السبت 2024/4/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
فنون.. محمد غني حكمت:  منعم فرات .. فنان “بدائي” من بغداد
فنون.. محمد غني حكمت:  منعم فرات .. فنان “بدائي” من بغداد
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

اذا القينا نظرة عامة على اساليب النحت الحديث في العالم، استطعنا الوقوف على الاتجاه العام في المحاولات المتكررة لكثير من الفنانين الذين يحاولون التعبير بنفس الرؤيا التي حصل عليها النحات البدائي، فقد بدأ عدد من النحاتين المعاصرين، منذ مطلع هذا القرن، باختيار هذا العالم الجديد،

وحاولوا بجرأة “تقليد” عفوية منحوتات يرجع عهدها الى الاف السنين، او تقترن باسماء قبائل “شبه متوحشة” لا زالت تعيش في بقاع مختلفة من العالم. ولقد كان لهؤلاء أن يعزفوا عن انتهاج الاساليب المدرسية، ويتجنبوا الاساليب الكلاسيكية في محاولة يائسة للحصول على تعبير جديد للاشياء يبعدهم عما تعوده الناس في نظرتهم للنحت منذ عصر النهضة.

ان هذه المقدمة تقودنا الى اعمال فنان بدائي يعيش بيننا الآن هو: “منعم فرات” تلك الاعمال التي اصبحت وستصبح امثولة لاكثر من فنان في العراق، ذلك لأن عالمه الخاص، واسلوبه بل تصوراته برمتها لا تتصل بمدرسة فنية معينة، ولا تشتبك بجذور من مؤثرات خارجية. انها خلاصة ملاحظة عامة للمنظورات وتعبيرات مبهمة لاحاسيس واخيلة عن الحيوان والانسان في حبهما وفرحهما.. في غضبهما ورضاهما.. في احلامهما وامانيهما.

ان شخوص منعم فرات، تتحدث عن قصص واساطير تعيش في عالم لم نصل بعد اليه.. ولكم تمنيناه!.. فليس منا من رأى انسانا برأس حيواني او حيواناً برأس انساني.

ان مخلوقات عالمه تتراكم بشكل عجيب، وتنبت على اجزاء من اجسامها مخلوقات اخرى ليست من جنسها ، تعيش في صراع صامت.. في وحدانية وانفرادية، كثيبة حتى الاعماق، ولكنها رغم كل ذلك تفكر في اللا نهائي، وتعيش في قعر الصمت الموحش: انها تمثل ذلك الاضطراب والقلق الذي يغرق فيه عالمنا، وهذا ما يريد الفنان تحققه بشكل لا إرادي، ليشبع رغبتنا في تأمل صوره العجيبة التي يخلقها بازميله الصغير.

كيف اكتشف منعم فرات هذه الشخوص؟؟

لقد قال لي بانه راى لأول مرة صورا فوتوغرافية لتماثيل لم يتذكر ما هي وكيف كانت.. فخامرته فكرة تجريب النحت كوسيلة لاشبا تلك الرغبة.. كان ذلك منذ خمسة وعشرين عاما مضت ، ثم حقق ما اراد، واستمر في النحت، ولكن هل استمر في رؤية صور فوتوغرافية او مطبوعة لتماثيل في الكتب والمجلات؟

اني اعتقد بانه كان يزاول النظر الى تلك الصور المطبوعة كلما سنحت له الفرصة، ولكني لم ألمس في اعماله اثرا لتقليد اسلوب من الاساليب. فبالرغم من ان جملة من اعماله تذكرنا بالنحوت الصخرية لقبائل الاسكيمو – بحجومها واشكالها كذلك فانها تذكرنا بمنحوتات بحر الاوقيانوس وبالاخص جزيرة “ماركيزي” وجزيرة “دي باسكوا” وهي في نفس الوقت الذي تعيد فيه الى خواطرنا التخيلات الساذجة لتلك الشعوب البدائية، تعيد الى الاذهان صور النحوت المكسيكية لحضارات “المايا” ونحوت “بيرو” في امريكا الجنوبية ، والتماثيل الاولى في جزيرة “كريت” وهي بذلك ترتبط ارتباطاً وثيقا بتخيلات الاقوام البدائية في العالم القديم.

وهنا يجدر بنا ان نرجع بعض خواص اعماله – الى التماثيل واللقى الصغيرة التي عثر عليها في مدن عراقنا القديم.. إننا سنلمس ذلك في مزيج من التشابه العفوي – الاصطناعي منه والطبيعي – الذي يحقق ما يرمز اليه الفنان:

فاتساع العين، وارتكاز الرأس على الجسم، والبساطة في تحقيق الخطوط والمنحنيات – كلها تؤلف رواميز تأثرات خفية بتلك الاثار، فنحاتنا يعيش على مقربة من متحف بغداد للاثار القديمة، ولربما ارتشف بنظراته الخاطفة الحساسة بعضا من تلك السمات الساذجة.. ربما ؟! ولكن، لم لا نعتقد ايضا بانه لم يحاول البتة ان يخلط اعماله باعمال من شبقه من النحاتين؟ ..

ولم لا نعتقد ايضا بان اعماله البدائية، نتيجة لذات الدوافع الخفية التي تكمن وراء اعمال النحات الافريقي او المكسيكي والتي كان عقدنا للصلة بين اعمالهما مجرد تخمين؟!

ان النحت البدائي العفوي كما تشير كثير من الدلائل العلمية والتطبيقية – يرتبط برباط خفي من الشبه، وهو بهذا يقترب من بعضه البعض رغم طول المسافات وترامي الابعاد، واختلاف السنين.

غن منعم فرات فنان بدائي عفوي تغلب على اعماله صفة تكرار الشكل كما هي الحال في اغلب الفنون البدائية، فاذا كانت تلك الاعمال ناقصة بعض الشيء، واذا كان خياله ضعيفا في ابتكار المواضيع وتنويعها، فان اعماله الرمزية – على اية حال – تشبع رغبة المتسائل، بل وتثير في نفس الرأئي الف سؤال.

المشـاهدات 622   تاريخ الإضافـة 05/02/2020   رقم المحتوى 4016
أضف تقييـم