أ.د.سعد التميمي

في ديوانه الأخير الصادر عن دار (الآن ناشرون وموزعون 2024) الذي حمل عنوان (ضَحِكٌ على الأطلال) وضم إحدى وثلاين قصيدة توزعت بن التفعيلة والنثر وقصيدة واحدة على الشطرين ، والعنوان هو لأحدى القصائد وهو عتبة للديوان بأكمله إذ أن مضمون هذه القصيدة تختصر ماعالجه الشاعر في بقية القصائد ،التي كانت في معظمها استعادة لذكريات وأماكن مر بها الشاعر فتركت في ذاكرته مواقف ومشاعر ، يستعدها بما تضمنته من انكسارات وخسارات، فالربيعي  يسخر منها ويقف على أطلالها رغبة في إعادة تشكيل  أحداثها ومواقعها التي عرفت بها رغبة في طي صفحتها فهو في القصيدة التي جعلها عنواناً للديوان يبعثر الأشياء الا القلب الذ يضعه في المكان الذي يمكن أن ينبت ليحيا ليزهر بالحياة ويثمر يقول في هذه القصيدة :                                    

تعالي نضعْ كل شيء

بمكانه المناسب

الكتب في الثلاجة

الأطعمة في خزانة الملابس

الورود في مكب النفايات

النفايات في قلب الحقيقة

الملابس في محفظة النقود

الضحكات في جيوب الأرشيف الخلفية

وبعد أن تنتهي من هذا كله

نمسح عن أرواحنا العرق

فأذوب اشتياقا

فيما تحلين الكلمات المتقاطعة

إذ يوظف  الكلامي الطلبي المباشر(تعالي) مرتين الأولى يبدأ بها القصيدة ليكون جواب الطلب سلسلة من الصور الشعرية القائمة على المفارقة الدلالية التي يحققها التوظيف الكبير للانزياح يؤكد مخلالها الرغبة في بعثرة الأشياء الكتب/الثلاجة، الأطعمة /خزانة الملابس،الورود/مكب النفايات، الملابس/محفظة النقود،الضحكات/جيوب الإرشيف) مما يعكس موقف الشاعر من الأحداث ، والرغبة في إعادة تشكيلها،ويأتي التركيب الإضافي في قوله(النفايات في قلب الحقيقة) ليعكس رؤية الشاعر فالمعنيان:القريب (عكس)والبعيد (وسط) اللذان تحققهما التورية في كلمة (القلب) يعززان الفكرة التي يعالجها الربيعي فالبعيد يندرج في سياق الصور المتتالية والثاني في الرغبة في تغيير الأحداث،أما الفعل الطلبي الكلامي المباشر فيأتي الجواب بعده ليضع القلب في مكانه وزراعة شجرة دلالة على الحياة التي يتطلع اليها الشاعر بقوله:                                                  

تعالي

نضع القلب بمكانه الصحيح:

نزرع شجرة

ثم نقلب الطاولة

على الوردة

بعدها...

نضحك على الأطلال!   

ليختم القصيدة بالضحك على الأطلال بكل ما حملته الذاكرة من أحداث، وفي قصيدة (من أجندة الملك الضليل) يستعيد الربيعي سيرة الشاعر امريء القيس رغبة في التعبير عما حملته ذاكرته من مواقف وهنا يستعيد الشاعر المكان (حضرموت) من خلال التناص مع بيت امريء القيس في قوله (وطار النوم في صيلع)،مستعيدا المكان والأحداث ،وفي حوار مع امريء القيس يعبر الربيعي عن قلقه الوجودي في اسئلة متتالية إذ يقول :

ماذا ترتجي ؟

من قيصر الوقت النحاسي

وهذا الليل

قد طال على عينيك

والحقل الذي

أحنيت

ظهرَ البيت

من أجله

لم يزهر

وما فيه  

من الأشجار

لم يثمر

وحل المحلُ

في النبع

وجف الضرع

فالقصيد التي يحاور فيها الربيعي امريء القيس ويوجه له الاسئلة والوم في الحقيقة هي تعبر عن قلق الوجود الذي يعيشه الربيعي فهو يحاور نفسه من خلال الملك الضليل ملك الشعر ليأتي السؤال ماذا بعد هذه المسيرة الشعرية،لتأتي الصور معبرة عن الواقع وفي تناص مع ليل امريء القيس، يسأل عن فحوى الانتظار لما كان الحقل لم يزهر والأشجار لم تثمر ،لكن الشاعر في قصيدة (قلب وسهم ودم ) يتطلع للحياة من خلال التماهي مع المشاعر الصادقة اتجاه من يحب إذ يقول:       

 هكذا...

كما لم أحب زهرة من قبل

ولا من بعد

ولا ينبغي لي

لكني

بإصرار عاشق

متأكل الأضلاع

والزوايا

غير القائمة

أحبك

كما أحبك

الآن

وأكثر

أحبك

وأعلم

أن قلبا واحدا لا يكفي

لكل حبك

بالطبع

فالحب هنا معادل موضوعي للحياة التي ظل يبحث عنها الربيعي في مسيرة طويلة وفي محطات متعددة تضمنتها قصائد الديوان فهو لم يحب زهرة مثلما يحب الآن،لذلك يرغب أن يكون له قلبان ليكافيء هذا الحب (أن قلبا واحدا لا يكفي) ،ويلجأ الربيعي الى اللغة الشفافة المعبرة التي لا تخلو من مفارقات دلالية كما هو الحال في قوله(بإصرار عاشق متآكل الأضلاع والزوايا غير القائمة)،فضلا عن العنوان الذي يحيل الى صورة عالقة في الذه يستعيدها الشاعر من الذاكرة وهى صورة قلب الحب الذي يخترقه سهم وتنزل منه قطرات الدم  التي كان العشاق يرسمونها في الدفاتر وعلى الحيطان وهذا ما يشير اليه العنوان،ولم تقتصر اسعادة الذاكرة على هذه القصيدة ففي قصائدة أخرى يستعيد مقولة(الى متى يظل البعير على التل) في قصيدة( دوامة ) ولعبة (ملك وكتابة ) في قصيدة (لعبة) وكحاية المغيّب) العمانية في قصيدة (المغيب) وأسطورة شجرة دم الأخوين في جزيرة سوقطرى في اليمن في قصيدة (تحت ظلال دم الأخوين) وقصة غيبة وضاح اليمن في قصيدة (عودة ثانية لوضاح اليمن ) المهداة لروح الشاعر عبد العزيز المقالح، الفيلسوف سبينوزا في قصيدة(غابة سبينوزا) والملكة زنوبيا في قصيدة (عين الشمس) والمعري في قصيدة (أوهام) إذ استطاع الربيعي أن يستدع جوانب من هذه المقولات والشخصيات للتعبير عن موضوعات واقعية بطريقة موثرة ومدهشة من خلال استثمارها في خلق فضاءات شعرية معبرة .