الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 18.95 مئويـة
إنتاج  الشعر بالأسئلة لدى مقداد مسعود
إنتاج  الشعر بالأسئلة لدى مقداد مسعود
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

جبار النجدي

يقدم الكائن الشعري في مجموعة الشاعر مقداد مسعود (المغيّب المضيىء ) سلوكاً يقوم على متوالية القطع والوصل , إن استمرارية النسق الشعري تقطعها على الدوام الأسئلة وعلامات الاستفهام , لكن المقطوع يقدم نفسه مجدداً مرحباً بعودة الأسئلة التي تقطعه , وهكذا يكون الجسد الشعري نهباً لعلامات الاستفهام :

ما العمل ؟ ابن سيرين لا يسعفني بالمنشطات

هل هوملح الوقت ؟ دليلنا إلى اليقظة ؟ جملتنا الاعتراضية على الساعة ؟

…………………………………………

فاصل إعلاني ؟ إجراء وقائي ؟ نقطة نقالة تلطخ سمعة الحروف ؟

…………………………………………

هل النوم إزميل دؤوب ليعيدنا إلى النموذج الأول يعمل في كتلة اليقظة ؟

…. مركبتنا الفضائية تقلنا إلى هناك الذي كان هنا

…………………………………………

من يدفن هؤلاء ؟

متى تنطلق القبور في سباق المسافات الطويلة ؟

هل تقتحم التكنولوجيا جغرافيا الموتى ؟

من يسحب كل الأرقام وبجحفل الصفر في الساعة ؟

الأغاني لم تعد بنسلين . هل نحن فصيلة صامتة ؟

نتفسّق في قراءة الكتب ؟ نكدح ؟ ريلكة يا ريلكة من يسعفني إذا صرخت في مكاتب العقارات والمقاولين ؟

إن الأمر يتعلق بالسعي لتثبيت خلل جديد في أركان الشعر المتعارف عليها , في سياق الضرورة الملحة لتجاوز رسوخها وهيمنتها التي تمنحها السلطة والنفوذ وأفضلية الثوابت على المتغيرات , مما يترتب على الشاعر طائفة من التمرينات القادرة بالنتيجة على الخرق وزحزحة ثقل الضرورات المتوارثة لا المستجدة , وإلحاق الهزيمة بها , وهذه هي بعض المميزات الأساسية في آليات اشتغال قصيدة الشاعر مقداد مسعود والتي بمقدورها أن تأخذ إذنا وإقرارا بمسؤولياتها عن إشتغالات جديدة في الشعر والاستعداد لتبديل مواضعه في الكتابة والتلقي , غير إنها اقل إطمئناناً باستمرار لأنها تعمل على أن تكون في فسحة أكثر اتساعاً , الأمر الذي يجعلها دائمة الاشتغال بإيجاد وسائل اختزالية تعمل بمفهومات المغزى المتحرك الذي يترك أثرا دالاً على تنقلاته , ولعل الآلية التي يشتغل عليها الشاعر مقداد مسعود توفر اشتغالاً متفرداً ومتراكباً في آن , لكنها تعمل بطريقة اللازمة المعادة , التي تحرص على قطع تيار النسق الشعري وإسناد نقطة الإحالة لا إلى الجواب بل إلى اللاجواب , أسئلة قد لاتحمل معنى ولكنها تحمل ما هو أكثر أهمية من المعنى باعتبارها مجموعة نداءات واقتضاء لا ينفك أن يكون غير صبور للوصول إلى النهاية , ويمثل تجلياً إستباقياً وهو يختصر النص ويعبره :

حين أنام

يقظة أخي : تحرسني

بغصن لا صحراء فيه

( هل الصحراء منديل ؟ )

……………………..

يا حزني تأدب

اسحب سبابتك الغليظة

من انف أيامي

ذاكرتك من قميصي

أنت تضربني

وأنا اضرب الأمثال

على الورقة

من …….

احيّرك

نار الرعاة

شعلة مصباح ( بنزن ) ؟

رصاصة طائشة

تريد طبراً

………..

………..

