الثلاثاء 2024/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
إلى أين تفيضُ دمعاً؟!... ودموع نهرك من كوكب بعيد!
إلى أين تفيضُ دمعاً؟!... ودموع نهرك من كوكب بعيد!
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

نقد: كريم إينا

صدر للشاعر منذر عبد الحر مجموعة شعرية بعنوان: " دموع النهر"  الطبعة الأولى سنة 2024 مصمّم الغلاف: نورس نبيل يعقوب، المجموعة من إصدارات دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد، يقع الكتاب بـ (136) صفحة من القطع المتوسط، قياس الكتاب ( 14 في 21 سم). بدأت بأوّل قصيدة له عنوانها: " آباؤنا... حراس الشجن " ص5، يتحدّث الشاعر عن الإخلاص في العمل، وكيفية صون الوديعة، والوفاء بعهده لها، رغم ما بدا منها من الصد، والإمتناع، حيث يقول: / وقد لوحتهُ الشمس / ليغدو مثل رغيف ساخن / حين يقبلُ علينا / نشعرُ أنّ دجلة يبتسمْ /، يحرص الشاعر كلّ الحرص بهذا الصبر والعناد وهو يحسنُ الظن به، لا يطاوعهُ قلبهُ في فراغه، والبعد عنهُ، إنّ مفردات القصيدة بسيطة، توضّح أفكاراً عامة لوضوح الصورة، والمعنى عند المتلقّي. تتّسم ألفاظ الشاعر بالسهولة، والبساطة، والوضوح، فلا تعقيد فيها، ولا غرابة، ولا تكلّف، الموضوع وجداني عاطفي، يضطر الشاعر ربط الجمل بإستعمال حروف الجر والعطف، وهمزة الإستفهام، أسلوبهُ خبري، وألفاظهُ مناسبة موائمة للمعاني، تسيطر على القصيدة منذُ بدايتها وحتى نهايتها عاطفة ذاتية وجدانية، أهم صفاتها: الصدق، القوة، وحدة النسيج، الإستمرارية، كقوله: في ص7 / أنا أيضاً أبي حارس / حمل لي دفتراً صغيراً / كي أحنط فيه الفراشات /، إضافة إلى الشقاء واليأس، والفراغ والتجافي، القصيدة تنبضُ بدقات متتابعة، متناسقة، متناغمة، تعبّرُ عن مشاعر متنوعة، وأحاسيس، ورؤى مختلفة، البناء الفني للشعر لا يقومُ على اللفظ وحدهُ، ولا على المعنى أو الفكرة لوحدها، بل هو تلاحم ونسيج محكم بينهما، القصيدة أدّت الهدف والغاية دون زيادة ونقصان. قالوا: قديماً أجمل الشعر أكذبهُ، ولكن للخيال والبلاغة دوراً مهماً للتأثير على المتلقي سواء عن طريق الإستعارة، أو الكناية، والسجع، والتورية...إلخ، وفي ص13 تظهر قصيدة بعنوان: " لا تمزح معنا يا مروان" حيث يقول: / يا لغرابة هذا الصباح / لقد رأيتُ نجوماً تتكسّر / مثل زجاج المرايا / وتسقطُ على رأسي / لأنهض فزعاً /، نرى لدى الشاعر منذر التناسق في كلّ شيء، في الألفاظ، المعاني، والإيقاع وهذه دلالة على ثقافة الشاعر الواسعة وغزارة علمه، حيث إستطاع أن يجسّد لنا ما عاشهُ ورآهُ من شجون وشؤون. إنّ شعرية النص تدخلُ في المفارقات، والإنزياحات التركيبية، ففي ص17 يقول: / من شرفة صفراء / عجنها النبضُ بالموت / ذابت عقاربُ الوقت / وسال دمها على العشب الأصفر /، ما أجمل الذكريات وهو يسردُ لحظات الشتات مع أصدقائه، وخطاهم التي ما كادت تصلُ حفيف المساء، وما زالوا ينتظرون على الرصيف، حيث الورد والنسيم، والخبز والخمر والموسيقى، يتذكّر أسماء كـ ( كزار)، وجان دمو، ويوسف الزبيدي، وكمال السعدون، وأبراهيم الخياط، وعريان السيد خلف، والقائمة تطول كلّهم رسموا لوحة تنبعثُ منها أناشيد ونبضات تصرخُ براية بيضاء، وفي ص31 يقول: عن عمر السراي،" الكائن المنسوج من حب وجمال وطيب وإبداع" / لن يكسروا صوت النسيمْ / ما كنتَ إلاّ عاشقاً / طاف البلاد بقلبه / وغفا على تعب الزهور /، يصف الشاعر الأشياء هنا بما يلائمها من تمييز، لذا نراهُ كان صادقاً في التصوّر، مقبولاً في المتوقّع دونَ غرابة، أمّا قصيدة " مروج الغواية" ص37 حيث يقول: / كي لا ألتفت إليك / فأجرح سماء صمتك / بشرارة عشق / أغني من بعيد / لشرّ جنوني فيك /، وفي ص45 نرى قصيدة " دموع النهر" التي حملت عنوان المجموعة، يقول: / إستراح الغرقى / وهم ينفضون عن أجسادهم / طحالب السنين / وطين الغربة / ودموع النسيان.../، تراهُ يطوي الليل ويصارعُ مع النهار، بلوحات تشعلُ الهموم شمعات..