الجمعة 2024/5/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
عواصف رعدية
بغداد 23.95 مئويـة
سماح البوسيفي.. قصيدة تتسكّع في دمي
سماح البوسيفي.. قصيدة تتسكّع في دمي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناصر أبوعون

سماح البوسيفي جذع يهزّ مخاض الكتابة، فتصّاعد رُطب قلبها لتحتضن عراجين الكلام المباح، وحبرٌ يذخّر الأقلام بخراطيش الشعر، فتخرج النصوص منثورة من فوهة القلم، لتعيد رسم خرائط اللغة، وتنسف القواعد المرقومة والمتوارثة، وتزيل الأسلاك الشائكة بين التفاعيل المرصوصة –عمدًا- لتشي بوهم التجديد؛ - لقد فطنت هذه "السماح" أنّ هذا التأطير وتلك القولبة جريمة يرتكبها المتشاعرون –مع سبق الخداع المؤدلج، والتَّرصد الممنهج- حينما يعمدون إلى بعثرة "تفاعيل الخليل الفراهيدي" المنتظمة في بحر واحد على بياض الورق- "فسحروا أعين" والتخييل للإيهام بأنّ هذا تجديد على مستوى الشكل ويخادعون القاريء "وما يخدعون إلى أنفسهم" غير آبهين أن هذه جناية كبرى على الأدب وتُعاقِب عليها قوانين محكمة الإبداع. [القصيدة لن تكفينا لنأكل ونتحدث ونموت/سأهرب" للتخييل"/ماضيا في الفكرة/ثم واقفا/قد أموت هكذا، نعم هكذا: سطرا في حكاية/ أو توهما لفكرة/آسفة أيها العالم!/هنا الشاعر/هذا أنا].

أمّا التونسية سماح؛ فتمامًا مثل حبيبتي يسّاقط الحُب/الشعر من أكمامها متضوعا برائحة القلق من الوقوع في فخّ الرتابة، والسقوط في جُبّ التكرار الذي لن تحوم حوله "السَّيارة"، ولن يرسلوا "واردهم" ليدلي دلو التجديد، وينقذ النصّ من عتمة الاعتياد، وظلمة الوهم بالإبداع. فحين تكتب سماح تتناثر الحروف نُجيمات مشعشعة في ظاهرها تبدو كبقع ضوء فوضى مرشوشة على لوحة السماء، وتطل على الدنيا وتتفرّج على مآسينا غير آبهة، أما في باطنها فهي نظام صارم، وقواعد غير مرئية، وكتيّب تعليمات مبرمج لا يعطي أسراره وتعليمات التشغيل من الوهلة الأولى.[لا تمت قبلي أيها النص/ اكتبْ في هامش من الورقة/ موعدا بعيدا لإقامة مأتم/ولنتحدث مطولا/ عن البكاء خارج الشتاء/ ولنخرجه من الخزانات/ للدموع  أيضا طعم الورق... لنقل "هذا نص"/ ولننشغل عنه/ باللغة ترتب شِعرهَا في شَعري/موتا أبيض/ دون أن تتلفظ اسمي/ واسعا أوعريضا/للكذب أيضا مواقفه/ النبيلة/ كأن ينشغل بالنص].

سماح البوسيفيّ تخربش مواجيدها بأظافر صناعية على لحم الكلام، وتسطّر الوجع ترانيم كنسيّة تذرف الدموع فرحا على مذبح البلاغة الجديدة؛ وتستولد صورًا شعرية - وإن كانت غير متطابقة شكلا -، إلا أنها تتفاعل تحت سطح نصوص الذي تبدو – في ظاهرها- باردةً وناعمة تماما كقميص من الدانتيل الفضيّ تلتحف به حجرة الانشطار في مفاعل نوويّ؛ بينما -في باطنها- بحر هادر من سقر تتلاطم بين شطآنه موجات من الجحيم المستعر تكاد عناصره التكوينية الخفيّة "تتميّز من الغيظ" لتصنع شخصيّة إبداعيةً لها من الفرادة، والغرائبية، والجماليّة داخل المشهد الشعريّ العربيّ بوجه عام، وفي المشهد التونسيّ على وجه الخصوص.[لم يعد بوسعي أن أموت/ فكرت في طرق عديدة لموتي/قتلت اليوم بعوضة تسري في خيالي/ فاستفحلت في دمي/فكرةْ عظيمة.. / تتمشى الفكرة في رأسي كبيرة/ فأخرج من فوهة في بداية الفكرة، وأنفجر...].

نصوص هذه الفتاة التونسية المتمردة في حقيقتها عِقْدٌ مصنوع على عينها من الصور الشعرية المنسوجة بإبرة الألم، وطقس خاص من الموسيقى، تتطاير في فضائه "كونشيرتات" تسبح في سديم اللغة، و"صوناتا" تسّاقط على نوتة موسيقية، فتكسر عصا الرتابة في يد المايسترو التي سكنت بين سبَّابة الهمس وإبهام الصَّخب، واستوطنت درجات السّلّم الموسيقي؛ لتمحو الحدود الواهمة بين الأجناس الإبداعية، وتعيد كتابة الشعر بعدسة الكاميرا، وتقطيع النصوص على طريقة المونتاج السينمائيّ، وتوظيف تقنية الراديو(مسرح العقل)، على قماشة واسعة من الحرية المسؤولة غير المطلقة.[لتعرف حجم الألم/ اكتبْ قصيدة/ ودعها تتسكع في دمك /حمراء ربما تغرق.../ اللون الأحمر/ اسأله عن تكاليف الإضاءة/ دم أم حب/ ولن يكتفي بالإجابة/ سيتحدث عن الوقوع/ في كأس حليب/ سأسميه رابط حب/ ولنتحدث .....].

وفي الأخير لن أزعم أنني أعرف – وهو زعم مشكوك في صحته -"سماح البوسيفي" بنت تونس الخضراء منذ كانت تحبو في الأرض اليباب خارج قارة الشعر، ومنذ لحظة الولادة الحائرة على مفترق الطرق بين القصيدة والشعر طالعتُ كتاب براءتها وتصفحّتُ تُرهات أبجديتها البكر، وعيشتُ شخباطاتها على جسد الفضاء الأزرق، "حتى إذا أتت على وادِ"الشعر" أدخلتها معامل التجريب قبل أن تستولد النصّ الأول. [لنتحدث عن الكتابة/ بتكاليف قليلة/ الباب الأول لا تتمشى في القصيد وحيدا/ قد تصاب بنزلة حب/ باب آخر اخرجْ من ممر خلفي في أول القصيد/ والبسْ معطفا شتويا/ وقفازات من حديد.../وبابا أخيرا أغلقه/ ولنقلْ هذا شعر أكيد....]

المشـاهدات 86   تاريخ الإضافـة 23/03/2024   رقم المحتوى 42414
أضف تقييـم