الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
تقاسيم على الهامش
تقاسيم على الهامش
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عبد السادة البصري
النـص :

(( الاحتفاء بمدينة سكنت أهلها ..!!))

كم هو جميل أن يحتفي الناس بمدنهم ، ويفردوا لها الساعات والصفحات ، ليعودوا بذاكرتهم حيث الطفولة والصبا والشباب ؟!

ويكون الاحتفاء أجمل ، إذا كانت هذه المدينة تسكنهم ، وتحيا بذاكرتهم ، بعد أن مسحت معالمها من خريطة الكون ذات حرب رعناء !!

الفاو .. تلك المدينة الغافية عند تخوم البحر ، ثغر العراق والبصرة المطلّ على الخليج بكلّ عواصفه وتياراته وصخب أمواجه الهادرة وملحه !!

الفاو .. المدينة التي دخلتها الحضارة مع أول سفينة بحرية رست عند شواطئها ، كما دخلتها جيوش الغزاة عند احتلالهم العراق لمرّتين ، حيث كانت محطة للمسافرين القادمين عن طريق البحر دائماً !!

الفاو .. مدينة الملح والحنّاء وغابات النخيل والأسماك والطيبة والبساطة والمحبة والتآخي منذ أول لبنة وضعها قادم من الجزيرة مرورا بالبصرة ليؤسس محطة استراحة للبحّارة !!

وبعد اكتشاف النفط وبناء الميناء أضحت مدينة صناعية ، بعدما كانت تعيش على الزراعة وصيد الأسماك ،إنها مرسى البواخر الكبيرة والصغيرة العاملة في نقل النفط والتجارة وغيرها !!

كان الخليجيون من أبناء الكويت والإمارات والبحرين يؤمونها لنقل الماء العذب منها بواسطة اللنجات والابوام  الى مدنهم ذات الماء المالح في قرون خلت !!

أهلها صيادو الأسماك تربطهم والبحر رابطة صداقة وعداوة ، فالبحر الذي يمنحهم خيره الوفير من الأسماك ، كم أكل  من أبنائهم البحّارة الذين غرقوا اثر عواصفه الهوجاء و بين أمواجه الهادرة !!

كانت غابات النخيل والحنّاء تزيّن أرضها التي يجري الماء في سواقيها وأنهارها عذباً زلالا قبل الخراب !!

وبين النخيل كانت عرائش العنب والتين والرمان والتفاح الأخضر وأنواع الخضروات !!

ولأنها ميناء يستقبل البواخر من كل مدن العالم فقد انفتحت بحضارتها لتتلاقح وحضارات الشعوب كافة ، فكانت بحق مدينة حضارية عالمية حيث تضم من المكتبات الأهلية ثمان ،  بالإضافة الى مكتبتها العامة  الكبيرة ، ومن السينمات أربع ، بالإضافة الى النوادي الاجتماعية والمتنزهات الترفيهية والمقاهي والبارات وملاعب الكرة المختلفة !!

هذه المدينة مُسِحَت من خارطة الكون اثر الحرب الرعناء في ثمانينيات القرن المنصرم ، واحتلالها من قبل القوات الإيرانية وبعد ذلك تحريرها ليذهب مئات الآلاف بين قتيل وجريح ومفقود من الجانبين ، مع دمارها بالكامل وطمس معالمها ، وحين أعيد بناؤها إعلاميا وبشكل عشوائي لم تعد مثلما كانت أبداً ، فاضطر أهلها أن يحملوها أيقونة في القلوب والذاكرة ، إذ سكنت  ذاكرة أهلها الطيبين الذين نزحوا عنها هاربين ذات ليلة هوجاء من عام 1980 ، وظلوا يتوارثون هذه الذكريات أجيالا من الأبناء والأحفاد !!

في مبادرة رائعة من ( منتدى منارات الحنّاء ) وبالتعاون مع ( منتدى السيّاب ) الثقافيين ، وبمساعدة أبناء الفاو الذين عادوا إليها منذ سنوات ، أقيمت احتفالية استذكارية  لهذه المدينة ، حيث شدّ الرحال إليها عدد كبير من مبدعي البصرة ــ أبناء الفاو وأبي الخصيب ــ وأصدقائهم في سفرة ترفيهية بين حدائق متنزه ومدينة العاب الفاو  ، وجلسة تخللتها كلمات وقصائد و ( صفكة فاوية  ) وشهادات عن مدينة سكنت خوافق أهلها ، وظلت تسمو معهم من خلال الكتابة في مختلف الأجناس ، كما كانت هناك فقرات لاستذكار الراحلين من المعلمين والقابلات المأذونات والرياضيين وكبار صيادي السمك والأدباء والفنانين وغيرهم !!

شكرا أقولها لــ ( منارات الحنّاء ، ومنتدى السيّاب ) ، وألف شكر للمدينة التي لم تزل تمشي مع النبض في كل وقت ، وأتمنى أن تعاد هكذا احتفائيات لمدن أخرى !!!

المشـاهدات 304   تاريخ الإضافـة 23/02/2020   رقم المحتوى 4899
أضف تقييـم