الأحد 2024/5/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
الوطني واللا وطني في النشاط السياسي مندسون ينفذون مخططات الاستعمار لتمزيق العراق
الوطني واللا وطني في النشاط السياسي مندسون ينفذون مخططات الاستعمار لتمزيق العراق
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.د.عباس السيد جاسم خبير استراتيجي بالادارة والاقتصاد
النـص :

في الاحاديث المتداولة في الوطن يسود نوعاً من التشاؤم بامكانية التحرر من الذل والعبودية للاجنبي. فشكليا توجد مؤسسات قيادة الدولة ، الا ان غالبية هذه المؤسسات تبدو عاجزة عن اتخاذ قرارات وطنية تضمن سيادة واستقلال البلد.وهذا التردي يعود الى ان القوى الاجنبية الغازية خططن منذ البداية لان يبقى العراق غاطساً في مستنقع الفوضى الدائمة ، وقد لعبت هذه القوى دوراً خبيثاً في خلق مصطلحات وتعابير بعيدة عن الطروحات الوطنية ، تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وتعزيز النهج الطائفي والتعصب العنصري والعشائري ، وقد حاولت بعض الشخصيات والاصوات الشابة تحريك الشارع الوطني وتوعية الجمهور بالمخاطر التي تحاك ضد البلد وسرعان ما تم احتواء هذه القوى وحرفها عن الاتجاه الوطن. وقد لعبت دول التحالف الغازية عن طريق مكاتبها الدبلوماسية والثقافية دورا لصرف النشاطات السياسية وابعادها عن طروحات التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وروجت المراكز الاجنبية مفاهيم مضادة للفكر والانتماء الوطني ، فاصبح بعض النشطاء اداة بيد القوى الاستعمارية لتمرير مشاريع تبدو ظاهرياً جيدة وجذابة لكن في حقيقتها تهدف الى اجهاض عملية التحرر الوطني عن طريق التركيز على مفاهيم النيوليبرالية او الليبرالية الجديدة.ان تبني الطروحات النيوليبرالية المتعلقة بعمليات التجارة الحرة والتفسخ الاخلاقي والتبعية للدول العظمى وترسيخ التبعية الاقتصادية والسياسية للغرب تضعف الارادة الوطنية.وبالحقيقة ان الترويج لتبني الطروحات النيوليبرالية هو تهديد للأمن والسلامة الوطنية ويعزز الاستلاب الحضاري وارباك المؤسسات الحكومية والاجتماعية.والجدير بالذكر ان بعض الصحف المحلية التي تدعي التقدمية قامت بتعميم هذه المفاهيم من دون اكتراث لمصلحة البلد ، وهذه ليست حالة فريدة ، فقد قامت الدول الاستعمارية بإنشاء وتمويل صحف ومجلات ومراكز ثقافية ومنابر اعلامية في الدول الحليفة والدول النامية من اجل التأثير على افكار الشعوب ومحاربة الافكار التقدمية واليسارية.وعل سبيل المثال أسست واشنطن صحف ومراكز ابحاث وحتى احزاباً في بعض الدول من اجل تغيير مسار الحركات الوطنية وتحقيق النوايا الاستعمارية.ففي عام 1950 قامت واشنطن (على سبيل المثال ايضاً) بتمويل مجلس الحرية الحضارية في باريس لدعم مجلات يسارية من اجل صرف القوى الاشتراكية والتقدمية وتحييدها ، وصياغة مفاهيم انحرافية بتعابير يسارية وتم تمويل عدة مجلات تدعي التقدمية مثل (انكاونتر) في بريطانيا و (بادتزن ان نيورك) و (باريس ريغو) في فرنسا ، و (تيبو برزينتيني) في ايطاليا ، و (ديرمونات) في المانيا ، و (فورم) في النمسا ، كما قامت واشنطن وعن طريق منظمات المجتمع المدني بتأسيس الكثير من اتحادات ونقابات العمال والحركات الطلابية في عدة دول. وفي مقال له عام 1967 ذكر (توم برادن) الذي كان يعمل في وكالة المخابرات المركزية انه قام بتمويل منظمات عمالية وطلابية في عدة دول من اجل استعمالها في تغيير الافكار غير المحبذة للاستعمار. وقد كتب مشاهير الادباء والمفكرين مثل (بولدون) و (ماكيز) و (همنجواي) في هذه المجلات من دون علمهم انها ممولة من قبل المخابرات الامريكية.