الأحد 2024/5/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
الكبرياء وعزة النفس في الشعر العربي
الكبرياء وعزة النفس في الشعر العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

          سامي ندا جاسم الدوري

الكبرياء هو اعتزاز المرء بنفسه، وكرامته، وعدم الرضا لها بالهوان، والمهانة، والذل مهما كان، وهناك نسب متفاوتة بين الشخص، والآخر في شدة الكبرياء ويرجع هذا الأمر إلى البيئة والتربية، وكيفية نظر الشخص فى ذلك الأمر، ويُعرف الشعراء باعتزازهم بنفسهم لذلك يُكثر الشعراء في كتابة قصائدهم عن الكبرياء وعزة النفس .لا يهنأ الكريم بحياة الذل ولو كان يرفل في الحرير وينعم بأطايب الطعام وموفور المال، لأن نفس الكريم يمرضها الذل مرضاً شديداً فتعاف كل ما حولها وتحب معزة النفس ولو على الشظف . قال المتنبي /

ذل من يغبط الذليل بعيش

        رب عيش خير منه الحمام

اما الغرور والتكبر فأنه من الصفات السيئة التي تجعل الإنسان شخص مكروه ممن حوله ولا يرغب الجميع في التعامل معه ولا الاختلاط به بخلاف عزة النفس التي لابد أن تتوافر في الإنسان حفاظًا على نفسه وعلى كرامته، قال عنترة بن شداد /

لا تسقني ماء الحياة بذلة

    بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

ماء الحياة بذلة كجهنم

       وجهنم بالعز أطيب منزل

فالغرور صفة من صفات الجهلاء الذين يشعرون بالنقص فيتعالون على الخلق من أجل إثبات أنهم الأفضل، على الرغم من أن الحقيقة عكس ذلك، وعزة النفس هي على خلاف ذلك فهي احترام الذات وتقديرها . قال الشاعر /

 فَما يَنفَعُ الأُسدَ الحَياءُ مِنَ الطَوى

            وَلا تُتَّقى حَتّى تَكونَ ضَوارِيا

حَبَبتُكَ قَلبي قَبلَ حُبِّكَ مَن نَأى

          وَقَد كانَ غَدّارًا فَكُن أَنتَ وافِيا

 وَأَعلَمُ أَنَّ البَينَ يُشكيكَ بَعدَهُ

       فَلَستَ فُؤادي إِن رَأَيتُكَ شاكِيا

فَإِنَّ دُموعَ العَينِ غُدرٌ بِرَبِّها

           إِذا كُنَّ إِثرَ الغادِرينَ جَوارِيا

وعزة النفس ھي أن تأخذ أقل مما تحتاج. لو كـان الكبریاء یوزن لكان اصحاب الكبرياء وعزة النفس أثقل الرجال على وجه الأرض ولكن الكبریاء في النُفوس. خذ من الصقر ثلاثاً: بُعد النظر وعزة النفس والحریة. وعزة النفس تجعل الانسان يعشق  الكبرياء لأنه لم يخلق ليركع إلا لرب العباد .قال القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني/

أَرى النَّاسَ من دَاناهمُ هانَ عِندهمْ

      ومَن أَكــــرَمَتهُ عِزَّةُ النّفـــسِ أُكرمَا

يقولونَ لي فيكَ انْقبَاضٌ وإِنَّـــــما

     رأَوا رَجلاً عَن مَوقفِ الذُّل أَحجمـا

أوَ ما كلُّ بَرْقٍ لاحَ لي يَستَفزنــي

     ولا كلُّ من لاقَيتُ أَرضاهُ مُنعــــمَا

وَإِنِّي إذاما فَاتَنِي الأَمْرُ لَمْ أَبِــتْ

   أُقَلِّـبُ كَفِّـــي إِثْــــــــــــرَهُ مُتـــنَدمَا

والتكبر هو أن ينظر الإنسان الى نفسه بسبب جاه أو علم أو مال ويكبرها ، ويسعى ان يكبر شخصيته في أنظار الأخرين ، لكن رغم هذا يبقى الكبر عواقب وخيمة ، في الدنيا وفي الأخرة ، في الدنيا يخسر من حولة مع الزمان ، وفي الأخرة لا يدخل الجنة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ) . وقال المتنبي في عزة النفس /

ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ

      وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ

لا يَخْدَعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ

       وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ

لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى

        حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ

وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ

          ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ

وَالذّلّ يُظْهِرُ في الذّليلِ مَوَدّة

           وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ

والعرب بالذات من أشد الأمم اعتزازاً بأنفسهم وصوناً لكرامتهم، وكراهية للذل فهم لا يصبرون عليه أبداً.. قال الشاعر /

ولا يقيم على خسف يراد به

        إلا الاذلان عير الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته

          وذا يشج فلا يرثى له أحد

يُعتبر المتنبي من أعظم الشعراء الذين كتبوا في الكبرياء وذلك في قصائد عديدة قال /

كَم قَتيلٍ كَما قُتِلتُ شَهيدِ

    بِبَياضِ الطُلى وَوَردِ الخُدودِ

وَعُيونِ المَها وَلا كَعُيونٍ

          فَتَكَت بِالمُتَيَّمِ المَعمودِ

عَمرَكَ اللَهُ هَل رَأَيتَ بُدوراً

        طَلَعَت في بَراقِعٍ وَعُقودِ

رامِياتٍ بِأَسهُمٍ ريشُها الهُدب

      تَشُقُّ القُلوبُ قَبلَ الجُلودِ

والعز من الله عز وجل، هو الذي يعز العباد او يذلهم حسب ما إرتكبوا، فكلما حسن عمل المرء وطابت نيته أعزه الله وأبعده عن الذل الذي يقتل نفس الكريم، قال أبو فراس الحمداني /

ومن لم يوق الله فهو ممزق

          ومن لم يعز الله فهو ذليل

ومن لم يرده الله في الأمر كله

          فليس لمخلوق اليه سبيل

وأكثر من يلقون الاذلال والإهانة هم الفساق الفجرة والوقحون والسفهاء، فإن من لا يحترم نفسه لا يحترمه أحد، ومن لا يكرم نفسه فليبشر بالهوان /

ومن هاب الرجال تهيبوه

    ومن حقر الرجال فلن يهابا

ويعبر الشعراء بشعرهم عن عزة النفس وعن الكرامة وعدم الرضا بالتقليل من شأن النفس، وتعتبر عزة النفس من المبادئ الجميلة التي قد يتحلى بها الشخص . قال البرعي /

عظيمٌ إنْ تواضعَ عنْ علوٍ

       كبيرٌ ليسَ يرضى الكبرياءَ

ويُنظَر إلى عزة النفس كواحدة من أهم الصفات التي يمكن للإنسان أن يتحلى بها بل ويتميز بفضلها عن غيره ، وتُعَدُّ عزة النفس من المبادئ الإنسانية النبيلة التي يجب على كل فردٍ منَّا التمتع بها، ويُقصَد بها ترفُّع الإنسان عن جميع المَواطن والأمور التي تُقلل من قيمته، وقيمة ذاته، والابتعاد عن كل شيء لا يليق بنفسه الكريمة، كما أنَّها تعبِّر عن تقدير المرء لنفسه واحترامها. وعلاوة على ذلك، عزة النفس من الصفات التي يتحلى بها العظماء وأصحاب المبادئ، الذين لا يقبلون العيش إلا بكرامةٍ وكبرياء بين الناس، ويموتون لتحقيق ذلك، فلا تعني عزة النفس الغرور والتكبر بل على العكس تماماً، فهي السمو والترفع، والكرامة والتواضع، وعدم القبول بالإهانة، ومن الجدير بالذكر أيضاً، أنَّ عزة النفس تُعَدُّ بوابة المبادئ الإنسانية وعمودها الوحيد الذي تندرج تحته بقية المبادئ الأخرى .قال المتنبي في الكبرياء /

