الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 18.95 مئويـة
( رياح هادئة في ضيافة فوزي كريم ) بين ذائقة الشعر وعبثيته
( رياح هادئة في ضيافة فوزي كريم ) بين ذائقة الشعر وعبثيته
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

محمود خيون

 

في العديد من حواراته الأدبية حاول الشاعر فوزي كريم أن يقلل من أهمية قصيدة النثر التي تفتقر إلى الذائقة في موسيقاها وايقاعها ومكانة التفعيلة في محاورها الأساسية..فيما عد الشعر العمودي في عصر الجاهلية أو مع بزوغ شعراء العباسيين وغيرهم على أنه ترك بصمات بارزة في مسيرة الشعر ورواده حيث تغنى الكثير من الناس بموسيقاه وعذوبة معانيه الكبيرة والتي ظلت إلى يومنا هذا مدرسة كبيرة لتعلم المعاني الكبيرة والخالدة في البناء والموسيقى..وفي هذا الصدد أشار الباحث ناظم حسن في مقدمة كتاب( رياح هادئة في ضيافة فوزي كريم ) للمحاور المغربي ياسين عدنان..حين أختبر مواقفه وأفكاره عبر نقاشاتنا وقراءتي لأعماله، أجده ستينيا أيضا، إنني أجده يحيط به المزاج الستيني، فهو يحمل هذه الوسوسة، وهذا النقد المستدام لكل ماتنتجه الثقافة العربية من شعر ونقد وفكر، لكن ما يقابل هذا الإستياء من الشعر والنقد والفكر العربي، هناك رضا داخلي عما يكتبه هو، وما يفعله هو، وما يقوله،وتلك مزية ستينية ذلك الاعتداد بالذات..

ويضيف الباحث حسن ناظم، ظل فوزي كريم يعتقد بأنه يقول ويجب أن ينصت إليه فيما يقول، ومن هذه الزاوية تحديدا كان نقده قاسيا لمجمل إنتاج الثقافة العربية...

ومن هذا التحليل يتضح جليا بأن فوزي كريم وكما عرفته انا شخصيا في السبعينيات كان يسخر من تسمية( قصيدة النثر ) أو ما تسمى ( بالنثر المركز ) على الرغم من أنه قرأ الكثير من شعر الغرب وخاصة الروس منهم وهو الوحيد على ما أعتقد لم يتأثر بأي من هؤلاء الشعراء كما فعل الكثير من أقرانه والذي شجعوا هذا النوع من الشعر وصاروا من مقلديه حتى جاءت دعوة أدونيس لتبني قصيدة النثر القصيرة التي اشتهر بها الكثير من شعراء الغرب أمثال الشاعر الويزيوس برتران وشارل بودلير وتشارلس اولسون وايفاريست بارني وغيرهم..

وإزاء ذلك ظل فوزي كريم في موقف حيادي مما يكتبه أولئك الشعراء وكان مشغوفا بسحر اللغة العربية وتنوع مفرداتها التي تسبح بعطر جمال صياغاتها ومعانيها وموسيقاها ومن المتتبعين ومنذ نعومة أظافره بأنماط الشعر العربي وسطوة روحه الخلاقة...وعندما وجه له الصحفي المغربي ياسين عدنان السؤال حول خطابه النقدي الذي يكاد يقوم على الذائقة وضرورة إعادة الإعتبار لها في تلقي الشعر ومن خلال مجموعة محاور ضمها كتابه( رياح هادئة في ضيافة فوزي كريم ) صدر عن دار الشؤون الثقافية وبدعم وتشجيع من قبل الدكتور عارف الساعدي..رد الشاعر فوزي كريم أن الذائقة المألوفة في حديثنا العام الشائع، كل فرد له ذائقته حتى في قراءة الشعر...هذه الذائقة تولدها السليقة عادة وأشار إلى أن الكثير من قراء الشعر في الوسط الثقافي يفتقدون إلى حاسة الطرب التي يثيرها النص الشعري كما تثيرها الأغنية، وهي حاسة دنيا بالتأكيد إلا أنها ضرورة أولية تبنى عليها مراحل التذوق...ويشير مؤلف الكتاب بأن فوزي كريم كان له رأي في التجريب بأن أوضح عن التجريب في الشعر بأعتباره نتاج تجريبتي الشعرية أنا، وبأعتبار ذائقتي التي اعتدتها في قراءة الشعر كمفهوم وكنص...لا اتعامل مع الشكل الشعري إلا كنتاج معنوي، أن صح تعبيري الشكل في الشعر، الفن البصري، الموسيقى، نتاج تلتقطه الحواس على مافيه من تعقيد، الشيء الآخر لا تلتقطه الحواس ،هذا النتاج الذي يخرج من ذاك فيه الشيء الكافي في العفوية ولكن فيه الشيء من التعمد والذكاء أيضا ولكنه في الحالين يظل وليد مادة غير شكلية ،مادة غير بصرية على حده ما يلتقطه البصر في النص الشعري وما يلتقطه السمع لا قيمه لهما في ذاتهما، كل الشعراء الكبار في العالم لم يشعروا بحاجة إلى الاقتراب من هذه التقنية إنما اكتشفنا نحن القراء مادة سمعية فيما بعد..

