الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 31.95 مئويـة
كيف نؤلف لمسرح الدمى ؟ ...تجارب شخصية
كيف نؤلف لمسرح الدمى ؟ ...تجارب شخصية
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الباحث والكاتب عبد الجبار حسن عيسى

 

القواعد الواثقة في الكتابة لمسرح الدمى : تعتمد الاساليب الحديثة في الكتابة لمسرح الدمى الذي هو فن مسرحي مبتكر وواحد من نصوص مسرح الطفل بشكله وموضوعاته الفنية والتربوية والتعليمية , وهو فن ابداعي يعتمد على اساسيات الفكرة والصورة التخيل والجانب الحركي والمؤثر الموسيقي والشكلي لعناصر مسرح الدمى الرئيسية ( الدمية ) . وينطلق هذا النوع عبر بديهيات وقواعد تبدأ من ومع امكانات وتصورات ومتخيلات الكاتب نفسه في استيعابه لمدركات واحتياجات الطفل ومدى ضرورة الكتابة لمسرحه ومتلمساً الخطوات الاولى الواثقة لعالمه الرحب الواقعي والتخيل واقتناص الومضة المشرقة في تسليط الضوء على حياة الطفل ومحيطه ومجتمعه وفضاءه المعاش المليء بالحركة والحياة وبالفوضى احياناً .وأتحدث في هذا الموضوع وأكتب ما أستطعت من تجربتي الطويلة في مجال مسرح الدمى والناجم عن معايشات على أرض الواقع سواء في الريف العراقي      ( الجنوبي ) أو في المدن داخل العراق وخارجه وخاصة في الاردن وتجربة المسرح هناك وتحديداً في مركز الاميرة هيا للطفولة بين عامي ( 99 ـ 2000 ) انتقالاً الى مسرح مدارس الاتحاد حتى عام 2003 . ومن نتائج تلك المعايشات وعلى أرض الواقع والتماس المباشر مع الاطفال لمختلف الاعمار لكني هنا سأتناول الفئة العمرية المحصورة بين ( 9 ـ 12 ) عام وهي مرحلة انتقال الطفل من عالم الخيال الى عالم الواقع ممزوجاً بأحاسيس الماضي لوعي وادراك الطفل وما ترسخ في ذهنه من شواهد وصور مسموعة أو مشاهدة أو مقروءة . فتجربتي انبعثت من الواقع اعتماداً على المسلمات الاتية :- 1- كوني معلماً او مربي ملماً بواقع الطفولة ورغبات الطفل وبمستوياته العقلية والجسمانية وقريباً منه في العملية التعليمية .2- البحث المتواصل في الزوايا الدقيقة من حياة الطفل ( الشارع , المدرسة , المحيط الاسري الذي يحتويه وفضاءات لعبه وادواته المفضلة في مجال حركته . 3- على الكاتب ان يتلمس طريقه باهتمام وحذر لمراعاة العوامل النفسية المشوقة للمشاهدة وكذلك المنفرة والطاردة لعوالم هذا الفن الذي يعتمد قواعد حسية ونفسية وتربوية غاية في الاهمية . 