، ينسجُ الشاعر منذر عبد الحر خيوطهُ اللفظية بأناقة الطفولة البريئة، حيثُ عندما نقرأ لهُ وكأنّنا نقرأ لسعدي يوسف، بنفس الصمت، وبقايا تجاعيد، وأكوام رمل على شاطىء مهجور، تنبعثُ من ذكرياته التعاويذ وأنين تراودهُ شرارة النجوم، أيضاً نرى في قصيدة " مناجاة متأخرة" ص71، إعتمد الشاعر على حسّه اللغوي، وما يدرك من تلاؤم بين الكلمة وما وضعت لها من ركزة كي لا تبتعد عن معناها، وهذا ممّا جعل منهُ الصعود به إلى مستوى أليق بهذا الفن الجميل " الشعر". حيث يقول: / في مواسم الطلع / أرى روحك موزعة على الفواخت / وهي تتنقلُ بين لثغات النخل / تبثُ فيها لهفة الرحيل / إلى موانىء الحلم /، المعاني لديه معقولة بعيدة الفساد، ومن جانب آخر يبتعد عن المبالغة التي ربّما تحيلُ المعنى لتلبسهُ على السامع، بل يؤثرُ الصدق في المعنى، والدليل على ذلك خبرتهُ الواسعة، لأنّهُ صاحب تجارب وبصر بالشعر، لا يعتمد على الذوق وحدهُ، بل يقومُ على العقل الذي يمتلك الحاسة اللغوية وما ورثهُ من عادات وتقاليد، وبهذا يرسمُ سريراً يطفو على صبر فادح، لقد أثبتَ بأنّ الجرأة هي قوّة القصيدة، وجبروت الشاعر الثائر، سواء كانت سياسية أو غزلية، ومثالُ ذلك عن الأعراق والتقاليد البالية، فهو خارج عن قانون العادات السخيفة المتوارثة في الشرق، وستبقى هالات الشاعر الساحرة تُشعّ حول أمنيات مجففة على نهر منسيْ، وكلّ ذلك متآتي من بساطة لغته وثراء تجربته، أحياناً تغلبُ الوصفية الذهنية في شعر منذر حيث يقول: في قصيدة " شجن" ص79، / أكانَ عليك... / أن تتدلّى من سقوف الجنون / لتكون قمراً يسيلُ / على جدار مثلّم بالأسى؟ / كنتَ رزمتَ نجومك وأحلامك / وشددتَ أزر وهمك / كي تكونَ رحلتك / في غربة آمنة /، ما زال الشاعر يرى آهات تسيلُ من جبين ملاك، وتسقطُ على جناح فاختة، فهو في مفترق الطرق، بين رؤيا القديس يوحنا ورؤيا الشاعر جبران خليل جبران، حيث يقول: في ص84، / رأيتُ أشجاراً تلوّحُ / وأمّاً منهكة تبحثُ / بين أكداس الحسرة / عن عابر ليل / بغربة وجرح وتشرّد رأيتُ عمراً.. / كأنّهُ أعواد تتناثرُ من نبتة يابسة /، من مظاهر التجديد في شعر منذر عبد الحر، أنّهُ يطعّم العامية في نصوصه الشعرية، ممّا يصحّي طيفها النائم ويسعى كأيّ عاشق يهربُ من هزيع الموت، تظهرُ وحدة فنية في نصوص الشاعر، لأنّ للكلام الواحد جسداً وروحاً، فالجسد هو ما ينطقهُ الشاعر، والروح ما يأتي من المعنى، فعلى الشاعر أن يتّقن اللفظ والمعنى وبهذا يكونُ صانع الشعر، ونستهلّ ذلك من خلال نصوص الشاعر منذر التي إستوفت قصائدهُ بالوصف المحكم واللفظ السلس، والديباجة الحسنة، وأوّلُ من أشار إلى ذلك إبن سلاّم الجمحي عندما قال: ( وللشعر صناعة يعرفُ أهلُ العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات). وفي قصيدة " كتاب الحب" ص99، حيث يقول: / ثبتَ الجسدُ على جذع شجرة / ومثل زغاريد  سقطت أوراقٌ صفرٌ / لتعانقَ العشب /، لا شك أنّنا أمام نص شعري جميل ما زالت سفائنهُ تمخرُ موج البحر، ورؤى الخيال ممتدة في أفق البيان الرحب، إستطاع الشاعر بإدراكه اللغوي، وبحسّه الشعري، أن يخرج لنا رقّة بصور محلّقة، فصورة كتاب الحب هي رمز للحب والفناء، نراهُ يستنبط لمعانيه أسماء تدلّ على أمكنة أو علامات... تحددُ الزمان والمكان. والتحليق نحو أنسنة الحروف يعكسُ لنا الشكل والمضمون متناسقان وهما يعلنان صدى التحليق، تظهر آخر قصيدة بعنوان: " كتاب الشاهد" ص116، مهداة إلى الأديب يوسف الزبيدي، قائلاً: / يوسف... أيّها الراهب العاشق/ ما زلت تحفظ خطى الذين مروا عليك /  تعرف أسرار الجدران والكراسي الثابتة/ دع أصحاب الدفوف والمهلّلين للموت... / دع أبناء الزجاج الملون والضمائر المستترة /. من هنا يبطلُ التيمّم إذا طاف في مدن، وتظهر منابع القلب منسابة نحو الحالمين، دام الفرح لقلب الشاعر لأنّهُ يعزفُ على وتر القلب، ويصفُ ما يدورُ بخلده من كلمات، لك أيّها الشاعر الرائع الذي أضاف للشعر معناً، وقصائدهُ ما زالت تستحمّ بأشعة الشمس الذهبية، خدمة للمشهد الشعري في العراق والعالم العربي.          

 

المشـاهدات 54   تاريخ الإضافـة 10/03/2024   رقم المحتوى 41484
أضف تقييـم