النـص : إن متابعة الأحداث و التعامل مع الواقع و السعي لإيجاد الحلول التي يتطلبها الواقع القائم، أمور لا بد أن تدخل في صلب اهتمامات العمل السياسي و الوطني، لا سيما حين تكون الأوضاع و الأحداث ذات طابع استثنائي و خارج إطار النسق الطبيعي لها، كما هو الحال في العراق منذ الاحتلال الأمريكي و الى الآن. و لكن من الخطأ أن يستغرق الجهد السياسي و الوطني في التعامل مع الواقع و في دوامة حركة الأحداث المزدحمة فيه، لا سيما في الظروف الاستثنائية التي أشرنا اليها، فالسياق الصحيح أن يسير العمل السياسي و الوطني في مسارين رئيسين متزامنين : - الأول : التعامل مع الواقع القائم و ما يتطلبه من معالجات مرحلية و تعاطٍ آنيّ. الثاني : التحرك على إيجاد واقع جديد و بناء المستقبل وفق المتطلبات الأساسية و الإستراتيجية للبلد و الشعب. و يبدأ ذلك من وضع الخطة الناضجة المتكاملة، ثم تهيئة مستلزمات تنفيذها، ثم العمل على ترجمتها على الأرض. من الملاحظ أن النصيب الأكبر من الجهد السياسي و الوطني، كان للمسار الأول، في الوقت الذي عملت فيه قوى السلطة على تأصيل الواقع الذي أفرزه الاحتلال و تجذير وجودها و العمل خطوة فخطوة على تنفيذ مخططاتها الشاملة للحاضر و المستقبل. أعتقد أن على النخب السياسية و الوطنية المدنية المخلصة، أن تتحرك على المسار الثاني وفق أهداف واضحة و خطة مبرمجة مزمّنة. إن واحدة من أهم المفردات التي يجب التحرك عليها، هي التأسيس لحياة سياسية سليمة، و استقطاب طاقات مختلف الشرائح، و استيعابها لا سيما الشابة، و كسب الشارع بالحصول على ثقة الجمهور، و يستدعي ذلك بلورة طبقة سياسية وطنية مدنية مخلصة و كفوءة تسد الفراغ الكبير الموجود.كذلك، إن مستقبل العراق يحتاج الى الكوادر المتخصصة التي تتميز بالكفاءة و التزاهة و التفاني في المصلحة العامة ، لتشغل الوزارات و الإدارات و المؤسسات الحكومية. أضف الى ذلك، يحتاج بناء المستقبل الى تغذية العقل المجتمعي، بالثقافة المدنية الراقية، و تربية السلوك على القيم الإنسانية و الروحية المنفتحة على ثقافات الأمم و معطيات التطور الحضاري، و الارتقاء بشخصيتنا الثقافية و الاجتماعية، و دورنا الحضاري في المجتمع البشري . نحتاج كذلك الى إعلام هادف مقتدر يوصل رسالتنا و يعكس مشروعنا المدني، و يدمج المواطنين في هذا المشروع ليتحركوا في آفاقه و مساراته. ما أكثر العناوين و الكتل التي تضج بها الساحة العراقية، و لكنها في غالبها أقرب الى التجمعات منها الى الحزب السياسي بالمعنى المدرسي الحديث، و لهذا لن تكون قادرة على بناء المستقبل و التأسيس له. إن نخبنا السياسية و الثقافية المدنية، مدعوة الى التفكير بعمق و تنضيج مشروع يلبي حاجة المسار الثاني.
|