وفي العراق وجدت القوى الغازية فرصتها وخصوصاً منذ عام 2003 في انشاء ودعم الكثير من الصحف ومنظمات المجتمع المدني للتأثير على التوجهات الشعبية وتعميق الخلافات المذهبية والعنصرية وتغذية ودعم الانفلات الامني والتبعية الاقتصادية من دون اكتراث لمصلحة الدولة ، وقد نشرت على سبيل المثال احدى الصحف في الفترة الاخيرة تقريراً بعنوان (نسخة متوقعة من تحالف الحوثيين ضد الفصائل العراقية) ان لغة التقرير توحي وكأنه يعبر عن صوت دولة معادية حيث اشار التقرير الى ان الحكومة ادانت ما وصفته بـ (الاعتداء الامريكي على مواقع عسكرية) ودعى التقرير الى (الاطاحة بالسوداني وتشكيل حكومة بديلة) وفي تقرير اخر بعنوان (مدونون يسخرون من توجيهات حكومية لدعم حملاتها : محاولة لشراء اصوات اعلامية) ويشير التقرير الى ان الحكومة تطالب الاعلام بدعم حملات تحذر من (آفة المخدرات) والتشجيع على الترشيد في استخدام الطاقة والمياه وتجنب تعاطي الرشا ، ويعتبر التقرير هذه الدعوة هي خرق لحرية الاعلام بالقول : (ان هذا التحرك هو انتهاك فاضح للاخلاق الاعلامية والصحفية والقيم الاخلاقية العامة). وبوضوح يشير التقرير الى ضرورة الابتعاد عن التعليمات التي تؤكد على اعادة بناء المجتمع وضمان مستقبله.وفي تقرير اخر وصفت الجريدة قوى وطنية بتعابير لا تتفق والعرف الوطني عندما قالت في تقريرها ((عام اختبار تعهدات الحكومة والصدام مع الولايات المتحدة / الهجوم على استمرار ما يسمى بـ (المقاومة العراقية) بتكرار استهداف معسكر الحرير)).والغريب ان الجريدة تستهين بقوى وطنية ساهمت في دحر داعش وحماية بغداد من السقوط عندما شكل الارهابيون خطراً داهماً.والتقارير الثلاثة تعطي الانطباع بان معيار الوطنية هو الرضوخ للإملاءات الاجنبية والمساومة على حق الشعب بان يعيش آمنا على ارضه ، وهذا المفهوم يهدف الى تحويل البلد الى محمية واداة بيد قوى الاحتلال ، كما تلوح الجريدة الى ضرورة تشكيل تحالف دولي ضد القوى الوطنية والاطراف الداعية الى وقف العدوان والارهاب ضد الشعب العربي في فلسطين وسوريا واليمن. ومن الجدير بالذكر ان الكثير من المثقفين العراقيين عملوا في مراكز تشرف عليها قوى معادية كالموساد او واشنطن من دون علمهم بذلك.لقد خلق الاستعمار بعد الاحتلال وضعاً مأساوياً اصبحت فيه المفاهيم الوطنية والانتماء الوطني وصمة عار ، في حين تثمن مواقف القوى والعناصر الداعية الى الارتماء في احضان الاجنبي والذود عن مصالح القوى الاستعمارية والعنصرية ، وهذا يشكل تحولاً جذرياً في الفكر العراقي حيث كان المواطن قبل غزو 2003 ابياً لا يساوم على المصالح الوطنية واندفاعاته تنبع من ايمان بمبادئ حب الوطن والانتماء للارض حيث القضايا الوطنية تاخذ الاولوية على المصالح الذاتية والانية ، انه اخلاص عفوي للوطن والتزام اخلاقي تجاه حق الشعب بالعيش حراً كريماً ، وجسد النشطاء السياسيين والاجتماعيين في نضالهم ومواقفهم ضد الاستعمار وقوى الظلم مثالا حيا لمعنى المواطنة ، فعلى سبيل المثال في محافظة ذي قار برز نشطاء ضحوا بحياتهم من اجل الوطن كالشهيد (فهد سلمان) و (عزيز مدلول) و (عدنان ملا عمران) و (حامد نجم) و (وائل كريم مكي). وهناك الكثير ممن نشطوا في حركة التحرير الوطني في مرحلتي الخمسينات والستينات من القرن العشرين الذين لم توثق نشاطاتهم بالرغم من ضخامة تضحياتهم ودورهم الفعال في ترسيخ المفاهيم الوطنية.