الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 31.95 مئويـة
تجارة العبيد في زمن حقوق الإنسان والأمم المتحدة
تجارة العبيد في زمن حقوق الإنسان والأمم المتحدة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عبدالخالق إسماعيل عيسى.
النـص :

"أن  حظيرة خنزير أطهر من أطهركم" قالها الشاعر مظفر النواب قبل بضعة عقود من الزمن، خاطب بها الحكام العرب آنذاك. تغير الكثير خلال هذه العقود، إذ زاد الفقراء فقرأ والأثرياء ثراء والأبرياء يقتلون وكأنهم الذباب، وأصبح حتى الرضيع يقتل بتهمة الإرهاب. هجّروا وشتتوا الملايين من البشر بعد أن دُمرت بيوتهم و أُذلت كرامتهم ودُفع بهم إلى بلاد الغرب بحثا واستجداء للقمة العيش. إلى تلك البلدان ذاتها التي ساهمت وعملت على إذلالهم وتجويعهم وتشريدهم، والتي لبست رداء الرجل المحسن والأم الرحيمة باستقبالها قوافلاً من المعدمين واللاجئين والعبيد الجدد، تلك البلدان الغنية، التي تتبجح ملئ فمها ليلا ونهارا بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بينما تصنع وتتاجر بكافة أنواع الأسلحة التي تستخدم في نشر الموت والخراب، والتي لم تتوانى عند الضرورة بخلق أعذار واهية، وبحجة نشر الديمقراطية والسلام، عن إرسال جيوشها، طائراتها وصواريخها "الذكية" لتدمير كل ما بإمكانها تدميره من ثروات الشعوب التي كانوا يسمونها يوما ب (بلدان العالم الثالث)، ولا أحد اليوم يعلم  أية مرتبة وصلت إليه هذه البلدان التي كانت شعوبها تتطلع يوما لدخول التاريخ من أبوابه الواسعة أسوة بباقي  شعوب العالم المتقدمة. حفظاً على مصالحها،  بالسيطرة على مصادر الطاقة التي لا تستطيع الاستغناء عنها في الوقت الحالي. إذ بدونها ينهار اقتصادها، وتنتهي، أو على الأقل، تتلكأ مرحلة الرفاه الإقتصادي، والاجتماعي التي يعيش تحت رداءها من حالفه الحظ وولد في تلك البلدان "المتحضرة" وليس من البشر فقط، ولكن حتى الكلاب والقطط، التي تلقى عناية طبية وغذائية فائقة يحلم بها أطفال البلدان الفقيرة. هي نفس البلدان ذاتها، التي كانت قبل أربعة قرون مضت، تبعث بعصابات من المرتزقة لتصيد وتستعبد الأفارقة وإرسالهم إلى أمريكا واستخدامهم هناك في الحقول والمزارع. بحقوق ورعاية، هي أدنى من حقوق ورعاية الحيوانات.أما اليوم فلا توجد هناك أية ضرورة لإتّباع الأساليب القديمة، إذ يكفيها أن تصدّر الأسلحة والحروب، بتنظيم وتدريب قوى الشر والظلام تحت غطاء الدين والعقيدة، وزرع الفتنة بين أهل البلد الواحد وتحريضهم ليقتل وينحر بعضهم الآخر، وتحويل بلدانهم إلى جحيم لا يطاق في الحياة قبل الآخرة، فيُجبرون على  الهرب، طلباً للنجاة تاركين خلفهم الأرض ألتي وهبتهم الحياة، أرض آبائهم وأجدادهم.   حاملين في حقائبهم كل ما يستطيعون وضعه، حاشرين داخلها كل الذكريات وكمٌ هائلٌ من الآلم والحزن والتوجه على أقدامهم مشياً و عبور البحر ومواجهة خطر الموت في كل خطوة وعقدة.خلف تبجح البلدان الرأسمالية بالتحضر والإنسانية تخفي نواياها الحقيقية: وهو الضرورة الملحة للمواد الأولية، والتي أصبح الإنسان جزء منها. هناك حاجة لليد العاملة الرخيصة، ليس فقط في الوقت الحاضر، وإنما في المستقبل القريب، حيث أن كل الدراسات والبحوث للمعاهد والمؤسسات الأوروبية الرسمية تؤكد بأن الكثير من الدول الأوروبية المتطورة صناعيا ستكون عاجزة عن تحقيق الضمان الإجتماعي الحالي خلال الثلاثين أو الأربعين سنة القادمة. ويرجع ذلك إلى الانخفاض المستمر في الإنجاب، فقلة الولادات من ناحية، والزيادة الملحوظة في معدل عمر وأعداد المسنين، وانخفاض عدد الوفيات من الناحية الأخرى، نظراً لتقدم العلم والطب وتحسن الأوضاع المعيشية عموما، مما سيخلق مستقبلاً، إختلافاً كبيرا في توازن القوى المنتجة.حسب إحصائية للأمم المتحدة ظهرت قبل عدة أشهر، تسببت الحروب، والتغير المناخي في مختلف أنحاء العالم،  بتهجير أكثر من ستين مليون إنسان. ولا تستطيع الدول الصناعية المتقدمة و"المتحضرة"!! استقبال هذا الكم الهائل من المهجّرين والنازحين بالتأكيد، فبدأت بغلق حدودها وأصبحت تنتقي وتختار من تريد.