الثلاثاء 2024/5/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 24.95 مئويـة
تجليات الزمن في رواية ريام وكفى للكاتبة هدية حسين
تجليات الزمن في رواية ريام وكفى للكاتبة هدية حسين
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ايمان عبدالحسين

في البدء يجب أن نشير بما ان الزمن عنصراً مهماً واساسياً من عناصر البنية السردية في الرواية  ما دفع النقاد الى وضعه مع المكان ضمن اولويات قراءة وتحليل النص الادبي، وليس هناك مغالاة من ان اغلب الدارسين والمهتمين الذين يقدرون مدى اهميته يؤكدون بان ليس هناك عالم تتم الرواية خارجه ، وبما اننا ندرك سلفاً أن الإحاطة بمختلف التقنيات في الرواية امر صعب لا سيما في مساحة محدودة للقراة ، وليس من شك في أن هذا الحيّز لا يكفي لاستعراض هذه التقنيات جميعاً وبما ان الزمن  له حضوره السردي وابعاده الدلالية المهيمنة في رواية ( ريام وكفى) للكاتبة هدية حسين و ينتشر على مساحة واسعة من احداثها ، ما بدا لنا ان هذه الرواية مثلما هي رواية شخصيات فهي رواية ازمنة فبين كل زمن يفصل زمن اخرينماز بالتنوع والجدة على امتداد الرواية، واذا جاز لنا اقتطاف قول من اقول سيزا قاسم حول الزمن يكون ذلك من انه(يتخلل الرواية كلها ولا نستطيع ان ندرسه دراسة تجزيئية فهو الهيكل الذي تشيد فوقه الرواية )( بناء الرواية  ،ص26)، لذا اتخذنا منه منطلقا اساسيا للقراءة ولكني لن أتحدث مفصلا عن الزمن هنا بصورة عامة فهذا حديث يعرفه المهتمون بالأدب العربي المعاصر، ولكني ستناول اليات الزمن وتجلياته في الرواية موضع قراءتنا ، الذي يبدو ابرزما يميزه من وجهة نظري بالاضافة الى عناصر اخرى تضافرت معه  اننا نجده مهيمنا منذ الاستهلال وذلك عبر التساؤلات التي جعلت من الزمن فاعلية مسيطرة على كل الاسئلة التي تطرحها الساردة في البدء (كيف ركضت بي السنين على حصان اهوج تدفعه ريح مجنونة حتى ليتعذر علي لملمة الوقت وانا اغذ السير الى الصحراء الموحشة من العمر ؟ -وحدي يمر بي الزمن ويعبرني تاركا فسحة صغيرة في كونه الشاسع الملغز فسحة احاول جاهدة ان اوسعها برغم انها لا تسعفني بالقدر الذي تضيق علي يتخلل زمني من خلالها بين شد وجذب اذهب الى النوم واتذكر انني قبل قليل كنت قد نمت واصحو فاتسأل كيف مر الوقت بهذه السرعة العجيبة الست قد صحوت قبل ساعتين او ثلاث؟)، ويخيل الي ان لقناعة الساردة الخائفة من الزوال والانمحاء، الساردة القلقه على ذاتها والتي تحاول البحث عن محاولة  للقبض على سريان الزمن وتسربه، ومن اجل المحافظة على ما تبقى منه اجازت لنفسها جدوى كتابة المذكرات التي شكلت ركيزة اساسية في الرواية، وربما ايضا ان الكاتبة تجد في استخدام هذه التقنية نوعاً من الحداثة تعده تعبيراً عن التجديد لكي تواكب فيه التقنيات والاساليب الحديثة في التناول لا سيما ان الذاكرة تعتبر حسب هنري برغسون هي جوهر وجودنا ،فهي التي تضمن امتداد الماضي والحاضر فيتعايشان معا، فماضينا البعيد يتداخل مع حاضرنا باستمرار كي يكونان معا زمنا واحدا غير منقطع.