كانت نشاطاتهم تعبيراً حياً للاخلاص والانتماء لهذا الوطن ، ففي احدى مدن ذي قار كانت مدينة النصر مركزاً ثورياً ورافداً وطنياً حيث برز الكثير من المناضلين الذين اعطوا ابعاداً انسانية واخلاقية لمعنى الانتماء الوطني قلما تجدها عند النخب السياسية ما بعد الغزو حيث يبجل من باعوا الوطن وتعاملوا مع الاجنبي والذي دأبوا على محو تراث الوفاء والاصالة والذود عن الوطن.ومن النشطاء السياسيين الذين برزوا في تلك الفترة في مدينة النصر كوكبة من الوطنيين مثل (رزاق غضيب) و (فليح حسن) و (عباس كاظم) و (اسماعيل كاظم الدريول) و (طعمة ناصر) و (ذياب الحاج طاهر) و (عطية بنوان) و الناشط الفلاحي (حسن والي) واخرين.وكانت الوطنية لهذه الجمهرة من الشباب في ذلك الوقت تعني الايمان بحق الشعب بالعيش بحرية ورفاه ولم يساوموا على مبادئهم حتى امام مغريات السلطة.لقد كان انتمائهم للوطن تعبيرا عن موقف اخلاقي يتعدى الاطر العشائرية والطائفية ، انه التزام مبدأي عفوي ينبع من غريزة حب الغير والشعور بالمسؤولية الاجتماعية والحرية والاستقلال.لقد عمل الغزاة عن طريق شبكة منظمة داخل المدن العراقية والاحزاب اللا وطنية على خلق نوع جديد من النشطاء السياسيين الهادفين الى تأصيل التبعية والاغتراب الحضاري والابتعاد عن افكار التحرر الوطني وقيم المروءة والشهامة والذود عن الوطن والاستقلالية في اتخاذ القرارات الوطنية.ان المواطن الملتزم والمثقف الوطني عليه ان يواجه التحديات الحضارية والامنية التي تهدد وجود الوطن ، وهذا لا يتم الا بوجود الشجاعة الاخلاقية و المسؤولية الوطنية لمجابهة الحملة الشعواء الهادفة الى اضعاف الثقة بالنفس وبقدرة الوطن على الصمود في مجابهة الاعداء ، وهذا يتطلب الاجابة على سؤال اساسي (ما العمل)؟ ان الاجابة على هذا السؤال تتطلب شجاعة اخلاقية وصراحة مع النفس ، انه سؤال يتعلق بوجود الوطن ومستقبل العراق ، ولهذا السبب فان وقف الخطط العدائية لتدمير الامن الوطني ، تمزيق امن البلد ، يجب ان تحدد الاجابة على هذا السؤال. ولا يمكن وقف التدهور السياسي والاقتصادي من دون اتخاذ الخطوات الاتية :1 ـ انهاء الوجود الاجنبي وباسرع وقت حتى تفقد القوى الضالعة في مخطط انهاء العراق الغطاء الامني والدعم المادي ، وكذلك لا يمكن التخلص من داعش والقاعدة من دون التخلص من قوى الاحتلال فكلاهما يتغذى على وجود الاخر.2 ـ سن قوانين لتجريم كل من يستلم اموال من قوى اجنبية وبدون اذن رسمي من الجهات القضائية او المختصة.3 ـ تجريم وتحريم ومنع الطروحات التي لا تلتزم بوحدة واستقلال الوطن ، وان تكون العقوبات القانونية صارمة وصادرة من الجهات القضائية.4 ـ اعادة صياغة الدستور والتاكيد على ان صلاحيات الحكومة المركزية يجب ان تطبق على عموم الوطن وان القضايا الامنية والسياسة الخارجية هي حصراً من اختصاص الحكومة المركزية ، كذلك يجب التأكيد على المبادئ الديمقراطية وضمان حرية المواطن.5 ـ التأكيد على ان انشاء المنظمات السياسية والاجتماعية حق