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي

    وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا

     وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِدا

حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ

إنَّ عزة النفس عكس الوضاعة، والتي تُعَدُّ من أسوأ الصفات التي يمكن أن يتصف بها الإنسان؛ حيث يجب على المرء دائماً أن يتصف بالعزة والكرامة، ولا يقبل بالذل والإهانة. وتُعَدُّ من أجمل الصفات التي يمكن أن يتصف بها المرء، فهي تبعده عن مواطئ الذل وكل ما يمكن أن يُقلل من شأنه بين الناس.وتجلب عزة النفس المحبة؛ إذ إنَّ من يتصف بعزة النفس يكن محبوباً بين الناس، وذا مكانةٍ رفيعةٍ عالية، والجميع يحب أن يتعامل معه.قال الشاعر محمد ابراهيم الحريري في قصيدته ضد الإذلال والإنهزامية والخيانة في قصيدته كل قيم ومباديء العربي الأصيل /

هل يستوي قلـمٌ يجـري بـه الشـرفُ

  وجاهلٌ عن سطـورِ الطهـر ينحـرفُ؟

أم كفَّتـا زمنـي إحداهُـمـا رجـحـتْ

 للطين فانسـلَّ مـن عقديهمـا الخـزفُ؟

لـم يرتكـبْ قلـمـي بـابـا تَلَمَّـسُـهُ

  غيري،ولا غُلِّقَتْ فـي وَجْهِـهِ الغـرف

ما بعتُ في مَعرِض ِ الأصوات حنجرتـي

    يومـا، ولا نغمـي والسـربَ يختـلـفُ

لابـد للخضـر مـن بحـر يعـود بـه

  كي يرفع الكنز عن أبصار مـن عرفـوا

وتمنح عزة النفس صاحبها الوقار، وكيفية التصرف في المواقف المختلفة، ومحاسبة نفسه على سلوكاته وأفعاله في كل وقت، مهما كانت ظروف الحياة قاسية ومريرة.وتجعل عزة النفس صاحبها يطلب ما يريد برفعةٍ دون أن يُذِلَّ نفسه ويهينها. قال ابو الحسن الجرجاني /

يقولون لي فيك انقباضٌ وإنما

رأوا رجلاً عن موقفِ الذلِّ أحجما

أرى الناسَ من داناهُمُ هان عندهم

    ومن أكرَمته عزةُ النفسِ أكرِما

ولم أقضِ حَقَّ العلمِ إن كان كُلَّمَا

        بدا طَمَعٌ صَيَّرتُه لي سُلَّما

وما زلتُ مُنحازاً بعرضيَ جانباً

من الذلِّ أعتدُّ الصيانةَ مَغنما

إن عزة النفس مهمة جداً وبدونها يفقد الإنسان الكثير من شخصيته عند التعامل مع الناس من حوله خصوصاً في معركة الحب التي يحاول فيها كلا الطرفين أن يحافظا علي عزة النفس دون أن يقعا في فخ الحب الساحب للكرامة، حيث في كثير من حالات الحب نجد أن المشاعر أخذت منحني آخر مثل كسر الخاطر وقلة عزة النفس وضعف الإهتمام، كل هذا يعمل وبقوة على كسر الحب والأحاسيس الجميلة التي هي الهدف الأول والغاية منه وأن يعيش الإنسان في علاقة جميلة تجعل حياته أفضل وأسعد وإلا فما فائدة الحب .قال العباس بن الأحنف /

قَد كُنتُ أَرجُـو وَصلَكُم

   فَظَلَلتُ مُنقَطِعَ الـرَّجاءِ

أَنتِ الَّتِي وَكَّلتِ عَيـنِي

     بالسُّهادِ وَبِالبُكاءِ

إِنَّ الهَوَى لَو كَانَ يَنفُذُ

 فِيهِ حُكمِي أَو قَضائِي

لَطَلَبتُهُ وَجَمَعتُهُ

 مِن كُلِّ أَرض أَو سَماءِ

فَقَـسَمتُهُ بَينِي وَبَينَ

 حَبيبِ نَفسِي بِالسَّواءِ

المشـاهدات 73   تاريخ الإضافـة 05/05/2024   رقم المحتوى 45151
أضف تقييـم