إذا كان قتل الأبرياء جريمة كبرى، أليس إبعاد الإنسان قسرا عن أرضه، عن بيته وعن الازقة والحارات حيث نشأ وترعرع ولعب، واحب، وبنى آماله وأمنياته وأحلامه، كي يعيش غريبا طوال عمره داخل مجتمع لا ينتمي إليه ويرفضه، بعيدا عن لغته وعادته وتقاليده، حيث يعامل غالباً باحتقار وازدراء من قبل أهل البلد. ألا يعتبر كل هذا بجريمة؟أليس سرقة وقتل روح الإنسان بجريمة مماثلة، توازي قتل جسده؟؟ وماذا نستطيع القول عن السلاطين… عن الملوك والأمراء وعن المعممين والحكام الفاسدين الذين جعلوا من الشرق الأوسط بيت دعارة يدخل فيه من يشاء ويريد دون حتى دفع الأجرة، ولا أحد منهم يحرك ساكنا. بل تراهم منغمسين حتى النخاع في سياسة الرأسمالية القذرة، واضعين ضمائرهم على بساط في سوق عكاظ للمقايضة.أطلقت الثورة الفرنسية الأولى سنة ١٧٨٩ تحت شعار الحرية، المساواة، الأخوة. وإعلان حقوق الإنسان والمواطن. صراعاً شديداً شمل كل بلدان أوروبا الغربية والشرقية بين القوى التقدمية والاشتراكية بمختلف أشكالها، والقوى الرجعية. تم خلالها (على مدى مائتان عاماً) تحقيق الكثير من المكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للطبقات الفقيرة المسحوقة. وصلت أصداء الثورة الفرنسية إلى منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية في أوقات متباينة ومتأخرة جداً. نستطيع القول بأن نهاية هذه المرحلة إنتهت بسقوط جدار برلين سنة ١٩٨٩. وكانت أول ناتج لها هو الحرب المدمرة على العراق سنة ١٩٩١. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية، وانهيار التوازن الدولي الذي نشأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. بعد تدمير العراق إعلن بوش الأب (ليكن مأواه جهنم وبئس المصير) النظام العالمي الجديد، والذي وضحت أشكاله بسرعة فائقة، حيث انتشرت الحروب الدموية في بقاع مختلفة من الكرة الأرضية، شملت حتى أجزاء من القارة الأوروبية. نزعت الرأسمالية العالمية قناع الإنسانية عن وجهها وبينت حقيقتها والتي تتمثل ببساطة؛ بتحقيق الأرباح وتجميع الأموال وحصر السلطة بيدها، بكل الأساليب، المشروعة والغير مشروعة. حتى لو دفع ثمن جشعهم وطمعهم عشرات الملايين من  القتلى والمشردين من البشر الأبرياء. بعد سقوط جدار برلين، بدأ تراجع  وانحسار للحركة  اليسارية والتقدمية العالمية بشكل مخيف. نتج عنه فراغ رهيب، ملئ بسرعة من قبل أكثر القوى تخلفاً ورجعية؛ اليمين المتطرف في جميع الدول الأوروبية، وفي الدول الاسلامية والعربية ظهرت الأحزاب والحركات الدينية التي وضعت ضمن مهامها الرئيسية إرجاع عجلة التاريخ إلى عدة مئات من السنوات الى الوراء. وزاد عدد المفسدين والفاسدين ودعاة الحقد والكراهية رقما وليس فقط في المنطقة وإنما في أنحاء المعمورة كلها. وزاد و تضخم عدد الحمير والخرفان فأصبح قطيعا هائلا. عذرا لكل حمار ولكل خروف ولكن هذا هو اليوم، لغة ومنطق البشر. ولأنني بذكر الحمير والخرفان بعد الخنزير والكلاب والقطط تأتي على ذهني جملة أخرى بقيت محفورة في ذهني منذ الصف الأول الإبتدائي. كانت تقول: الى متى يبقى البعير على التل؟ الجواب: يبقى البعير على التل حتى المساء. و أعتذر من جديد لكل بعير، وأعتذر عموما من كل حيوان ليس إسمه إنسان. ولكن هناك ضرورة استوجبتها الحاجة إلى التشبيه. فإلى متى يبقى هؤلاء الحكام أولاد الزنا متربعين على عرش السلطة، وإلى متى يدوم صمتنا… صمتنا المقيت، وانجرارنا نحو الخرافات وكل أشكال التعصب القومية والدينية والطائفية الكريهة، وتلاهثنا في البحث عن هوية مصطنعة ، جاهلين أو متناسين بأن هويتنا الوحيدة، هي الإنتماء للأرض وللإنسانية . السكوت عن ذبح و قتل الأبرياء، يعني السكوت عن ذبح وقتل كل القيم والمبادئ والمفاهيم الإنسانية، والدينية الجميلة.

المشـاهدات 773   تاريخ الإضافـة 17/03/2020   رقم المحتوى 5410
أضف تقييـم