الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
سيكولوجية جلد الذات في رواية محاكمة نادية الأبرو
سيكولوجية جلد الذات في رواية محاكمة نادية الأبرو
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ستار زكم

صدر عن دار الورشة للطباعة والنشر رواية جديدة للكاتبة نادية الأبرو حملت عنوان ( محاكمة نادية الأبرو ) لعام 2023 وهي رواية تحمل اشتغالا مختلفا على مستوى المضمون الفني بعد ان استلت الكاتبة احداثها من معاينة تخيلية لشخصياتها في فضاءات متعددة ، وهي شخصيات قامت الأبرو باستدعائها من رواياتها السابقة .

اسبغت الكاتبة صفة التلاعب بالزمن عبر الخيال على مجمل العمل الروائي مبتدئة استهلالها من سفره سياحية وعلاجية لبطلة الرواية الى مدينة اربيل بعد اصابتها بفايروس كورونا ، لذلك بدأ موضوع الاستحضار من خلال مشاهدات ترصدها عبر تلك الرحلة التي قامت بها البطلة للخروج من مستنقع الكآبة على حد وصف الكاتبة .

تعد فاعلية وقوة صياغة السرد بصمة مهمة تحسب للكاتبة بالإضافة الى الخيال الذي لعب دورا مهما في ترسيخ دعائم الرواية بعد ان استحضرت الأبرو شخصياتها التي وظفتها من رواياتها السابقة في محاكمة توهج فيها الخيال بشكل اساسي حيث الملاحقة والحساب لكاتبة روائية كانت سببا في تذمر تلك الشخصيات التي القت بجميع عذاباتها في الحياة على عاتق ومسؤولية الكاتبة بعد ان وظفتهم في جوانب سردية معينة ، لذلك اصبحت شخصية نادية هي شخصية سيكولوجية تعاني من ملاحقة شخصياتها اينما ذهبت بعد ان اصبح الندم رفيقا يساروها بشكل مستمر ( ماذنبهم جميعا كي اقرر انا مصيرهم ؟ هل الكاتب رب شخوصه فلماذا لم اكن رفيقة بهم رحيمة ) ص 173 ، اذن اصبح البعد النفسي حاضرا هنا وان شخصية نادية بدأت تحاسب ضميرها ويأتي هذا بعد ندمها على الكتابة الروائية بشكل عام .

( جميعنا اختار ما ظنه مناسبا له حتى إني ارغمت في احيان كثيرة على مجاراة رغباتكم واتحداكم جميعا ان تنكروا ذلك )

هذا المقطع السردي يدلل على ان الكاتبة تترك شخوصها تتحدث كما افعالهم ايضا فهي لاتتدخل في طبيعة الشخصية بل تتركها تتصرف وفق طبيعتها المرسومة صوريا ، وهذا يعود الى اختيارها شخصيات وفق هذا المنوال في كافة رواياتها السابقة كون الشخصيات المنتخبة في هذه الرواية هي في الأصل تعود لرواياتها التي صدرت سابقا ، وبذلك اصبحت الأفعال والأفكار متوازية بين بطلة الرواية ( نادية ) وبين بقية الشخصيات . 

الجدير بالذكر ان شخصية ( نادية ) في الرواية هي ذات الشخصية المؤلفة وهذا التطابق لم تفرزه الفواصل الفنية في السرد بل بقي سائبا لأن صوت الراوي العليم هو ذات الشخصية ( البطلة ) التي تتحدث عن ذاتها ككاتبة على الرغم من تحديد الضمائر  الواضحة في الرواية .

وهذا لايحد من اهمية الرواية لأن الإشتغال الفني العام لهذا العمل السردي مختلف ومتفرد من حيث البناء الفني وتصاعدية الحدث المستمر مع اختيار ثيمة مغايرة ومختلفة استطاعت من خلالها الأبرو ان تترك بصمة مهمة جدا في هذا العمل الإستثنائي على الرغم من انخفاض فاعلية السرد في الفصل الاول والثاني بسبب قوة التوصيفات لأمكنة وفضاءات لم تؤثر في صياغة الحدث بل اعطت صفة التذويب الشعري في بعض الأحيان لتجعل من التشويق القرائي حاضرا ومعادلا فنيا للإنخفاض السردي الذي اشرنا اليه في اعلاه ، بالإضافة الى ذلك استطاعت الكاتبة ان تهدم اسيجة التابو في بعض مفاصل الرواية بالرغم من ان هذا التهديم جاء مغلفا بالتورية  وجاء هذا الإشتغال في سياق قراءتها لمجموعة قصصية لشخصية ( راغب الساير ) وهذا ملمح مهم يحسب لذكاء الكاتبة التي اجادت هذا التلاعب الفني الرائع .

