الجمعة 2024/3/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
آلية التجريب المسرحي
آلية التجريب المسرحي
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب بلاسم الضاحي
النـص :

ليس هناك تعريف جامع مانع للتجريب كونه نشاط شخصي ينطلق من حاول تعريفه من تجربته الشخصانية وكيفية اشتغاله في حقله التجريبي ، ولحداثة نشأته في المشهد المسرحي ولم يتحول بعد إلى منهجا معتمدا أسوة بالمناهج والمدارس المسرحية التي تأصلت ووضعت أسسها وقواعدها وأكتمل بناؤها وتخطت مرحلة التجريب الذي بقي بابا مفتوحة يدخل منها من يشاء لذلك كثرت التعاريف واشتبكت الرؤى ولم يتبلور تعريف معتمد ، وبمحاولة لإيجاد تعريف يلامس الشمولية ويقترب من خصائص التجريب التي لم تكتمل بعد ولم تلم شتاتها الموزع على أنحاء العالم على مستوى مختبرات تجريبية أو محاولات شخصية لكثير من المخرجين ، نجد من الضرورة أن نشير إلى التعريف الذي ورد في ( معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية ) الذي يقول إن التجريب ( هو المسرح الذي يحاول أن يقدم في مجال الإخراج أو النص الدرامي أو الإضاءة أو الديكور ... الخ أسلوبا جديدا يتجاوز الشكل التقليدي لا بقصد تحقيق نجاح تجاري ولكن بغية الوصول إلى الحقيقة الفنية وعادة ما يتحقق هذا التجاوز عن طريق معارضة الواقع والخروج إلى منطقة الخيال ، بل والمبالغة في ذلك الخروج في بعض الأحيان ) ، وفي مهرجانات القاهرة للمسرح التجريبي حاولوا تحديد تعريف فجاءت تحديداتهم متنوعة ومتباينة نأخذ منها : -

1 – التجريب هو التمرد على القواعد الثابتة 2 – هو المزج بين الحاضر والماضي 3 – كل مسرحية تتضمن نوعا من التجريب 4 – التجريب عملية معملية 5 – إن كل إبداع تجريب ... الخ من التعريفات التي تبقى في إطار التجريب والأجتهادات المتباينة المنطلقة من فهم ( المعرّف ) على وفق آلية اشتغاله التجريبية .

وارى أن اقرب تعريف للتجريب ما جاء من الأستاذ فرحان بلبل في كتابه الموسوم ( المسرح التجريبي الحديث عالميا وعربيا ) يقول : التجريب ( بحث عن وسائل جديدة تغاير الوسائل الفنية السائدة بغية تقديم رؤية جديدة للعالم ) وهذا التعريف يقودنا إلى القول بأن المسرح بدأ تجريبيا منذ نشأته الأولى وسيظل كذلك . وكون المسرح فنا يخضع لقوانين أسوة بسائر الفنون الأخرى نقول :

يقوم التجريب وفي كل العلوم على مرتكزات أساسية ثلاثة هي : -

1 – وضع افتراضات 2 – صياغة مصطلحات 3 – إبداع مفاهيم

ويمكن تقسيم التجريب على وفق مساحات اشتغاله داخل مثلث ( افتراضات ، مصطلحات ، مفاهيم ) إلى مستويات : -

1 – المستوى التجريبي الشخصي / الذي يهتم برسم الخطوط البيانية لتجربة الفنان الشخصية التي أما أن تعتمد على نتائج تجارب الآخرين أو على افتراضات الفنان المبتكرة ومحاولة تطويرها بالتجريب للوصول بها إلى ( البديهية ) التي تدعوا الآخرين للانطلاق منها معتمدين على ما صاغه مبدعها من مصطلحات وما أبدعه من مفاهيم نتجت عن افتراضات اشتغل عليها التجريب وأثبت بداهتها خروجا من مستواها النظري وصولا إلى التداول المدرسي الذي احكمه المنظّر ووضع قوانينه وأحكامه .