الليل / لا قبعة له

النهار : يده لا تنوش

الريح تفصّل الخراب

من يخيط الريح ؟

إنها أسئلة تحدث انفصالاً في النص والتحاماً بدلالاته ومعناه السابق لأوانه , ولذلك فهي ليست عطلاً في نسق النص وإنما محركاً لمفاصله , إنها الأسئلة التي تطرح سؤالاً لا يتيح وقتاً لجواب الآخر , وبذا يكون موضوع رهان لإدامة النص الذي تقطعه هي نفسها , فالسؤال يسأل عما لا يملكه الجواب , وتبعا لذلك نلمس موافقة الأجوبة على التزام الصمت تجاه مايدور من أسئلة , وماهو أكيد إن أسئلة الشعر ليس مبعثها الأوامر لكي تتطلب جوابا, وما تقوم به الأجوبة هو ترجمة حالة الصمت بوصفه لوناً من ألوان الكلام الذي ينتج لنا نصاً صامتاً مفتوحاً لا ينفق كلاماً ليصل بوساطته إلى النهاية :

يضحكني ما يثيرهم : صرعى جاذبية التوابل

في ظلمة ليس في عجله من أمرها

للزيتونة : المشكاة

لهيروشيما : الذرة

متى لا نبكي ؟

……………..

من الأصابع المتدلية للبقرة يشرب

: العصفور..

لا جناح علي / من الأشجار اصطفي الأجنحة

من المناديل : سحابة

أغنية لا أزرار لقميصها : نافذتي

الببغاء ؟ المغني ؟

من يحاكي من ؟

إن عملية تفكيك تجري للنص بالأسئلة التي تديم فعل جريانه , وعندما يجري التفكيك الضمني للنص بتقطيع أوصاله بالأسئلة من قبل الشاعر إنما يجري هذا قبل أن يوزنه النقاد بمعيار النقد , وان ذلك يعد ملمح اختلافي نادر الحدوث , لعله ناجم عن تسريبات الكتابة النقدية التي تمثل جانب من نتاج الشاعر مقداد مسعود الإبداعي المقابل لإنتاجه الشعري , وان جاءت بصيغة إعلان ضمني متكتم , لكنها تمثل أسئلة الشعر في المجموعة بصورة اعتراض لا يتوقف ضد استطرادات النصوص , إلى جانب كونها علامات قاطعة لانثيالات الشعر الذي ربما يسيح ليغرق الشعر ذاته , وان مرد ذلك هو بمثابة ترقية الشعر عبر تقطيعه بالأسئلة , معلنا عن إمكانية أخرى في كتابة الشعر , إنها إمكانية اللعب الذي لا يلامس الوحدة العضوية للنص , بل يفارقها تحقيقا للانتظار والتعليق , وتخلصا من ( الهيمنة التي تنظم اضطهاد الشعر ) , وتلك طريقة مختلفة في الكتابة تلامس حدود الشعر وتعترضه في آن , إن هذه الملامسة بمثابة انفراج للتزييف القائم على الراسخ المتين , الذي ينظر إلى تجاوز الشئ الثابت باعتباره تهديداً , في حين يبدو لنا الشعر على الدوام , عاملاً في الزمن المؤجل أو الافتراضي الذي يتيح معاصرة الشعر لنفسه , عن طريق الأسئلة التي لا تنفصل عن الأسئلة , مديمة انهماك الشاعر بإعداد الأسئلة التي تعطل الأجوبة إلى درجة الحيرة التي تنتج من القطع تواصلاً:

