حميد الحريـزي

العنـــــــــــــــــوان :-

رواية مابعد الموت  الحائزة على جائزة نوبل للأداب لعام 2021 ، من تأليف الروائي عبد الرزاق قرنح وترجمة نيوف الميموني والتي يقع  ب321 صفحة ، من أصدارات  دار أثر للطباعة  والنشر  في السعودية الدمام .

الرواية تحكي ماتعرضت له الشعوب الأفريقية من قهر وأستعباد  واستغلال ،من قبل قوى الرأسمال العالمي الغربي ، بريطانيا وألمانيا وأيطاليا  وفرنسا ، التي تكالبت ضمن تنافس دموي شرس لنهب ثروات هذه الشعوب ، ولتتركها تعيش حالة الفقر والبؤس والمرض والأ ذلال ، واستطاعت عبر وسائل التضليل ، والتريع والتجويع أن تجند الآلاف من شبابها لتكون في خدمة مصالحها، ولتكون قوة قمع  وأرهاب ضد  ابناء وطنها وأبناء جلدتها ، نتيجة لما يعانونه من البطالة والعوز  فيلجؤون للتطوع  كمرتزقة وخدم للمستعمر،حيث جند الألمان قوة  باسم (الشوتزتروبه )،  لتكون قوة الردع الهمجية الوحشية لقمع  الحركات الثورية المتمردة ضد الأستعمار الألماني  ، كما جندت بريطانيا قوة (حملة بنادق الملك) لتقوم بنفس الدور في الدفاع عن الأستعمار البريطاني ، وجعلت هذه القوى تتصارع وتتقاتل فيما بينها خدمة لمصالح المستعمرين  من كل الجنسيات((نريدكم أن تكونوا متبجحين عديمي الأحساس مقتولي الضمير تفعلون ماتؤمرون دون تردد ، ثم ندفع اليكم أموال ونمنحكم الأحترام الذي تستحقونه سواء عبيداً أم جنداً  أم منبوذين ..)) رص101

الروائي يتغلغل في عمق المجتمع الأفريقي  من خلال شخصياته الروائية الرئيسة  المتمثلة  بالياس الكبير و أبن أخته الياس الصغير ، وحمزة  بالأضافة الى التاجر ناصر  بياشرا ، وخليفة ، وعائشة وعافية  وغيرهم  من الشخصيات الأخرى التي  من خلالها تمكن الروائي من تظهير  صورة هذه المجتمعات المقهورة  الغارقة في البؤس وامراض البلهارزيا والملاريا القاتلة ، وكذلك القاء الضوء على عادات وتقاليد هذه الشعوب ، غير متناسيا ذكر المقاومة الثورية البطولية لحركة (بو شيري ) التي قاوم فيها تجار القوافل والساحل من عرب وسواحليين سلطة الألمان التي فرضوها على البلاد )) رص9 ..

تمكن الألمان من أعتقال بوشيري وشنقوه عام 1688 ، وكان الشوتزروبه تحت أمرة الكولونيل فيسمان وضباطه الألمان ، وكذلك تمكنوا من قمع الوانيامويزي ، والوانشاغا ، والواميرو ، واشدهم ثورية  الواهيهي (( وجز الالمان في نشوة انتصارهم رأس الزعيم الواهيهي مكاوا وبعثوا بها الى المانيا هدية )) ص13، وكذلك(تمرد ماجي ماجي في الجنوب والغرب ، والذي كان أفظع ثورة في المنطقة ).

(( كان الشوتزروبه يعامل كل أنسان في المناطق التي تمردت على أنه مقاتل ، فحرقوا القرى وأتلفوا الحقول ، ونهبوا مخازن الطعام )) رص21

وهنا أشارة واضحة الى مدى خطورة وقذارة قوى الأرتزاق ممن يجندون أنفسهم لخدمة المستعمر والوحشية والقسوة في التعامل مع أبناء وطنهم!

(( وصودرت الأراضي الخصبة وأعطيت للمستعمرين الألمان الوافدين من أوربا )) ص21.وهذه هي الاهداف الحقيقية وراء استعمار البلدان من  قبل القوى الأستعمارية الكبرى تحت ذريعة التمدين  وتحضر هذه البلدان (المتخلفة ) كما يدعون ...

كان الروائي  يتنقل من  شخصية الى أخرى  في  روي وسرد لم يكن  متسلسلا ، بل متنقلا من شخصية الى أخرى وكذلك تعريف وتوصيف ضباط ومراتب القوى الأجنبية ليسجل لنا  افكارها وتطلعاتها وسلوكها بموضوعية  واضحة  في رواية متعددة الأصوات كما تبدو لي ...

-         خليفة يأتي من الريف البائس وهو ابن لوالدين فقيرين ، يعمل كاتبا  عند عامر بياشرا  التاجر  ككاتب وفق توصيف ذلك الزمان  ، فهذا التاجر كان سجله في رأسه  ويعمل في غاية  السرية ولايطلع ؟أحدا على اسراره  ، حتى ولده ناصر  الذي حاول ابعاده  ليعمل في تجارة الخشب ، وقد تعثرت ثروة والده بعد موته   لانه لايمتلك سجلا لديونه ...