وان الساردة التي تعرض الصور الدالة على ماضيها من خلال المذكرات ، لا بد ان يكّون الماضي هذا هاجساً ومصدراً قلقا لها، فهي التي مرت باوقات قاسية تسعى الى تجاوزها بالهروب الى عالمها الداخلي مستعينة بالذاكرة، فيتحول السرد هنا الى منولوج وبوح ما في الداخل (الرواية النسائية تظل حبيسة هذه الذاكرة التي تمثل لحظة من اهم لحظات تشكلها العاطفي الساكن معها تحييه الكاتبة انطلاقا من مشاعر المراة التي هي في حاجة الى البوح والمكاشفة)(د الاخضر بن سايح،سرد الجسد وغواية اللغة قراءة في حركية السرد الانثوي وتجربة المعنى ،ص165) ،  وبهذا فان من يتتبع الزمن في رواية ريام وكفى يجده واضحاً ومهيمناً على مدار الرواية  ، ولا سيما في توظيف التقنيات السردية الحديثة المتمثلة بالتلاعب بالازمنة والمزج  ما بينها ، الذي يتم فيه التطابق بين المؤلفة والساردة والشخصية باعتبار ان التي تكتب هي نفسها الشخصية الرئيسية وهو يعد (اول شرط لتحقيق هذا التطابق هو السرد بضمير المتكلم الذي يحيل على الكاتب والشخصية )(محمد اقضاض ،رواية السيرة الذاتية في الادب المغربي الحديث ،مجلة علامات1997).

ومن المفيد ان نذكر ان الكاتبة التي تحاول الاستفادة من التقنيات الحديثة وان لا تضع الزمن ضمن اطار ثابت، لا بد ان تكون هناك لحظة من الزمن ادت الى انكسارها وادت فيما بعد ذلك الى مزيدا من الانكسسارات المتتالية، وان لاهمية هذه اللحظة الزمنية شكلت نواة الرواية، شكلت بدايتها ومنتها، واتت استجابة حاسمة لعمق معاناة الساردة، وهو بذات الوقت تكريس للاحساسها والتي جسدته في لحظتها الاولى من الزمن،  اي لحظة ودلادتها التي تخبرنا به الكاتبة من العتبة النصية المعنونة بالاسم ريام وكفى بعد رفض والدها اسم ريام التي اطلقته عليه امها وفضل عليه كفى اي ليس هناك مولدة اخرى تأتي بعدها (انا كفى ياسين الفضلي كما قرر ابي ان يسميني في شهادة الميلاد لتكف امي عن انجاب المزيد من البنات)ص 7 ، ثم لتأتي على مر الزمن  انكسارات اخرى عديدة مثلما رسمت من خلالها بداية الرواية  فهي سوف تدفع بها اتجاه الطريق الذي ستختاره في النهاية، ولا سيما الانكسارالتالي والمهمين على الرواية وعلى ذاكرة الساردة ولاهمية هذه اللحظة الزمنية نرى الكاتبة تقوم على تكرراها اكثر من مرة،وظني ان هذا ما يؤدي الى لجوئها الى الانزياح بالزمن وذلك  بالعودة به الى الوراء من اجل استعادة هذا الحدث الجلل اضافة الى احداث اخرى مضت ، ولا سيما استعانتها بالاسترجاع الداخلي المثلي التكميلي من خلال استرجاعها حدث سبق ان تطرقت له فهي تعود الى الحدث لتؤكد عليه ولا شيء أدل على هذا من المثال التالي ( وما ان دخل البيت واجتاز نصف الممر حتى كفخني على وجهي واسقطني بقوة على البلاط وداس على راسي بحذائه الجلدي الخشن ) ص 10 ،وتنساق الى الحادثة نفسها مرة اخرى باعتبارها اول اهانة تلقتها من خلال استرجاع مثلي تكميلي اذا تقدمها الساردة مرة اخرى على الصفحة 20 (وتظل الصورة الاوضح في مخيلتي هي حين اسقطني على البلاط وداس على راسي بحذائه الجلدي الخشن ثم سحلني ليرميني الى السرداب )  ثم تكرره على الصفحة28 (لم يغفر لي ابي فعلتي ولم يكتف بضربي وايقاعي ارضا بل هددني بالسرداب) ، وهكذا نرى ان الحدث  المسيطر على ذهنية الساردة يتم ذكره مرة  اولى وثانية وثالثة  كلها تحدث استرجاعا  بالزمن لما حدث سابقا وهذا ما يطلق عليه التواتر التكراري وهو الذي (يقوم به الراوي بحكي عدة مرات ما حدث مرة واحدة)  (الشريف جبيلة ، بنية الخطاب الروائي،ص49).

