الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
ليتني أسميتها عراق
ليتني أسميتها عراق
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب هدى عبد الحر
النـص :

صغيرتي التي ماتزال تُتأتئ وتتلعثمُ عند نطقها لكثير من حروف الأبجدية. صغيرتي ذات الثلاث سنوات تردّد بحماسة منقطعة النظير دائما قصيدة (يحيى العلاق)، التي سمعتها وحفظتها: (عراق خطوطك الحمرا العبرهن ينكسر ظهره....) وتحاول إكمالها بقدر ما تسعفها لغتها البكر وذاكرتها الطريّة وهي تنشدها بطريقة رائعة ونغم وصوت عذب محبّب، وكلّما حاولتُ مشاكستها مستبدلة ضمير المخاطب المذكر (أنتَ) بضمير المؤنث (أنتِ) (أنتِ منين يا أنتِ؟) وهو أحد أبيات القصيدة (أنتَ منين يا أنتَ العراق يعثرك ابخته) تعترض بضجر وانزعاج: لا تقولي هذاااا، وكأنّها تحذرني بطريقتها البسيطة بعدم السماح بالتلاعب بأبيات القصيدة.صغيرتي الأديبة الصغيرة، والعراقية الكبيرة، لا أعرف متى ملأ حبّ العراق قلبها الصغير حتى فاض في حروفها الندية، هذا العشق الغزير الذي لا يقف عند حد معين، سرعان ما تغير نشيدها المميز وقصيدتها الأثيرة بعد ثورة تشرين وانتفاضة العراقيين الأصلاء، وأخذت تردّد وبزخم وحماسة أكبر أنشودة (الناصرية) على الرغم من أنها (نجفيّة) حد النخاع... تردّد وكأنها البلبل الغرّيد الذي يشدو للجنوب: (وصية لكل مرة ما جابت أحرار خلي تروح تشرب ماي ذي قار) في إحدى صباحات يناير الحالي وبجو صقيعي، وتحت سماء غائمة كانت تدور غير عابئة بما حولها لتمارس (تغريدات) الصباح، كانت تغرّد وسط محاولاتنا الدائمة لإجبارها على الفطور الذي لا تتناوله إلّا بعد محاولات ومحاولات، تجلس قرب المدفأة وتردّد الهتافات التي تحفظها من التلفاز بصوت عال: (ماكو وطن.. ماكو دوام... حتى يسقط النظام). حين سمعتها أجبتها على الفور: لا لا لا يا صغيرتي لن يسقط النظام بل قولي (يتغير النظام)، لكنها كرّرت: يسقط ويسقط ويسقط، قالتها بشدّة وبإصرار وكأنها تحمل هما كبيرًا... ثم أضافت بنبرة جديدة: (الفاسد يطلع برّه). تحركت من مكانها وخطواتها، بدأت تتوجه نحوي ويدها تومئ إلى الأعلى بحماسة ووطنية كأنها ثورة صغيرة، ردّدت شعارات أخرى وأناشيد وطنية عراقية، ما أدهشني أنها لا تنتبه لغير الشأن العراقي، ولا يجذبها أي عالم آخر أو لهجة أخرى. هي تدمن القنوات العراقية وتتابع برغبة عارمة كل ما يعرض فيها. وعلى الرغم من أننا نشاهد قنوات عربية كثيرة ومتنوعة إلّا إنها لا تحب غير العراق وأهله ولهجته. هذه الطفلة تعشق وطنها بل تحفظه عن ظهر غيب وكأنه نشيد الأزل.... ذات يوم فاجأتني مرة أخرى لكن هذه المرة بطريقة مختلفة.. فقد قالت لي بملامح كلها تساؤل وأسف.. (ليش ما سميتوني عراق)..... تذكرت صرخة السياب العظيمة لحظتها واغرورقت عيوني بدمع ساخن:

صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى: عراق

كالمدّ يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون..

الريح تصرخ بي عراق

والموج يعول بي عراق، عراق، ليس سوى عراق.

المشـاهدات 168   تاريخ الإضافـة 23/02/2020   رقم المحتوى 4925
أضف تقييـم