الجمعة 2024/3/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
طرشيقة .. أنوثة الكوميديا السوداء عرض وان مان شو للممثّلة التونسية ليلى الشابي
طرشيقة .. أنوثة الكوميديا السوداء عرض وان مان شو للممثّلة التونسية ليلى الشابي
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

اسماء الطرابلسي ـ تونس

بجرأة في الطرح لم تعهدها المسارح التونسية وبعناية في الاخراج السينوغرافي دلفت الممثلة ليلى الشابي إلى عالم الفنّ مسلّحة بزاد من الثقافة والتقنيات المسرحيّة بما تقتضيه من فلسفة في الجمال والحق والخير، ولئن طوت الفنّانة مرحلة رمزيّة وواقعيّة ونفسيّة جديدة... قدّمت عرض وان ومن شو "طرشيقة" لمخرجها محمد علي المداني أمام جمهور غفير متلهّف لملاقاة الفنانة التي لبست نزق التمرد."طرشيقة" مسرحية المونودراما النسويّة بطلتها "دلندة" التي جسّدتها ليلى الشابي في ثوب بسيط، "دلندة" هي الشخصية التي بناها المخرج والتي تلبس سبع وخمسين شخصيّة إثر تعرّضها لأزمة نفسية وحالة سكيزوفرينيا أصابتها بعد الثورة، تعيش دلندة حالة بوح مع طبيبها النفسي فالقضيّة قضيّتها والصّوت التي تروي به صوتها والعين التي نرى بواسطتها الأشخاص والأماكن والأشياء عينها ومن خلال ذاتها ومعانتها للزمن نعايش ديمومتها.إنّ دور المتفرّج في هذا العرض هو دور الراهب يتلقّى اعترافات مذنب يحتضر أو هو دور الممرّضة التي تسهر عند سرير مصاب بالحمّى يتّصل هذيانه نهارا بحلمه ليلا فتختلط الأزمنة أو هو الطبيب النفساني يستمع الى مريضه في تداع حرّ لا رابط بين عناصره إلاّ وجود المتكلّم وعلى الطبيب بعد ذلك أن يفكّك ويعيد التركيب ليجد الخيط الرفيع الرابط ويتعرّف على مواطن الدّاء.اختارت الشابي الرقص كفاتحة تستهلّ بها عرضها وتشارك مع جمهورها لحظات من الفرح والمرح قبل الدخول في غوار صخب الواقع المعيش  وتردّي الوضع السياسي الذي تشهده البلاد خاصة بعد تواتر عشر حكومات طيلة عشر سنوات من العجز على جميع الأصعدة والذي ولّد حالة تخبّط تعيشها "دلندة" ترجمتها سبع وخمسين شخصية أدّتها بأسلوب ساخر ينتقد طريقة عمل النّوّاب في المجلس بعد مسار الثورة الذي شهته البلاد من فوضى واغتيالات وحالات عجز المواطن على المقدرة الشرائية وتدهور المستوى المعيشي إضافة إلى عدميّة الآمان في الشارع وجشع السياسيين وتكالبهم على المناصب والكراسي ومظاهر المحسوبية دون مراعاة لكرامة المواطن الذي بات فاقدا لأبسط حقوقه.فيما توسّلت الممثّلة الحوارات الثنائيّة والجماعيّة وقد تميّزت في المونولوج لإلغاء المسافة الفاصلة بين زمن القصّة وزمن القول حتّى يتقلّص الأسلوب الرّوائي في المسرحيّة، فلا تنفكّ تلك الومضات القصصيّة أفعالا وأفكارا ماضية بل هي مواف ماضية تنقل إلى الحاضر لتشاركها الممثّلة مع جمهورها مقارنة بين زمن تعيشه المرأة ''دلندة" في الحاضر وزمن مضى وولّى.إنّ في استعمال الحوار الباطني ككلام يُسمع ولا يُقال وبه تعبّر الشّخصيّة عن أفكارها المكنونة دون تقيّد بالتّنظيم المنطقي بما هو نقل على لسان المتكلّم وفيه تلغى الفواصل بين الأزمنة  والأمكنة فكأنّنا نتلقّى الشواغل والأحاسيس بلا واسطة، على نحو أقرب ما يكون من إلى العفويّة.من السياسة تنتقل الشابي للحديث عن  العاطفة والحبّ التي قارنت أجواءه ومصائره وتعاطيه بين العرب والغرب فبينما يحتفي هؤلاء بالحب كقيمة سامية تبعث السعادة في النّفوس، يخجل منه العرب ويخفونه كما لو كان جريمة أو فضيحة، من هنا يتكوّن الحلم كأداة تخترق بها الفنّانة الأزمنة والوقائع.في «طرشيقة»، يتغوّل البعد الرّمزي بين الدّال والمدلول ومضامين الرؤى والأفكار التي تبسطها الشخصيّة، لوجت زيّنتها ليلى الشابي فكسرت من خلالها القيود والعقليّات المتحجّرة، تحدثت فيها بطلاقة المرأة التي عاشت وخبّرت الناس عن مفارقات المجتمع واعوجاجه فضلا عن نفاق السياسيين وغيرهم من الوصوليين والمتشددين فكانت «طرشيقة فنية» معبّرة عما نعاني منه وعما نرنو إليه."طرشيقة" حالة انفجار سحري واعتراف كوميدي فضحت فيها الممثلة تراكمات نفسية سوسيولوجيّة نقدت فيها سياقا ايديولوجيا حمّالا بمعاني ودلالات لتمرّ ساعة ونصف من الضحك المتواصل قدمت فيه ليلى الشابي طرشيقتها على الأوضاع السّائدة والمترديّة والّتي تعرّت فيها كل مظاهر الانفصام التي يعيشها المواطن التونسي في واقعه اليومي.

المشـاهدات 589   تاريخ الإضافـة 25/02/2020   رقم المحتوى 4995
أضف تقييـم