الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 19.95 مئويـة
على ورق الورد موسيقى الطبيعة وتأثيرها في النفس منذر عبد الحر
على ورق الورد موسيقى الطبيعة وتأثيرها في النفس منذر عبد الحر
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

        ليس هناك أبهى وأكثر تأثيرا ً من تحليق الروح بأجنحة الموسيقى , هذا التحليق الذي ينقل النفس إلى أجواء مدهشة من الحلم , وتتجلى فيه قدرة الإنسان على الإفصاح عن توقه للتحرر من كل قيود الحياة المادية , التي تحرّك انفعالاته باتجاه القسوة من العوامل المحيطة بكلّ شيء فينا ...

 

        الموسيقى , ليس عزفا ً على آلات ٍ حسب , وليست كلمات تترنم بها حنجرة عذبة الصوت , تموّج الكلمة وتحملها على طيف ٍ من أداء   , فالموسيقى في طبيعة الأشياء , وإيقاعها المنعكس على تحوّلات الروح , لذلك فهي ليست بحاجة لترجمتها والتعبير عنها بكلمات في أكثر الأحيان , بل هي المؤثر الذي تتداعى فيه ذواتنا فتستجيب لنغمة سريّة ربّما علقت على أهداب شجرة , أو أغصان معنى , ومعذرة للقاريء العزيز على هذه الإستعارات اللغوية المقصودة , فهي نافذة أولى لفكرة إحساسنا العالي بموسيقى الأشياء , وتأثيرها علينا , سلوكا ً ورؤية ً ومسار حياة أيضا ً , فالذي يتعاطى الموسيقى , وكما أسلفت ُ ليس بالمعنى التقليدي للموسيقى , يتميز بنسق خاص في مفردات يومه , وحساسيّة عالية تجاه كلّ الظروف ...

 

        تحت هذا التصوّر , ألجأ في الكثير من الأحيان , إلى الموسيقى الكلاسيكية , من خلال الاستماع إلى سمفونيات المشاهير , وإلى أبرز المقطوعات العالمية التي خلدت في أذهاننا , وقد كانت في أيّام بثّها تمثّل ظاهرة فنيّة واجتماعية أيضا ً , حين كانت الثقافة , ميّالة للتأمل , وكان المثقف , كائنا ً يتعاطى الثقافة بوصفها سلوكاً بشريّاً رفيعا ً , وأداء ً إنسانيّا ً بليغا ً , تكون عودتي للموسيقى , عودة كيان كامل , أعود سنوات , كما أنتقل إلى مكان , سرعان ما ترسمه نبضات الموسيقى وتحرّكات أوتارها , وكأنها سحر ٌ يحملني على بساط سحريّ , فأجدني بين أشجار حقل ٍ عرفته , بكامل غصونه , وثماره , وقبل كلّ ذلك زهوره , وهذه العودة دائما ما تقترن بالوجع الجميل , والألم الذي ينتج رؤية إنسانيّة عميقة ً , تراني متفاعلا ً معها , مسحورا ً بها , وكأنني تحت تأثير عقار ٍ طبيّ , مخدّر , أو مهدئ , هكذا تكون عودتي عند إصغائي لأثر ٍ فنيّ عميق , وأعيد هنا ليس بالضرورة أن تكون الموسيقى عزفا ً , فهناك موسيقى اللوحة وموسيقى الشعر وموسيقى المسرح والسينما وكل الفنون , فهي تؤثر تأثيرا ً حيويّا مباشرا ً على أعماق الإنسان .

 

        يقول أحد المشاهير " أتمنى أن يصل تأثير الشعر إلى مستوى تأثير الموسيقى" , فالتأثير الموسيقي , حيّ , سريع , فيه سرّ الروح ونشوة القلب , وقد قلت ُ مرة لأحد الأصدقاء حين سألني عن رأيي بالموسيقى , إنني عاشق ٌ لها , حد أنني حين أهمّ باتخاذ قرار مهم وحيويّ وجرئ وحاسم في حياتي , فإنني ألجأ لسماع الموسيقى قبل أن أتخذ القرار , لأن الموسيقى تمنحني مساحة من التأمل , والاسترخاء الروحي العميق والهدوء , وبالتالي التجلي , الذي يؤدي إلى إعطاء القرار الدقيق , غير المتعجّل , هكذا أنا , ولا أعرف إن كان غيري , يسعى لهذا الخيار أم لديه سبل أخرى , فلا بديل عندي في صعود شمس صباحي سوى الإصغاء لهمسات فيروز , فأنطلق معها إلى فضاء من الأمل , ناسيا ً كل مصدّات الكونكريت التي تمثل واقعنا القاسي , متفائلا ً بالإنسانية العظيمة , التي تحقق في الموسيقى حقولا ً من المحبة والتراحم والسلام .

 

 

المشـاهدات 97   تاريخ الإضافـة 31/03/2024   رقم المحتوى 43002
أضف تقييـم