الثلاثاء 2024/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
رحلة ربانية في رحاب أسماء الله
رحلة ربانية في رحاب أسماء الله
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الحلقة الثالثة

 اسم الله الحميد

د. محمد فتحي عبد العال

 

من اسماء الله الحسنى "الحميد" على   وزن فعيل ( صيغة مبالغة ) ويعني الذي تنطق بحمده جميع المخلوقات في السماوات والأرض بما أوْلاهم من نِعَمِه، وبَسَطَ لهم مِنْ فَضله وبصنَائعه الحميدة إليهم .

ورد الأسم في القران سبع عشرة مرة منها :قوله تعالى في سورة البقرة : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)) وقوله تعالى في سورة الحج : ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)) ومنها قوله تعالى في سورة فاطر : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)) ومنها قوله تعالى في سورة فصلت : ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)).ومنها قوله في سورة الشوري : ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) ) ومنها قوله تعالى في سورة لقمان : (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26)).

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قالَ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَوَاتِ ومِلْءُ الأرْضِ، وما بيْنَهُمَا، ومِلْءُ ما شِئْتَ مِن شيءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ والْمَجْدِ، لا مَانِعَ لِما أعْطَيْتَ، ولَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ، ولَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ.[وفي رواية] عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى قَوْلِهِ ومِلْءُ ما شِئْتَ مِن شيءٍ بَعْدُ ولَمْ يَذْكُرْ ما بَعْدَهُ).

وهذا يقودنا إلى الفرق بين الحمد والشكر فبعض العلماء يرون أن الحمد والشكر بمعنى واحد بينما يرى آخرون أن ثمة تفرقة بينهما فالحمد باللسان أي قولا  بينما الشكر باللسان  اعترافا وبالقلب خضوعا  وبالجوارح طاعة وانقيادا أي قولا وفعلا ونية لذا  فالشكر في هذه الحالة أعم موردا ..والحمد  يكون في مقابل النعمة وغيرها بينما الشكر  يكون في مقابل النعمة وحدها وعليه ففي هذه الحالة الحمد أعم متعلَّقًا.وفي ذلك يقول الشاعر : "أفادتكم النّعماء منّى ثلاثة ... يدى ولسانى والضّمير المحجّبا ".

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حمد الله لإسلام الصحابي خالد بن الوليد  فقد ذكر الواقدي في المغازي عن  خالد بن الوليد عند دخوله على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" فأسرعت المشي فطلعت عليه -أي على النبي صلى الله عليه وسلم - فما زال يبتسم إلي حتى وقفت عليه وسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال: الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى الخير، قلت: يا رسول الله قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا عن الحق، فادع الله أن يغفرها لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام يجب ما كان قبله، قلت: يا رسول الله على ذلك، فقال: اللهم اغفر لخالد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيلك".

ومن فضائل اسم الحميد  أن  نحمد الله في السراء والضراء وفي كل الأحوال على عظيم نعمه ومهما بلغنا من سلطة أو مناصب فنحن الفقراء إلى الله دوما..قال تعالى في سورة فاطر : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) ) ويورد "أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام الطَّبَرِي " في كتابه "تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك " : "دخل ابن السَّماك على الرشيد ( أبُو جَعْفَر هارُون الرَّشِيد بن مُحَمَّد المِهْديّ بن عَبدِ الله المَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَلِيُّ بن عَبدِ الله بن العَبَّاس الهاشِميُّ القُرَشيُّ)   يومًا، فبينا هو عنده إذ استسقى ماء، فأُتِي بِقُلَّة من ماء، فلما أهوى بها إلى فِيِهِ ليشربها، قال له ابن السَّماك: على رِسْلك يا أمير المؤمنين: بقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو مُنِعَت هذه الشَّرْبة، بكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب هنَّأَك الله، فلما شربها، قال له: أسألك بقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو مُنْعِتَ خروجها من بدنك، بماذا كنت تشتريها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السَّماك: إن ملكًا قيمته شربة ماء لجدير إلا يُنَافس فيه، فبكى هارون، وأشار الفضل بن الربيع إلى ابن السَّماك بالانصراف فانصرف".

وأن نتيقن أن اختيارات الله لنا فيها حكمة ففي صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي قال:  قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).

كما جعل الله من كثرة الحمد والتسبيح والتكبير سببا لمغفرة المعاصي والذنوب مهما بلغت ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ( مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).

د.محمد فتحي عبد العال

كاتب وباحث وروائي مصري

المشـاهدات 94   تاريخ الإضافـة 17/04/2024   رقم المحتوى 43873
أضف تقييـم