ان استرجاع الأحداث جاء عبر المتخيل القائم في الذاكرة التي اتصفت بها شخصية ( نادية ) بالإضافة الى الحوار الذي مهد ايضا لتلك الاسترجاعات الفنية ، ويعد هذا الإشتغال بمثابة ثنائية مفصلية مهمة في الرواية لأنها جسدت تلاعبا مهما في  المفارقات الزمنية واعطت مساحة واسعة لاستفهامات عديدة بقيت في ذهن القارىء حتى جاءت مكملات الأحداث لاحقا في الفصل الأخير من الرواية ، لأن الكاتبة لم تكشف اوراقها مباشرة بل حافظت على آلية تأجيل الكشف لشد القارىء تجاه التتابع القرائي .

واذا ما عدنا الى المتخيل الذي اشرنا اليه في اعلاه نجد ان من اهم ملامح هذا الجانب المهم هو مناجاة النفس ( المنولوج ) وهو التقنية الأوسع في هذه الرواية ويأتي هذا التوظيف في سياقه الدقيق كون الكاتبة تتحدث عن جوانب عديدة تخص سايكولوجية بناء الشخصيات لتبيان ملامح نفسية وعقدية تخص سلوكياتهم واهوائهم وافعالهم وكذلك استنطاق الداخل المخفي لهم .

لقد حقق السرد المتقن في هذه الرواية حبكات فنية متماسكة عبر عناصر اساسية عديدة ( الزمان / المكان / الحوار / الشخصيات / الأحداث ) 

أي جنون أطبق على عقلي وجرني إلى كتابة تلك المآسي؟ من خولني ذلك؟ من أعطاني الحق في خلق شخوص والعبث بمكنونات أرواحهم وأقدارهم؟ ص 153

ما ذنبهم جميعا كي أقرر أنا مصيرهم؟ هل الكاتب رب شخوصه؟ ؟ فلماذا لم أكن رفيقة بهم رحيمة؟ ص 173

هناك تطابق واضح بين البطلة نادية وبين الشخصيات الأخرى فالجميع يعاني من سيكولوجية متشابهة وهذا ما افرزته المحاكمة في نهاية الرواية ، وهذه التوئمة تأتي من خلال خيال الكاتبة التي حافظت على هذا التوازن فظهرت العقد النفسية عند استنطاق شخصية نادية ومحاكمتها لما فعلت عبر اختيارها لشخوصهم في الروايات السابقة ، وهذا دليل واضح على تلك السمة النفسية التي ذوبت في الرواية كون الكاتبة هي من اختارت شخصياتها وهي من اختارت ذاتها لدخولها في الرواية . وتأتي هذه التوئمة من خلال التصور لا من خلال التدخل التام في استنطاق الداخل للشخصيات كما اسلفت في اعلاه وربما تترك الكاتبة حتى داخلها ينساب في تصرفات الأحداث الخاصة بها ، وهذا عمل فني جدير بالتوقف عنده لأننا امام طريقة متميزة تستحق منا كشف ملامحها وابراز السمات الفنية لهذا الإشتغال . 

ان محاكمة شخصية نادية في الرواية يعتريها التباس وبطلان واضح لأن جميع الشخصيات في هذه الرواية تحمل صفة الإتهام والبراءة بذات الوقت بسبب التوازي الواضح بين الأفكار والأفعال المتشابهة فيما بينهم ، فلا يجوز محاكمة فرد معين من قبل شخصية معينة هي تحمل ذات الأفعال المتشابهة للمشتكي ، لذلك اصبحت نهاية المحكمة مفتوحة ولم يصدر أي حكم فيها

المشـاهدات 60   تاريخ الإضافـة 17/02/2024   رقم المحتوى 39898
أضف تقييـم