تقدم المؤسّسة أكثر من 250 صورةً فوتوغرافية (من تصوير إليزابيتا كاتالانو، وبول رونالد وغيرهما)، وملصقاتٍ إعلانية (بوسترات)، وسيناريوهاتٍ أصلية، وكتاباتٍ، ومقتطفاتٍ من الأفلام، بالإضافة إلى الأزياء، ومستلزمات التصوير، وأكثر من 70 رسماً

تُعتبر هذه الوثائق نادرةً للغاية، ومعظمها محفوظٌ في مقتنياتٍ فرنسية، وسويسرية، وإيطالية خاصةً، ويتمّ عرض معظمها لأول مرة في فرنسا

هذه الصور مرتبطة بمقتنيات "مؤسّسة جيروم سيدوـ باثيه" الغنية بمجموعةٍ من المُلصقات الاستثنائية، وأكثر من 900 صورة فوتوغرافية من فيلم " La dolce Vita" التي شاركت "شركة باثيه" في إنتاجه.ينتظم المعرض من 5 أكتوبر 2023 إلى 27 يناير 2024 في "مؤسّسة جيروم سيدو ـ باثيه" بباريس