الجمعة 2024/5/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
الإيقاع في قصيدة الشعر
الإيقاع في قصيدة الشعر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د. محمد ضباشه

عضو اتحاد كتاب مصر

يؤكد الخليل بن أحمد الفراهيدي على أن الشعر كلام موزون ومقفى ويرى أن الإيقاع يأتي من تآلف الوزن (على بحر من بحوره) مع القافية بما يعرف بالإيقاع الخارجي في قصيدة الشعر، ويضيف ابن طباطبا العلوي أن الشعر الموزون له إيقاع يطرب الفهم لصوابه وما يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه فإذا اجتمع للفهم مع صحة الوزن صحة المعنى وعذوبة اللفظ بسط مسموعه ومعقوله عن الكذب تم قبوله واشتماله عليه، وفد استبدل كلمة الإيقاع بكلمة الوزن حيث كانوا قديما يطلقون على الايقاع كلمة الوزن في الشعر العمودي لأنه كان الشكل الوحيد في هذه العصور، وهذا ما أخذ به القرطاجي في حديثه عن الايقاع.  

ويرى أنصار النقد الحديث أن النغم الموسيقي لابد أن يكون حاضرا داخل النص الشعري ( الإيقاع الداخلي)، وبعضهم يرى أن مهمة الإيقاع في القصيدة يمنحه وظيفة نقل حركة الوجود ، وهو الذي يحيي نبض الوجود  ، بينما يرى البعض الآخر أن الإيقاع هو أساس من أسس الموسيقى في الشعر ، ويعد  تناوب زمني منتظم للظواهر المتراكبة وخاصية مميزة للقول الشعري و المبدأ المنظم له، وبهذا نجد أن الإيقاع يعني الوزن عند شعراء الشعر العمودي وشعر التفعيلة.

أما عن شعر النثر يرى أدونيس أن الشكل الموسيقي من الأشكال الناجحة للقصيدة، لكنه ليس الشكل الوحيد، وهو بذلك يفتح الباب أمام أشكال جديدة تقلب موازين القوى من حيث الوزن والقافية بالنسبة للشكل العمودي ومن حيث التفاعيل والبحور الشعرية بالنسبة لقصيدة التفعيلة، وفرق أدونيس بين الوزن والإيقاع، واعتبر الإيقاع تناوب منتظم ومتسق للمقاطع، والإيقاع حركة بينما الوزن شكل من أشكالها، وأصبح الوزن التقليدي بالنسبة له تآلفا إيقاعيا معينا، بينما يتميز الشعر الجديد بخلق تآلفات جديدة وتناوبات مغايرة، وفي ذلك يحاول الشعراء الجدد أن يطوروا مفهوم الشعر من الناحية الوزنية، فالشعر تآلف إيقاعي لا وزني ويضيف أن في قصيدة النثر موسيقى ، لكنها ليست موسيقى الخضوع للايقاعات القديمة بل هي موسيقى الاستجابة لإيقاع تجاربنا و حياتنا الجديدة، وهو إيقاع يتجدد كل لحظة.

والتشكيل الإيقاعي في قصيدة الشعر له ثلاث حالات هي:

1 - طريقة تعتمد على التفعيلة العروضية كأساس إيقاعي ، فكل ما يقترن بها من تنويعات في كيفية توزيع التفاعيل و الأسطر و الوقفات، و يتفاوت فيها الإهتمام بالتوازنات الصوتية و التركيبية من نص لاخر ومن ديوان لاخر .

2 - طريقة مفتوحة لا تخضع لأي نمط إيقاعي مسبق ، وتعمد إلى إستغلال التوازنات الصوتية و التركيبة الدلالية و توزيعها على مسافات زمنية متقاربة .

3- حالة تمزج بين الطريقتين السابقتين ، فتخضع للتفعيلة أحيانا، و أحيانا أخرى تتلاشى فيها التفعيلة و تغيب ليحل محلها الإيقاع المفتوح .

ومن خلال هذه الحالات يتضح أن عملية التشكيل الإيقاعي في الشعر المعاصر يمكن أن تتحقق بطرق و آليات متعددة ، فالمستوى الايقاعي يرفض التقنين و التحديد المسبق الذي تتسم به الأوزان العروضية ، كما يرفض شروط و تقنيات التفعيلة .

أن الإيقاع هو أوسع من العروض و أكثر حرية و رحابة منه ، وهو يتحقق  بتكرار ظواهر صوتية متعددة الأشكال وفق نسق نصي مفتوح ، وعلى مسافات زمنية متساوية أو متقاربة ، في تفاعل مع المكونات النصية الأخرى، لأن الإيقاع الشعري لا يمكن تصوره مستقلا عن المستويات الأخرى أو معزولا عن وظيفته البنائية  و الدلالية .

اما عن الايقاع في النص النثري فيرى ميخائيل نعيمة  لا الأوزان و لا القوافي من ضرورات الشعر ، فرب عبارة منثورة جميلة التنسيق ، موسيقية الرنة ، كان فيها من الشعر أكثر مما في قصيدة موزونة ومقفاه، وقد أكد على هذا المعنى أدونيس عندما قال ليس كل كلام موزون شعرا بالضرورة ، و ليس كل نثرا خاليا  بالضرورة  من الشعر .

إن جهود التنظير التي مهدت لقصيدة النثر انصبت في أغلبها على مسألة الإيقاع في الشعر ، و حاولت أن تفصل بين الوزن الهندسي المنتظم الذي وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وبين الشعر الحقيقي، بل إن هذه الجهود التنظيرية وجهت اللوم العنيف لهذه الأوزان لأنها، حسب رأيها ، تحد من حرية الشاعر و تقيد حركته وتحصر نشاطه الإبداعي في قواعد ثابتة لا يسمح له بالخروج عليها .

أما أنسي الحاج فيرى أن النثر منذ أقدم عصوره وفي مختلف اللغات كان يحفل بالشعر اذا ما قيس بشعر النظم يغلب عليه ، و يقول في موضع آخر ما دمنا قد مهدنا أن الشعر لا يعرف بالوزن و القافية وحدهما و أن الموسيقى الداخلية- النفسية هي الأهم، فما المانع أن يتألف من شعر النثر قصيدة نثر ؟ ، وقد سميت قصيدة نثر دلالة على منشئها.

 

المشـاهدات 180   تاريخ الإضافـة 28/02/2024   رقم المحتوى 40707
أضف تقييـم