الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 36.95 مئويـة
افذة من المهجر شهر رمضان المبارك الماضي الخالد في الذاكرة وحاضر المنفى
افذة من المهجر شهر رمضان المبارك الماضي الخالد في الذاكرة وحاضر المنفى
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منال الحسن
النـص :

كلما يحلُّ علينا شهر الطاعة الفضيل , رمضان الخير والعطاء والمحبة , أتذكّر الماضي , وأنا أعيش بعيداً عن أجوائه الحقيقية التي تمثّل لي طقسا روحيا أعيشه بكل مشاعري وهواجسي وإيماني ويقيني , وما أن تحلّ موعد إطلالته , حتى أشعر بغصة وأنا أفتح نوافذ الأمس , فأرى أهلي مجتمعين على مائدة إفطار تطيب لها النفوس , وتحلق في فضائها آيات المحبة والصفاء والتراحم والود الذي يجمع أفراد العائلة ليغدو للطعام مذاق خاص , ولتجمّعنا ونحن نشعر براحة البال وهدوء النفس , نكهة لا مثيل لها , أتذكر التزاور فيما بيننا , كما أتذكر حالات لا أظنها تتكرر في ظل الخراب الذي حلّ في العالم , وهذه الحالات تتلخص في إعانة المحتاج ومدّ يد العون بصفاء وصدق لجميع المحتاجين والبسطاء , وهذا في رأيي جزء من الرسالة السماوية التي تضمنتها فريضة الصيام على المسلمين جميعا , فالغرض الأهم والأنبل من طقوس هذا الشهر , ليس الامتناع عن الأكل والشرب والمفطرات المعروفة , بل هو غرض تربويّ في المقام الأول , إضافة إلى القيم الروحية والإنسانية وحتى الصحية التي تحملها فكرة الصيام .

كنّا نترقب حلول شهر الفضائل , شهر نزول القرآن الكريم , بشوق وشغف , فنجد أيّامه  مختلفة , ولياليه مشعة بالحيوية ولهفة اللقاء بالأهل مهما ابتعدت أماكن سكنهم , فشهر الخير دائما يجمعهم في جلسات رمضانية تتوزع على البيوت , ويكون بيت الجد دائما هو المثابة الرئيسية للقاء الجميع أكثر من مرة ....

بالأمس , كانت مائدة الصائم في بلادنا الحبيبة سرعان ما تتسع , حتى تصل إلى تشكيلة إفطار متنوعة , فالجار يتفقد جاره , والمشاركة في الزاد تجلب الرزق والبركة والثواب , لذلك تُطرق الأبواب , ليفتح أهلها على طبق لذيذ من جار حميم , وما أبهى هذه العادات التي وسمت مجتمعنا وأعطته تميزا في العطاء وإضافة معنى نبيل لقيم ودلالات هذا الشهر المبارك ...

ومع أن الصيام مازالت طقوسه قائمة في مجتمعنا , إلا أن شراسة الحياة وقسوة الظروف والمعاناة التي يعيشها الناس , أفقدت الممارسات التي اعتدناها في الماضي طبيعتها   فلم تعد كما هي , فتجمعات العوائل قلّت , ولم تعد الموائد قابلة للاتساع مثلما كانت , فالأمور تغيّرت والجفاف وبعض الجفاء حلّ ببلداننا لأسباب من المؤلم أن أخوض في تفاصيلها هنا , فأنا ومنذ أن حطت قدماي في أرض الغربة , تعوّدتُ على وجع الذكرى وتقليب صفحات الماضي والنظر إلى وطني من نافذة القلب , لأراه في الحلّة التي رسمتها له الظروف الصعبة التي يعيشها , وبسبب ما حلّ به من ممارسات الطبقة الحاكمة التي جعلت منه مكاناً للمآسي والمعاناة والسوء , وعدم الإحساس بالمسؤولية الذي جعل دولة مثل العراق بقدراتها الهائلة , دولة فقيرة يعاني العديد من أبنائها فقرا مدقعا , يجعل قوت يومهم صعباً عسيرا , وفيه مرارة اللهاث وراءه بطرق في غاية الصعوبة ...  

لا أريد في هذه المناسبة الكريمة , وفي الأيام التي مهما حصل , فهي تحمل نكهة خاصة , أن أقلّب أوراق الوجع , لأنها فعلا مؤلمة واخزة تشعرني بالأسى , ويكفيني ما أعيشه هنا بعيدة عن وطني وأهلي وأجواء الشهر الفضيل , التي تبقى متميزة في مجتمعاتنا حتى لو اختلفت عن الماضي الأصيل المتوهج بالقيم والعطاء , لكنني اردت من استطرادي في الحديث عن أمس شهر رمضان , وراهنه  , لا للمقارنة , ولكن لترويح النفس وإعادة شحذ الذاكرة وأنا منهمكة في طقس العبادة الخاص بي , وأراني أعيش بمشاعري وأحاسيسي في الوطن الحبيب , وأنا أستحضر تفاصيل شهر الخير , متمنية داعية الباري عز وجل أن يعيده على الجميع بالخير واليُمن والبركات , وأن يعود العراق الغالي معافى سليما يجمع أبناءه تحت خيمته المباركة

المشـاهدات 36   تاريخ الإضافـة 08/03/2024   رقم المحتوى 41345
أضف تقييـم