4- المشاركات الوجدانية التي تقرب الكاتب من عالم الطفل دون استخدام وسائل وأدوات الفرض أو التحكم الزائد في السلوك والرغبات الكامنة في دواخل نفسيته او تقييده . 5- أن يكون الاهتمام واضحاً في صنع الحبكة المسرحية المشوقة التي تلامس شغاف قلبه ومسالك روحه في الجذب وبناء العلائق المتوازنة بين الطفل وبين تنوع الدمية نفسها منفردة أو مجتمعة . 6- التقارب الروحي والنفسي بين الكاتب والمتلقي بخلق تواشج علائق نقية وتقارب حميمي يساعد في فهم المتلقي لما يقدم له من عروض . 7- وقد خلق واحداً من اساليبي في مجال مسرح الدمى هو تلك المداخلات النقاشية الشفافة بيني وبين الاطفال قبل او اثناء العرض المسرحي فأثمرت كما من الصور الابداعية المضافة منحت الطفل الثقة بأستيعاب الرؤى وفي فهم المطروح من الصور والافكار . 8- أختيار الاشخاص القريبة من محيط الطفل وانعكاسها على الواقع والعمل على تطويرها وازاحة غطاء الغموض والتوجس إزاءها من قبل الطفل . ويستحسن استخدام الشاشة الخلفية في عرض وتنوع الديكور إضافة للمجسم السينوغرافي الاساسي في ديكورات المسرحية وهذا ما تبلور لدي في عرض المسرحية المرافقة للبحث وعنوانها ( حلم الفضاء ) واعتماد القبة داخل فضاء العرض واطلاق كم من الكواكب السابحة في فضاء العرض المسرحي .إضافة للمهارة في المؤثرات البصرية والصورية حتى تخيل الطفل نفسه بأنه يسبح بين تلك الاجسام المتنوعة الحجم والالوان .وقد اثبت الدراسات السايكولوجية لتلك الفئة العمرية وهذا مالاحظته عن كثب تهربهم من الاعمال التي تعلو على مستواهم بينما نجدهم يثابرون على العمل اذا شعروا بقدرتهم على النجاح وعليه فعلى الكاتب تبسيط المادة الفكرية والتعليمية المقدمة وجعلها القريبة من نفسية الطفل .ولا يخفى عنا مجدداً ان لا نبتعد عن فهم وتقدير سيكولوجية الطفل المشاهد لما يعرض من أمامه وصنع التقارب الروحي والنفسي والتفاعلي بين كل الاطراف الصانعة لعرض الدمى والمبدعة فيه . وهذا مايراه ( جون جاك روسو ) الفيلسوف والمفكر الاجتماعي الفرنسي فيقول في هذا : الطفل ليس رجل مصغر انما هو طفل له عالمه الخاص وسلوكه وحياته الخاصة فهو لا يبلغ دور الرجل إلا تدريجيا بعد أن يمر بمراحل متدرجة ومتداخلة فيما بينهما (1) .