 وهكذا فأن الكاتبة التي تفضي إلى بلورة نموذج يعتمدعلى الترابطات بين الاحداث باعتمادها الذاكرة تكون الترابطات التي تنطلق من الزمن تتجه حتما صوب الترتيب غير المنظم  فتلعب الكاتبة انذاك لعبة المراوغة بالازمنة حيث تقوم بتنظيم حركية الزمن وتنويعه والارتحال به خارج النمطي والثابت الى فضاء التجريب والحداثة،  فالروائية تحاول على مدى الرواية من الاستغناء عن البنية القصصية التقليدية ليصبح نصاً حداثيا يتحرك فضاؤه عبر نقلات من حالة إلى حالة،  فان الكاتب حسب راي الناقد المغربي سعيد بنكراد  ( غير ملزم بالحفاظ على الخط الطبيعي للزمن فقد يكسر الزمن فيبدا السرد من نقطة يختارها ويمكن ان يرجع زمنيا فيكمل السرد بالاتجاه الاول)(سعيد بنكراد ، السرد وتجربة المعنى ،المركز الثقافي العربي ،المغرب،2008،ص88)، وان من المفيد الاشارة اليه هو كثرة المقاطع الاستذكارية المتناثرة على متن النص التي تندرج في اطار الاسترجاع الداخلي فاغلب المقاطع الاستذكارية تبرز كنقطة تحول حاسمة في حياة الشخصية الحاضرة بتاثير من حياتها الماضية، وهنا يلعب الماضي دور مؤثر وفعال في توجيه سلوك الساردة وفي تحديد نهايتها ، ونجد ان استحضار الماضي في الرواية يتضح من خلال شيوع الصيغ الماضية التي تكررت في الرواية على سبيل المثال كم مشينا – وقفنا- كنا- جلسنا، ولا بد من القول من ان هذه الصيغ تسبغ على لغة التعبيراسلوباً يحرره من قبضة الرتابة التكرارية للزمن، وان الكاتبة التي ارادت التلاعب بالزمن وتجريب انواع متعددة منه اكثرت على مدى روايتها اضافة الى الا سترجاع تقنية الاستباق وهو تقنية تناقض الاسترجاع وهو ما يعني تركيز الاحداث في  الرواية على نقطة يتم فيها تجاوز الزمن الاني وتشيرفيها الساردة الى احداث ستقع في المستقبل وهي النقطة الزمنية التي وصل اليها السرد،اي التي تضعها الكاتبة كمقدّمة للأخبار بما سيأتي فيما بعد، وان من يساعد على تعميق هذا الاتجاه في اعتقادي الامر يتعلق برغبتها بان تتيح للقارىء فرصة الدخول والمشاركة معه في بناء النص الروائي وتهبه متعة الانتظار للاكتشاف المخفي من الاحداث وذلك  في محاولة استفزاز ه وتحفيزه الى مواصلة القراءة من خلال اسلوب يتصف بالمروغة، كما ان اهم ما يميز هذا النوع ان الحديث فيه لم يتم بالفعل فليس هناك ما يؤكد حصوله،  فكل الاشياء كامنة في العلائق بين يحدث اوسوف لا يحدث، اي ان الاشياء واقعة في برهة اللا تعيين اذ ان  البراهين تتوارى في إثبات الحقيقية  فليس هناك اشياء مؤلفة  من أدلّة راسخة بقدر ما هو مؤلفة من معلومات لاتتصف باليقين وتؤدي احيانا إلى استنتاجات غيرصحيحة او غير متحققة  تحمل اللّبس والغموض بين ما هو جائزالوقوع وما هو غيرُ جائزٍ، لذلك كان اسلوب السرد يدخل في إطار استحضار صور وذكريات لم تكن متوقعة، تشكل نوعا  من اشكال الانتظار ونلمس  من خلال هذا من ان ليس للحقيقة قيمة إلا إذا تاكد حدوثها ، وهذا  يبرز من تواتر الافعال المتصلة بالسين التي تشير الى تحقيق الفعل في الزمن القريب من امثلة الاستباق في الرواية نجده على سبيل المثال في المقطع التالي ( سيعود ابي في صفحات لاحقة كلما اقتضت الضرورة-(ساعرف فيما بعد ان السيد مختار واقع في غرام امي لاهو الذي سيخبرني بذلك وليست هي)ص45 ، ومن الواضح أن الروائية تقوم بالجمع ما بين الاسترجاع والاستباق في بعض الاحيان،(جدتي مسعودة المناكفة كانت قد ماتت بعد ايداعه السجن بشهور قليلة ثمة اخداث كثيرة ساعود اليها لاحقا بشان محمود اما الان فان لي ان اتوقفف عند اهم محطة من محطات احلامي )ص41.