خليفة يستمر في العمل لدى ناصر ، حيث يزوجه  بنت أخته عائشة ، الذي استولى على دار والدها بعوى  تسديده لديون عليه ...

خليفة تنقطع علاقته بالقرية بعد وفاة أمه مريم  ووفاة والده نتيجة مرض الملاريا ، يتبنى الشاب الياس الذي اتى هاربا من القرية  أيضا ، ويعمل لفترة في  المشغل ، يذهب الى القرية   للبحث عن  شقيقته عافية بعد اصبحت بلا  معيل  لوفاة والدتها ووالدها فعاشت كالخادمة في بيت احد الجيران ، يجلبها الى المدينة لتعيش معه  في  بيت ناصر  بياشارا التاجر وزوجته عائشة ، يقرر الياس التطوع  في الشتزوروبه ويرسل الى دار السلام أثناء الحرب بين  الالمان والبريطانيين...

أما حمزة الفتى الذي باعه والده لعجزه عن اعالته ولايفاء دين في ذمته ،ياخذه احد الضباط الالمان ، ثم يتبناه احد اصحاب المزارع من الالمان  ويعلمه القراءة والكتابة ، يلتحق  مع الشوتزروبه ليشهد المآسي الكبيرة التي  تعرض لها الشوتزوربه  والجيش الالماني نتيجة حروبهم مع الانكليز، يصاب  في ساقه  نتيجة ربة سيف من قبل احد الضباط  ، يرعاه  صاحب الارسالية بتوصية من قبل الضابط المعجب به ايما اعجاب ودربه على التحدث بالالمانية ، لانه يشبه شقيقه الذي راح ضحية حرب ، بعد هزيمة الجيش الالماني يبحر   الى  المدينة الساحلية التي   عاش فيها في مقتبل عمره  وبع التسكع  يقبلونه  للعمل كحارس في مشغل  ناصر  مع  خليفة  ، فيعمل   أول الأمر كحارس في مكتب ومخزن  التاجر ، ثم يعمل نجارا في ورشة النجارة  ، يسكنه  خليفة في غرفة تابعة لبيته ، تنشأ علاقة حب  بينه وبين عافية التي  أعادها للمرة الثانية خليفة من بيت (عمها) الذي عنفها  وكسر يدها  لأنها تتعلم الكتابة ،  يتزوجها   حمزة ويسكنا  في نفس دار خليفة وعائشة ، وينجبون طفلا يسمونه  الياس تيمنا باسم خاله الياس الذي  لم يعد من جبهة القتال  ولايعلمون شيئا عن مصيره ...نتيجة ظروف الحرب  وفقدان خاله  يصاب   الياس الصغير بالهلوسىة   ويغرم بالقص وسرد الروايات الخيالية ، يتعرض  للعلاج من قبل  العرافة  والخرافة ، يكمل دراسته ، ويعين معلم في أحد المدارس ، ثم  يعمل في الاذاعة ، يرسل   ببعثة لدراسة الفنون الاذاعية في المانيا الأتحادية ، يواصل البحث عن مصير خاله الياس الكبير  فيتوصل  الى كونه مات  معدوما في أحد السجوون الألمانية النازية ... ليخبر  أمه (( مانعرفه يقينا  هو انسانا أحب الخال الياس حبا عظيما جعله يتبعه الى موت محتوم في معتقل نازي، كي يكون معه في كل لحظة )) ص 320

وبذلك كان الروائي  مبدعا في توصيف   واقع حياة الناس البسطاء من مواطني هذه البلدان ووصف معاناتهم  وقسوة قوى الأستعمار، وبعض ممثلي رأس المال المحلي في استغلالهم وأضطهادهم ، ومدى رثاثة وضعف وجهل بعض أصحاب المعامل الناشئة  وبدائية وسائلها في الادارة والعمل قياسا لما تمتلكه البرجوازية الغربيةمن الخبرة والحنكة  المدعومة بقوة البطش العسكري  لأبقاء هذه الشعوب تحت سيطرتها ، وتخليق الطبقة  التابعة من اولغاركية المحلية لتكون خادما مخلصا في خدمة مصالح أسيادها  تحت لبوس الوطنية والديمقراطية  كما هو حال العديد من  حكومات افريقيا  في الوقت الحاضر ...

وكيف ولدت هذه النزعة الاستعمارية النازية الألمانية  الهتلرية ، والمصير المأساوي من الالمان وغيرهم والموت في سجون النازية  كما هو مصير الياس وغيره ...

وحينما يتمرد الشعب وأبنائه من الضباط والعساكر المحلية الذين يشعرون  بالاذلال  من قبل القوى الاستعمارية وعدم تحمل سرقاتهم المليارية لثرواتهم المعدنية والبشرية ، فعندما  يثورون ضد حكم العملاء (المنتخبون ديمقراطيا ) كما  حدث الان في النيجر  يضج العالم الغربي بالصراخ  أنتصارا للديمقراطية وشرعيتهم المزيفة .