2 - المستوى التجريبي العام / وهذا متداخل مع المستوى الشخصي الذي ينطلق من شخصانية الفنان ويصل إلى عمومية التداول بعد اجتياز مرحلة التجريب ( ألتنظيري ) وصولا إلى البداهة ، الراسخة ، المقوننة بضوابطها الجاهزة للارتكاز عليها بإنتاج عمل فني يتبناه الآخرون على وفق ظوابطها ، قد يحاول منهم تفكيكها وإعادة صياغتها من جديد ليدخلها مرحلة التجريب مرة أخرى بما يتوافق مع مفاهيمه فيفترض ويصوغ ويبدع وهكذا يبقى ضمن حقل التجريب إلى أن يتحول إلى ( بديهية ) أخرى متداولة يرتكز عليها الآخرون .

من هنا بدأت كل العلوم ( تجريبية ) منذ نشأتها ومرورا بتطوراتها التاريخية والى ما لانهاية والفنون المسرحية المنصوص منها والمعروض هي أحد أجناس هذه العلوم الإنسانية ولنأخذ مثالين قريبين : -

الأول / مسرح ستانسلافسكي / الذي بدأ تجريبيا وخارجا من تقاليد مسرحية مهيمنة مقدسة وافترض نظرية ( إعداد الممثل ، التقمص ) بالنسبة للممثل و ( الإيهام ) بالنسبة للمتفرج واشتغل في مختبره التجريبي على روحية الممثل وتطويع جسده لتحقيق فعله الأدائي في لبس الشخصية وتقمصها لأيهام المتفرج بواقعية ما يقدمه وفرضه عليه بالإيهام الزماني والمكاني ، فافترض النظرية وصاغ مصطلحاتها وأبدع مفاهيمها الجديدة .

الثاني / المسرح البر شتي / الذي افترض نظرية مسرحية جديدة وصاغ مصطلحا جديدا لنظريته سماه ( المسرح الملحمي أو التغريب ) وأبدع مفاهيما جديدة من داخل وخارج افتراضات ( ستانسلافسكي ) التي تحولت من نظرية خاضعة للتجريب إلى بديهية متحققة في المشهد المسرحي العالمي لايمكن الحياد عن قوانينها الحتمية في أي عمل مسرحي محقق أو مفترض غير إن ( برشت ) هدم هذه البديهية مجربا في مختبره المسرحي ومفترضا نظريته في كسر ( الإيهام ) لدى المتفرج وإلغاء ( التقمص ) لدى الممثل وكسر التكوين ألبنائي الآرسطي لمراحل نمو النص المسرحي فكلا النموذجين بدأ تجريبيا ووصل إلى بديهي راسخ وهكذا في التجريب المعاصر وما سيأتي منه .فالتجريب في المسرح يجب أن يفهم على وفق ما يفترض سواء كان مبني على تجارب سابقة أو اختراع جديد ويشمل التجريب كل مكونات العرض المسرحي بدءا من النص وانتهاء بالمتفرج مرورا بأدوات العرض الأخرى ، الإخراج ، الممثل ، الإضاءة ، الماكياج ، الديكور وكل سينوغرافيا العرض . التجريب يدخل في إطار الفعل الذي يباده المتلقي فهو يتناقض مع ما يحمل هذا المتلقي من أشياء متعارف عليها ( مألوفة ) فهو يتجاوز حتى الجديد ويناقض السائد وهو فعل مدروس وغير عفوي يحاول أن يجد له مرتكزات تجعل له وجودا مؤثرا فهو يحرك الراكد ويجدد باستمرار إذ يجب أن يفضي التجريب إلى تجديد وكل تجديد بالضرورة يمر بالتجريب .

المشـاهدات 1170   تاريخ الإضافـة 17/03/2020   رقم المحتوى 5423
أضف تقييـم