ومن اجل التوقف عن عملية السرد وتوقف حركة الزمن التي تكون بمثابة استراحة للقارىء نجد ان بناء الزمن الذي يقع عبر خطين متوازيين  يلتقيان في بؤرةٍ محسوبة  مع نهاية الرواية  تحاول الكاتبة الفصل فيما بينهما بوقفات وصفية تشخص فيه الاشياء وتمثيلها،وخير دليل على ذلك  المثال الذي توقفت عنده طويلا (صالة وخمس غرف بيتنا القديم ذي الطابقين والشرفة العريضة المطلة على الشارع البيت الذي ورثه ابي عن جدي والذي تغربت عنه ثم عدت اليه حديقته الامامية واسعة تربض فيها اشجار البرتقال والنارنرنج والتوت، وفيها ايضا شجرة سيسبان ونخلة غرستها امي عندما كنت طفلة تتوسط الحديقة، كانها بالنسبة لبقية الاشجار فص حجر كريم في قلادة وصف من شجيرات الاس على طول الممر الواصل بين الباب الخارجي ومدخل البيت، وبامتدادها شجيرات الجوري والقرنفل في الطابق العلوي تقع غرفة البنات كما اطلق عليها ابي ثم عدلت التسمية امي واطلقت عليها غرفة الفراشات والغرف الاربع المتبقية تقع في الطابق الاسفل حالما نجتاز الحديقة والممر نعبر الى الداخل سنرى الصالة الى اليمين تقابلها غرفة جدتي بسرير من الحديد وصندوق من خشب الصاج ،وتستمر الكاتبة في الوصف لتعرج على غرفة الاب وخزائنه تاتي صفحة كاملة في الوصف وان الكاتبة  لم تنحصر في وصف الاماكن وحدها بل امتدت أيضاً لتشمل وصف الشخصيات لا سيما  على سبيل المثال في المقطع الذي تعرف فيه ببنت  المعيدي (المعيدية التي نراها في الصور والتي تقول عنها الحكايات بانها كانت خارقة الجمال وتنحدر من احدى قرى هور الحويزة في مدينة العمارة وكان اهلها من المعدان يبعون القيمرويصنعون الحصران والبواري ويربون الجاموس)ص31.

 

.................................................

, ووقوعه في دائرة الاستلاب: الغربة: المنفى, والوحدة, والإحباط, والقلق, والاغتراب

، فيترك النص البنية القصصية التقليدية ليصبح نصاً حداثيا يتحرك فضاؤه عبر نقلات تحول بنية مستويات النص من الحيز الأفقي إلى الحيز العمودي

 

المشـاهدات 87   تاريخ الإضافـة 03/03/2024   رقم المحتوى 41066
أضف تقييـم