من يؤثل خطوتي في الظلال

على الجدار

صورتان لصورتي

احدهما : التقطتها شظية , باضتها خوذة

الثانية : ولادة قيصرية تنتظر ما

بحبله يتدلى التلفزيون

من يمتطي الخشبة ؟

استبقا : تباطأ الغلام

فهمت بالعائد

زرقة السماء

على مشارف التابوت

تقدم مجموعة (مقداد مسعود) تساؤلات تتعلق بانتفاء مصلحة الشعر في إن تقيم الحد بين الراسخ المتين ومسوغات تجاوزه , لدرجة إن الثوابت في الشعر أصبحت (حقلاً مغلقاً) وليس بوسع أي منا إحباط أي جدل بهذا الشأن , إن لتوالي الأسئلة في المجموعة التي تقطع بعض من عناصر النص التي تنوي أن تصبح راسخة دوراً في جعل المعنى يشتغل منتجاً لقيم دلالية شتى , إن خاصية النصوص في المجموعة تتمثل في إنها لا تستقيم من دون أسئلة تقطعها , وهذا يشبه بأحسن تقريب قابلية عمليات التقطيع للأوزان الشعرية التي بمقدورها ومن خلال تقطيعها أن تصنع بحوراً محددة للشعر ومستغرقة في الأوزان في الوقت ذاته. في حينها , ولذا فأن الأسئلة على وفق هذا المفهوم لا تشكل انقطاعا في المعنى بل مضاعفة له , فالقطع يخدم التواصل لدرجة يصبح فيها رابطاً وثيقاً لتساؤلات الشعر , سيما وان الشعر لم يكن شيئاً سوى تساؤلات محيرة , يستغرق حل شفراتها زمناً طويلاً , بمعنى إن الشاعر يسأل ولا ينتظر جواباً قاطعاً , بل هو لا يفكر بالإجابة لحظة السؤال مطلقاً , وعلى هذا النحو تتضح قدرة الأداء الشعري المقطّع بالأسئلة , إن القطع يحضر بمعناه المحفز للخلق لا بمعناه القاطع للنّسل الشعري , يقطعه لكي يحييه ويزرع بذرة تكاثره , وبهذا يكون القطع أصل التواصل ومعادله سواء بسواء , ولعل متعة الشعر تكمن في هذه المجموعة في أن يكون القطع تواصلاً , وان نصوص المجموعة تنشغل بمعالجة الثوابت قبل الانشغال بنفسها , لان شرط تحولات الإشتغال الشعري أن يتوارى الثابت ويختفي , ولا يذكر إلا بوصفه ذكرى فحسب , فاللعب الشعري يجري بين الطمر وإدامة حفرياته في أزمنة يصعب حضورها, إن الشاعر في هذه الحالة ينفق ولا يكنز , ويبادل الحركة باللبث مأخوذاً ببلاغة الحراك الشعري الذي يذهب به بعيداً , ولا ريب في ذلك ما دام الشاعر يفتنه المجهول واللا مكتشف , بل انه يكرس أوقاتاً لا حدود لها لطائفة من الأشياء والمشاعر التي لا تحضر حتى بحضورها , الأمر الذي من شأنه أن يميز المادة الشعرية المنشغلة بالخرق والإزاحة عن غيرها :-

الغيوم : منحوتات

الرياح : ازميلها

كل غيمة تنتظر جرحها

: ليضيء

ليضيء مدوياً

الجراح : لا قبة لها ولا معطف

الجراح العالية : عارية تضئ وتبكي

وحين تبكي

لا منديل لها سوى الأرض

إذن فالأسئلة هي نسق انعكاسي في مرآة قادرة على الرد بصورة مشابهة للصورة الأصل , وهي تقارب على وجه التحديد لعبة الصبر , المتولدة عن شئ أو شخص غائب , فالأسئلة الناجمة عن حالة غيابه , ليس بوسعها سوى التحول إلى أسئلة يرهقها الانتظار , وما نحاول قوله هنا إن ثمة فاصلة تحسن التعليق لزمنية الجواب وتستدعي الكثير من الحيرة حول أمور شتى ومن بينها ما يطرحه الشاعر في استدعاء (إسطورة المال) في قصيدة تعويذة التوازي , فالتساؤلات في هذه القصيدة لا تغطي سطوة المال وقدراته القاتلة , وتبعاً لذلك جاءت على صورة مقتطفات متفرقة منشغلة بترادفات اثر المال وتقابلاته وقدرته في تحريك شبح الفقر , وإضاءة جسد الرذيلة المتبلى بالمال وما يدور حوله من هوس حلمي إلى جانب ما يقوم به المال من تحييد براءة الإنسان وما ينتج عن ملكية المال من قيم تبادلية تطبع خواص شخصية في غاية الغرابة , إن ملعب الشعر يتسع لتداخل جسد المال بجسد الشخصية . إن مالك المال يراه جسداً يسير مع جسديته الشخصية بينما يراه فاقد المال شبحاً مستغرقاً في الحضور الطيفي فحسب :

المال : لسانه في انفه / حين يخترق ويشم السوق / حين

الكل : قبضته

حلمة الرضيع / حركة القعيد / فوهة السلاح / شمعة العاشق / كدح الأب

قوة الضعيف / حجلة العروس……………

حينها: لسان المال في قدميه : يصير

………………………………..

للمال : أجنحة يطيرون بها ( كذلك رأ وا ويرون ) للمال أجنحة

يطيرون بها

وبها يتطايرون

…………….

يأتي الفقر : الجسد

تتدلى على الصدر : قدماه

يأتي الفقر : تغوص الرقبة / يتقوس الجسد / الرأس : تنحني

يضطرب الجسد / يسعى مضطرباً / على منكبيه يحمله فقره

………………………………. إلى أين

……………………………….

أعوذ من ظلمة المال

من شرها

وشر ما فيها

وشرما بعدها

أعوذ من ظلمة المال

ومن شراسة ضوئه

أعوذ

وهكذا تتسع براعة تساؤلات الشاعر في إنتاج تساؤلات شعرية لا تنقطع وأقصى ما تبلغه هو الانفتاح على الحيرة التي يعلن الشعر عن نفسه من خلالها.

المشـاهدات 779   تاريخ الإضافـة 01/03/2020   رقم المحتوى 5199
أضف تقييـم