الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
إشارة "فستان مونيكا" لفارس الغلب مهارة السرد برؤية البيئة
إشارة "فستان مونيكا" لفارس الغلب مهارة السرد برؤية البيئة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منذر عبد الحر
النـص :

بين فن القصة القصيرة , والمتن الحكائيّ المنساب لسرد حدث ما بشخصياته وتفاصيل أحداثه لإيصال الفكرة أو الرسالة كما هي دون إحالات دلالية , فرقٌ يتجلى في  أسلوب التعامل مع الثيمة الحكائية من أجل أن ينجز المبدع نصّه متّسقا مع المفهوم النظري الحديث لفنّ القصة القصيرة , لذلك حين نقرأ " قصة " تقليدية , تمهّد , وتصعد بالحدث إلى ذروته , ثم تنزل به إلى نهاية مقنعة , نشعر بأننا أزاء حدث متسلسل لا ينطوي على مهارة كبيرة , ولا يأخذ المتلقي إلى دلالات خارج رؤية القاص , وما سعى إليه في نصّه ,حتى لو كان خياله جامحا, لذلك حين انتهت مرحلة الرواد في القصة القصيرة  وأذكر منهم " محمود احمد السيد وأنور شاؤول وذو النون أيوب وعبد الحق فاضل  وغيرهم " الذين تميزت نصوصهم بتقنيات بسيطة مأخوذة في الغالب مما قرأه كتابها من آداب مترجمة , أخذت القصة القصيرة  في العراق في ستينيات القرن الماضي تحديدا , آفاقا أكثر سعة في تناولها الفني , ولست هنا في باب الاستعراض التاريخي للقصة العراقية وموقعها وتأثيراتها وتأثراتها بالقصة العربية أو العالمية , فلهذا الأمر اشتغالات تخصصية لا أزجّ نفسي فيها , لكنني لاحظت كتابع وقاريء , أن السرد حقق تقدما مهما على الصعيد الفني , وصارت له رؤاه المثيرة للجدل النقدي الذي حصل مع سعي عدد من القصاصين وفي مقدمتهم المبدع الكبير محمد خضير , والراحل محمود جنداري , في تشويش المعاينة النقدية للنص السردي , ومازلتُ أتذكر الجدل النقدي الذي دار حول قصة "رؤيا برج " التي نشرها الكبير محمد خضير في مجلة  الأقلام منتصف الثمانينات , حينها كتب بعض النقاد

 المعنيين بالسرد عن قضية التجنيس الفني لهذا النص , الذي ابتعد في آليات إنجازه عن المفهوم المتعارف عليه لفن القصة القصيرة , ثم ظهرت بعد ذلك نصوص قصصية تجاوزت الأطر وحققت قبولا , ومازال التطوّر متاخما لهذا الفن الصعب , الذي يراه بعض المبدعين أكثر صعوبة من فن الرواية .

لا أريد المضي في الحديث عن مراحل تطورات القصة القصيرة في العراق , وكذلك تحولاتها المهمة التي أشير إليها في أكثر من مؤلّف لعدد من النقاد والأكاديميين , ولعل أبرزهم في مواكبة هذه التحولات الناقد الراحل الدكتور عبد الإله أحمد وكذلك الناقد المثابر الكبير ياسين النصير , بل أريد الإشارة السريعة والاحتفاء بالمنجز القصصي لصديقي المبدع فارس الغلب ومجموعته القصصية الجديدة " فستان مونيكا " التي صدرت مؤخرا عن دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع في الموصل وضمت أحد عشر نصّا قصصيا , أول ما يلفتُ بها عناوينها الخارجة عن المألوف في معظمها , مثل " وتر للملح والصهيل " أو " أنامل هيتشكوك في شبار " وغيرها , وما يجعل الغلب ابنا بارا للتجربة الجديدة في فن القصة  هو ابتعاده عن الرؤية التقليدية والأسلوب الحكائي المباشر , ونسجه للنص باعتماد المفردة المجنحة المحلقة والجملة السردية التي لا يمكن الامساك بها بسهولة , لكنها مع الملامح الأخرى للسرد تحقق انتماءها الدقيق لفن القصة القصية , فهو يقول في قصته التي حملت عنوان المجموعة " فستان لمونيكا لوينسكي " :

يشقّ ومض العدسات جيب الصمت في ساحة قصر الريش المهجّن , يصعق لحم أفعى الغواية , نوء الكريستال فوق ورد المكيدة , فستانها اللازوردي الداكن , المغزول من الاشتهاء , ومن زغب الثريا " ..هذا هو مدخل أطّول قصة في المجموعة , وليسمح لي الغلب لأقول وأهم قصص المجموعة أيضا , ربما يجد القاريء المتعجل في هذه الجمل العصية على الإمساك عبثا في اللغة , أو مجانية في التعبير , وهو أمر قد يثقل عملية السرد القصصي , الذي اعتدنا على أن يكون بلازة " كان ... " أو " ظل ...." أو في أحسن الأحوال جملة استهلال وصفية تجذب القاريء , هذا الأمر طبعا يأتي في النص القصصي التقليدي , لكن المبدع  فارس الغلب يثري موضوعاته بالمجاز واللغة البعيدة عن المباشرة في إتقان سردي ومهارة في صياغة مسارات أحداث نصه , ومن المؤكد أن هناك نقاطا أخرى في اشتغاله القصصي , ربما سأتولى الحديث عنها في إشارات قادمة , لكنني اود وأنا أشير إليه أن ألفت نظر النقاد والمعنيين بفن القصة القصيرة الجديد , لأن يعاينوا تجربته المهمة وأن يعطوه حقه النقدي وقيمته الإبداعية التي يستحقها بجدارة .

المشـاهدات 442   تاريخ الإضافـة 22/02/2020   رقم المحتوى 4845
أضف تقييـم