 

مسرح الدمى ودوره التربوي : يسهم مسرح الدمى اسهاماً واسعاً ومؤثراً في عملية التربية والتعليم وبعبارة اوسع هو عبارة عن إتحاد عناصر فنية إبداعية متأتية من فكر الكاتب وفعل وابداع المنفذين للعرض مسرح الدمى , هنا تمتزج وتتفاعل تلك العناصر وتتألف في الاهداف والمعاني لكونها تصب في بناء شخصية الطفل في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لأفكار وصياغات واتجاهات تبتعد عن التصادم والتباعد بل تقترب من النفوس والارواح ومن مسرح الطفل الحقيقي الهادف الخلاق وينسجم مع مرحلة البناء العمري للطفل بكل تفاصيله وأنواعه وتخيلاته وإنفعالاته . والاهداف النبيلة لمسرح الدمى لا تظهر على مرحلة واحدة من حياة الطفل بل تتعداها الى مراحل قادمة غاية في الاهمية وان لم تكن كذلك فحدوث شرخ نفسي حاد سيبعد الطفل ويرميه خارج الوعي الفكري والعقلي والتربوي الخلاق الذي يحلم به . إذن مسرح الدمى وهو جزء لا يتجزأ من (مسرح الطفل) يمكن ان يطلق عليه بـ ( الدواء الشافي ) لأكثر أمراض العصر الشخصية والعلل الاجتماعية الاخذة بالتوسع وبالزيادة في مجتمعاتنا اليوم . كما وأن للدمية المصنعة بحد ذاتها تأثير في تلون وتغير وتفاعل نفسية الطفل مع حجمها المتحرك وشكلها المألوف إن كانت حاضرة في عمل مسرحي قريب لبيئة الطفل , اضافة الى إنها عامل مساعد يشجع الطفل على التفاعل مع كل ماهو مطروح على خشبة المشاهدة من أفكار ومعارف وارشادات واغان هادفة تحاكي الاطفال واحاسيسهم عن طريق الفكرة وحبكة العمل المسرحي ومشوقاته , على ان تكون مثل تلك العروض ذات أساليب تعليمية حقيقيه وتربوية هادفة وذات وقع نفسي سريع على نفسية وقلب الطفل . وكما يجب أن نراعي الظروف المحيطة بالطفل مثل , الحروب , والامراض , إضافة لتأثير الجوانب السياسية ومتغيراتها في مجالات الاضطرابات والاحتجاجات كالمتغيرات التي جرت مثلاً في بعض دولنا العربية والتي انعكست جوانب منها كثيرة ( سلباً ) على نفوس الاطفال . فهاجر البعض منهم واغلق البعض الاخر أبوابهم ونوافذهم تحسباً لكل طاريء , فهجر قسم كبير من الاطفال مدارسهم , ولزم قسم كبير منهم الشوارع او الساحات والاسواق ليتحولوا إلى باعة إن لم تكن منهم من راح يستجدي المساعدة من أجل لقمة العيش . وفي سبيل لملمة شمل الاطفال وإعادة بناء ما خسروه من مشاعر وأحلام وأحاسيس , فاءن لمسرح الدمى سحراً لو استخدم استخداماً أمثل في اعادتهم الى جادة الصوب واعادة بناء بيت الطمأنينة والامان لهم عن طريق اقامة العروض المشوقة الهادفة لجذبهم في الساحات والمتنزهات والحارات والمدارس وحتى إذا تطلب الامر ان تقوم الدمية نفسها بأن تكون هي المعلمة وهي الام وهي المرشدة والراوية للتخفيف عن كاهلهم الذي أرهقه التعب والجوع والحرمان وأثقلته الهموم والصدمات . وفي مسرح الدمى أرى أن لا وجود للأختبارات والتجريب بل للتفعيل والاشتغال على عنصر المباغتة في الدخول الى العرض المسرحي الشامل دون مقدمات , وهذا ما فعلته في أهوار جنوب العراق لأبناء فلاحين وصيادي سمك لم يروا كهذا العرض من قبل وكان التفاعل والاستئناس الحافز المؤثر في بناء قواعد الثقة بين الدمية والمتلقي وإعادة نسيج خيوط التآلف والمعايشة لبناء العلاقة الجديدة بين الضيف القادم والمتلقي المنسي المركون في زاويا العالم المتخم بالقهر والجهل والفقر والحرمان من أبسط مقومات وسائل الاعلام التوعوية والتعليمية والتربوية .