وهكذا يظل فوزي كريم في حالة قلق عارمة عن ماهية القصيدة النثرية وما تحمله من مواصفات تبعد كثيرا عن قصيدة العرب القديمة التي تمتاز بعذوبة معانيها واوزانها وقوافيها التي كثيرا ما تغنى بها الناس أو رددها من أحب هذا النوع من الشعر في المناسبات أو في ضرب الأمثال أو في الشواهد على مقالب الدهر واحواله أو التعبير عن حجم عذابات الإنسان في العشق والحب وغيره من أمور الحياة...ويظل كريم يبحث في ذاته وذات الآخرين عن ذائقة الشعر وعنفوانه ومعانيه...فهو يصر على أن التجريب القصيدة السمعي أو البصري لا قيمة له في ذاته، وكان كريم يؤكد على أن كل فرد له ذائقته حتى في قراءة الشعر وهذه الذائقة تولدها السليقة عادة...مشيرا إلى أن الكثير من قراء الشعر في الوسط الثقافي هذه الأيام يفتقدون إلى حاسة الطرب التي يثيرها النص اكما تثيرها الأغنية...لانهم أولا انفردوا مع النصوص ذات الطبيعة الذهنية زمنا ثم أسرهم مع الايام دورهم الريادي ثانيا، في الغرق في التنظير الذي لا شواطيء له، معززين لغتهم وعقولهم بمزيد من الصياغات المترجمة لتيارات البنيوية والتفكيكية التي اماتت المؤلف ونفت النص عن الإنسان وجعلت الكلمة لا متناهية الدلالة وانهم صاروا يفتقدون إلى أبسط معايير التمييز بين النص الشعري الرديء والاخر الجيد صار واحدهم ينصرف بفعل مصالح السوق الثقافي إلى كتاب ونصوص لا قيمة لهم، على إختلاف المعايير الذوقية، تجد ذلك في أكثر المقالات والكتب النقدية شيوعا اليوم...

ومما تقدم فأن فوزي كريم كان لديه مؤشرات كثيرة على عملية الكتابة والنقد على حد سواء..فهو شغوف إلى قراءة نصوص كتبت بالسليقة الشعرية والموهبة وليست نصوصا كتبت على شكل ورغبة الشاعر من خلال حشوها بمفردات قد تفقد معانيها عندما تكون جامدة ولا تملك من روح الشعر معانيه وموسيقاه وطربه وهو( منذ قصائدنا المدرسية الأولى تعلمنا أن للشعر اغراضا، فهو إما مدح أو هجاء، فخر أو رثاء،غزل أو وصف، وما شذ عن هذه الأصناف قلما وجد له موقعا في درسنا الشعري فهل الشعر أغراض فقط؟ أم لعله جذوة متقدة في الدواخل الهشة للشاعر؟خبرة روحية، وتجربة حياة..).

............................

ارجو الاهتمام بتصميمه كموضوع رئيسي

 

المشـاهدات 181   تاريخ الإضافـة 24/12/2023   رقم المحتوى 36111
أضف تقييـم