الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 36.95 مئويـة
تأملات حتى يصبح الرقص مادة تعليمية!
تأملات حتى يصبح الرقص مادة تعليمية!
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

جواد ديوب

أعتقد أن لا شيء أكثر إذهالاً وإدهاشاً من مشاهدة الجسد البشري يرقص ويتنفس حريةً وانطلاقاً مع الموسيقا كأنهما موجتان تتصاعدان و تهبطان،

تتقدمان وتتراجعان، بين مدِّ وجزرٍ يحبس الأنفاس ويجعلنا نكاد نقفز من أماكننا مشتعلين محرَّضين بما نشاهد من معجزات جسدية صغيرة تتفجر على الخشبة؛ هذا الكون المصغّر بأنجمه وكواكبه من الراقصين.

ليس فقط على المختصين من راقصينا، بل علينا نحن الناس العاديين أن نتعلم من كل ما نشاهده في هذا البرنامج الساحر ذي العنوان المشاكس بفرح «أتعتقد، إذاً، أنك تستطيع أن ترقص؟بكل تفاصيله، بدءاً من لجنة التحكيم التي تجمع الاحتراف والمعرفة الاختصاصية والجمال والذوق والجنون فرحاً بما يبدعه الراقصون المتنافسون الذين يشعوّن حماسة ولطفاً ورقّة وأداءً متميزاً بتقنياتٍ حركية تُعْدينا بلهيبها وتبدو إعجازاً جسدياً، إلى التصاميم الكريوغرافيّة للرقصات المتعددة بتعدد الأعراق والشعوب التي ينتمي إليها الراقصون، مروراً بالموسيقا العظيمة المنتقاة بعناية وحساسية مرهفة تشعل فينا أبديةً موسيقية، إلى مقدمة البرنامج البريطانية (كات ديلي) الحائزة جائزة (إيمي) للتقديم التلفزيوني والساحرة بعفويتها، وليس آخراً الإخراج التلفزيوني للحلقات المعروضة على الشاشة التي تعكس مدى الاحتراف العالي في معرفة زوايا التصوير وجماليات الإضاءة لكونها عالماً فنيّاً متكاملاً، وكذلك الانتقال بين اللقطات بسرعة لكن بحيوية، مع لمسات جمالية تركّز تارة على تفاصيل الأجساد المتفتّحة، وتارة على اللجنة الفخورة بما تشاهد من انعكاسات لآرائها على أداء الراقصين، وتارة على جمهور الصالة الذي لا يقل حيويةً وتفاعلاً عن كل من ذكرت.

مشاهدة برنامج كهذا تجعل الإنسان يعشق الرقص بل يندم على كل ما ضيّعه من وقت من دون الاهتمام المطلوب بجسده الذي جعّده القعود الطويل أو الإهمال القاتل، إنه برنامجٌ يعلّمنا جميعاً كيفية تحقيق الأحلام المستحيلة بالصبر والشغف والحب والمثابرة مهما كانت الصعوبات ومهما كان رأي الآخرين بما نحن عليه من موهبة لم يقدروها بشكلها الصحيح، ومهما كان ماضينا الشخصي أيتاماً أو فقراء أو بؤساء أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، فها هو الراقص (جون سوك) ذو القدم الواحدة يرقص مع عكّازيه بشكل يخطف الأنفاس من هذه الطاقة البشرية الأغرب التي تكمن في العجز الجسدي نفسه، بل في الروح البشرية التي طوّعت الجسد بكل عيوبه ونقصه وعجزه فارتقت به إلى عتبة الكمال.

أهمية الرقص تكمن في أنه يحرر الطاقة المكبوتة عند الجميع كباراً و صغاراً، وتصبح أهميته ملحة أكثر عند الأطفال لأنه يضبط طاقتهم المندفعة، الطائشة أحياناً، ويجعلهم أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم، أكثر ثقة بذواتهم سواء وهم أطفال أو حين يكبرون.

فالانتباه المبكر لأهمية الرقص عبر إدخاله كمادة تعليمية وكتمارين لياقة في المدارس يمكّنُ الطفلَ والأهلَ والمعلّمين من العمل على تلك الموهبة بدلاً من هدرها في غير مكانها أو تلاشيها مع مرور الوقت.

إضافة إلى أن الأطفال ذكوراً وإناثاً يتعلّمون، ومنذ الصغر، احترام جسد الآخر ليس بوصفه «محرّماً» يجب خرقُهُ وتحطيمُه وتدنيسُه، وليس أبداً، كما هو شائع عند من يخلط بين السفور واللا أخلاق أو بين الشريك في الرقص والشريك في السرير، أي باعتباره مباحاً ومتاحاً لمن يشاء ومتى شاء، بل باعتباره قيمة عليا وشريكاً في صنع حياة متوازنة ومتفائلة وسعيدة.

لكن رغم ذلك كلّه، ربما لن يصبح الرقصُ مادةً تعليميةً في مدارسنا حتى نكفّ عن اعتبار الجسد عورةً وشيئاً مثيراً للغرائز، ونتعلّم كيفية احترامه والاعتناء به وتقدير قيمته كجوهرة كريمة تختزن أثمن طاقة في هذا الكون؛ طاقة النور الإلهي الذي فينا.

المشـاهدات 521   تاريخ الإضافـة 11/04/2020   رقم المحتوى 5991
أضف تقييـم