طه رشيد

احتضنت مدينة لو مو Le Mans الفرنسية ( تبعد 200كم عن جنوب باريس)، في الاسبوع الماضي، تجربة فنية عراقية جديدة لفرقة المستحيل المسرحية والتي يقودها الفنان انس عبد الصمد. وتتلخص باقامة ورشة فنية في مسرح “لافوندريه” الشهير بالتعاون مع ممثلة محلية اسمها ” بريجيت”  تم اختيارها من خلال اختبار عدد من الممثلات الفرنسيات. وتمخضت الورشة التي يقودها انس مع زميله د. محمد عمر وبمساعدة تقنيين عراقيين وفرنسيين عن تقديم عمل مسرحي من تاليف واخراج انس عبد الصمد تحت عنوان “ سارتر بتوقيت بغداد” وهذا العمل مستوحى في الاصل من مسرحية “ جلسة سرية “ لجان بول سارتر، وهو بمثابة تكملة للعمل المسرحي الذي قدمته مؤخرا فرقة المستحيل في بغداد “ بيت ابو عبدالله” والذي حصد الجائزة الكبرى في مهرجان بغداد المسرحي بدورته الاخيرة.عشرون يوما قضته فرقة المستحيل في هذه المدينة بعمل متواصل دون كلل او ملل من اجل ان تحضى بعرض مسرحي ليومين متتاليين لنخب من المثقفين والمريدين والصحفيين الذين اغنوا العرض بنقاشاتهم الحميمية والنقدية البناءة.ولا بد من الاشارة هنا الى ان  المخرج انس عبد الصمد يحاول في مجمل اعماله ان يقدم اسئلة ويترك الاجابات مفتوحة للمتلقي، خاصة وانه يركن اللغة جانبا بشكل شبه نهائي، وهو بشكل عام يقدم لوحته الجميلة مرسومة بحرفية رسام يعنيه الجسد ويعده من اولى اولياته لايصال رسائله الى المتلقي!في عمله الجديد" سارتر بتوقيت بغداد" حاول انس ان يكون مشاكسا من العنوان! والا كيف تستطيع ان تضبط فيلسوف فرنسي على عقارب بغدادية! ان القاسم المشترك بين الاثنين هو الوجود او بكلمة ادق محنة الوجود، وهذا ما يفسر عمله الجديد في كل مفاصله .. الجدران التي تطحن ساكنيها، الضوضاء التي تشبه انفجارات القنابل والصواريخ، الارض التي تبتلع ابناءها بفعل السلطة المطلقة لحاكم اهوج! حياة سماؤها خفيضة وهواؤها عبارة عن سموم! قدم لنا انس عبد الصمد وكادره الجميل من ممثلين مبدعين وتقنين مبتكرين ،وخلال ايام معدودة من التدريبات، خارطة للقهر والطغيان والعذاب البشري، تحيلنا او تذكرنا بما يجري في ايامنا هذه، وعلى مستوى العالم المتمدن، من مهازل تخص اسئلة الوجود الاساسية: العدالة/ الامن/ السيادة/ الاستقلال/ السلام !!كادر " سارتر بتوقيت بغداد" استطاع ان يتجاوز المحلية ليسير بخطى واثقة نحو عالمية العرض المسرحي وليصبح ليس مقبولا فحسب، بل مطلوبا ايضا!!وها هو المسرح الفرنسي العريق يفتح ابوابه لانس ورفاقه وبالاخص مسرح "لافونديريه" في مدينة لو مو Le Mans التي تبعد 200 كم عن جنوب غرب باريس، ليبدا السباق مع الزمن في كل مفاصل العملية المسرحية، التمثيل، السينوغرافيا، تنفيذ الديكور، الاضاءة،الموسيقى وبقية المؤثرات، كل ذلك من اجل ضمان نجاح العرض الذي قدم على يومين متتاليين في ١٣ و١٤ من هذا الشهر، والذي صفق له الحضور الفرنسي طويلا معبرين عن اعجابهم بالعرض متفاعلين معه واتضح ذلك من الحوارات الطويلة التي اثيرت بعد انتهاء العرض.كما جاءت مقترحات من مسارح اخرى لتبني هذا العرض مجددا.