وكذلك كانت تجربتي الاوسع في الاردن ـ ومركز الاميرة هيا للطفولة في عمل خلطة صورية فكرية وتناول مواضيع وأفكار وحكايا لعبت في يوم ما في مخيلة الطفل وداخل نسيجه العقلي والنفسي والروحي فكانت الاقرب لمتابعته واهتماماته . ان الكاتب المتخصص في مسرح الدمى تحديداً يسعى جاهداً من خلال خبرته ومن تجارب سابقة الى التلوين والتغيير في تناول الافكار والتوجهات والعروض التي تلاقي تفاعلاً حميماً بين العرض المسرحي والمتلقي ( الطفل ) فثمة ضوابط رسمتها وجعلتها نصب عيني في تقديم العشرات من النصوص المسرحي في مجال الدمى , فسعيت لتقديم :-1- الحكايا التاريخية التي لها عناصر جذب للطفل من نواحي عديدة منها ( الشخصيات الخفيفة الدم والحكيمة والساعية للخير ونبذ الشر) بعيداً عن لغة التعقيد قريباً من البساطة في سياقات الحوار وقياسات الزمن ومنح الطفل فسحة من الاسهام في المشاركة والرد على أسئلة الدمى المتحدثة معه والاستمتاع برأيه وبيان الرأي مهما كان بسيطاً عفوياً .2- الانشداد مع الانتباه لتأثير (الزي والالوان والمؤثرات البصرية والموسيقى والديكورات المتغيرة ) التي من شأنها إبعاد الملل والرتابة . 3- مسرحيات الخيال العلمي والسفر بعيدا في الفضاء مع الطيور والكواكب والمركبات العلمية لزرع الجانب العلمي في نفوس الاطفال مبكراً في مراحل نشوئهم ودراستهم . 4- نصوص ارشادية تعليمية تناولت التعامل اليومي مع ( البيئة ـ شرطي المرور ـ المدرسة ـ عامل النظافة ـ والتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة , وغيرها من الشخصيات المجتمعية ) 5- مسرحيات السفر والترحال عبر قطارات الزمن لاستكشاف مدن العلم والمعارف والنور عبر محطات تشجع الطفل على الاسهام في الحلول وبيان الرأي في الرد على الاسئلة التي تنقل المسافر الى بوابات عدة معرفية وهكذا كان الفوز المعرفي عنواناً للنجاح في الحياة والحصول على الثمرة العلمية ( كما في مسرحيتي : رحلة سرور لبلاد والنور والمفتاح ) . 6- اتبعت وفي عدة نصوص أساليب الدمج بين الدمى والممثل القائد وكيفية الانسجام بينهما والتفاعل المعرضي وفي طابع كوميدي هادف وممتع . كل ذلك كان يتحرك بأتجاه حواس الطفل النفسية وبطرق عروض مشوقة تعتمد البساطة والشفافية والنقلات السريعة بين حدث وآخر أمتع تأثيراً . 7- قيامي بصياغة وارشادات مبسطة تسبق العرض المسرحي تتجاذب فيها الاسئلة بين الكاتب والاطفال واستدراجهم لصلب الفكرة المطلوبة للدخول من أبواب التشويق صوب بيانات العرض المسرحي وبأنسجام واضح أوصلنا الى سماع آرائهم وأفكارهم وأحلامهم وفي ايجاد بدائل لحلول ورؤى أدت لتفاعل جماعي مدهش . وتلك التجربة الطويلة داخل بلدي العراق وخارجه ونتيجة المشاركات المحلية والعربية وتنقلي بين مؤسسة واخرى دفعني عام 1999 الى وضع دراسة تفصيلية حملت عنوان   ( استخدام الدمى في الاساليب التعليمية الحديثة ) مرحلة رياض الاطفال وقد نالت الدراسة رغبة إحدى المؤسسات التي تعني بالطفولة في السعودية ولم يتم الاتفاق , وطلبتني وزارة التربية في العراق لتبينه بأصدار اداري عام 2013 ولم ينفذ لاسباب مادية لان فيه آليات دقيقه لتطبيقه وبدورات تشمل عموم البلد .ومازلت أتواصل بعد عمر طويل وجهد متواضع لخدمة الطفولة واسهاماتي الاخيرة كعضو استشاري في اللجنة العليا لتخريج ( ألف كتاب مسرحي للطفل ـ خلال اعوام عشرة) ( لحساب دار رعاية الطفولة في كربلاء ) وقد تخرج من الدورة التي أشرفت على تدريسها في بغداد (13) شاباً كاتباً من مجموع (45) متدرب نصفهم طلاب قسم الفنون المسرحية والقسم الفني في كلية الفنون الجميلة . الرغبة في الكتابة للطفل لكل ماهو جديد ونافع ومتطور يواكب العصر والظروف العصيبة التي تعصف بكوكبنا للحفاظ على منهجية رسالتنا ككتاب لتحقيق حلم الطفولة الشامل واسعاده والاخذ بيده اعلاءاً لراية المعرفة والعلمية الصادقة الشاملة في وطننا العربي وتحقيق الاهداف النبيلة من خلال استخدام الدمى في بناء أجيال قادرة على العطاء والتفاعل والتعاون فيما بينهما خدمة لأدب الطفولة . 

 

 

المشـاهدات 115   تاريخ الإضافـة 12/03/2024   رقم المحتوى 41612
أضف تقييـم