يضمنه القانون ، ولكن يجب ان تلزم هذه المنظمات بالكشف عن مصادر تمويلها وادارتها.6 ـ الحد من تحويل الوطن الى مجتمع استهلاكي ، ويجب ان يكون هناك ضوابط لعمليات الاستيراد والتصدير بعيدا عن مفاهيم (النيوليبرالية) بما يضمن المحافظة على الامن الغذائي والانتاج الوطني والمحافظة على حقوق الوطن المائية والتي سلبت منذ عام 1991 عندما اعطت ادارة بوش الاب الضوء لدول الجوال بقطع الماء عن العراق.7 ـ فرض عقوبات صارمة على من يتاجر او يتناول المخدرات ، فقد سهلت في وقتها القوى الغازية نشر تعاطي المخدرات لابعاد الشباب عن القضايا الوطنية واختراق تنظيماتهم وابعادهم عن النشاطات الابداعية والمساهمة الفعالة في زيادة الانتاج.ان تعزيز الانتماء الوطني وتنوير الجماهير للالتزام بالمبادئ التي ضحى من اجلها نشطاء القرن الماضي اصبح مهمة اولوية لمواجهة القوى الانهزامية والانتهازية التي تعمل لخدمة القوى الاستعمارية ، وهذا يتطلب التفريق بين المواطن و اللا وطني ، فالاول يريد الخير للشعب ويتوق الى الحرية والاستقلال ، والثاني يدعو الى العبودية ويغلب المصالح الذاتية على مصالح المجتمع.ان التجارب التي مرت بها الكثير من الامم تشير الى ان العناصر اللا وطنية وخصوصاً الذين يعملون بصورة مباشرة لتنفيذ ارادة الاجنبي يصعب تشخيصهم بسهولة ، ويشكلون قوة لا يستهان بها من حيث قدرتهم على التلون والتأقلم حسب الظروف والتطورات.وفي العراق يقوم عدد لا بأس به من السياسيين والموظفين والباحثين على تنفيذ مخطط رسمه (بول ولفوز) وكيل وزير الدفاع في عهد بوش الابن ، ويشرف عليه حالياً وزير الخارجية (انطوني بلنكن) ووكيلته (فكتوريا نيولاند) والهادف الى تمزيق العراق واغراقه في فوضى دائمة. والمعروف عن ولفوز عدائه العميق للعراق ، ففي مقابلة مع جريدة نيويورك تايمز (22 / 9 /2002) ذكر انه قد دعى عام 1979 بأن (العراق يشكل خطراً على المصالح الامريكية ويجب غزوه).كما ذكر ان (الولايات المتحدة الامريكية انشأت عمداً عام 1991 محمية امريكية في شمال العراق).وقد تمكن ولفوز من اعداد عدد غير قليل من العراقيين قبل غزو عام 2003 وتم تدريبهم في ولايتي فرجينيا و جورجيا ، وقد تمكن هؤلاء الاشخاص من تولي مراكز حساسة في العراق وعملوا على خلق شبكة تروج لمفاهيم غرضها التأثير على الرأي العام واعطاء المبررات لكي يبقى العراق ضعيفاً وممزقاً.ان نضال قوى التحرر العالمي في امريكا اللاتينية وافريقيا ودول اسيا تثبت وبدون شك ان الشعوب قادرة على تحديد مستقبلها متى توفرت الارادة والشجاعة لانهاء الاستعمار والذود عن حقوق الشعوب للعيش بسلام.وهذا يدعو الى الامل في ان العراق قادر على الحد بشكل فعال من دور القوى اللا وطنية التي تنكر حق الشعب بالعيش حراً كريماً وآمناً في وطنه.ان ثورة العشرين وثورة 14 تموز والوثبة الشعبانية تثبت ان الشعب العراقي قادراً على اجلاء القوات الاجنبية من ارضه واستعادة حقوقه المالية في واشنطن والحصول على التعويضات للخراب الذي حل بالوطن منذ عام 1990.ان عدم اجلاء القوات الاجنبية يؤدي الى اهدار طاقات وامكانيات البلد وجر العراق الى مستقبل مظلم ، ان انهاء التواجد العسكري الاجنبي هو مهمة وطنية وخطوة استراتيجية لبناء دولة حديثة لشعب يستحق الحياة. 

المشـاهدات 165   تاريخ الإضافـة 31/01/2024   رقم المحتوى 38763
أضف تقييـم