الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
رواية موت الأم المكان محورا أساسيا
رواية موت الأم المكان محورا أساسيا
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناطق خلوصي

تلتئم أحداث رواية ” موت الأم ” في إطار أسري ضيق ، وتتمحور في جزء كبير منها حول شخصية ليلى التي يهدي الروائي نصه إليها بقوله ” إلى ليلى….إلى روح ليلى ” فيتضح لنا أن ليلى هذه هي الأم التي تعتمد الرواية موتها عنواناً لها .يشكّل المكان محوراً أساسياً في هذه الرواية ، شأنها شأن رواية حنون مجيد السابقة ” مملكة البيت السعيد “. وعلى الرغم من محدودية امتداد هذا المكان فإنه يتسع في دلالته وما يوحي إليه .

صدرت الرواية هذا العام (2020)عن دار أمل الجديدة في دمشق وجاءت في 263 صفحة توزعت على واحد وعشرين فصلاً ، يستبطن الروائي فيها أعماق شخصياته ويكشف عما تضمره نفوس هذه الشخصيات والرئيسية منها بشكل خاص ، وتنطلق الرواية من خاتمة الأحداث وتُستَهل بصوت الإبن رأفت وهو يشير إلى أبيه في اليوم الأخير لمجلس عزاء أمه ” أصبح كل شيءمحدداً بإرادته …. الآن صار بوسعي أن أدرك جيداً امتداد سطوته على غيرنا ،أمي وآمال وأنا ، في الوقت الذي أدهشني كيف يحصل ذلك من دون لفتة للوراء ” ( ص 9 و10) ، وفي هذا إدانة لموقف الأب عبد الغفور .

لقد بدا أن الهدوء كان ينشر جناحه على الأسرة ويؤكد صوت عبد الغفور ذلك ” ويلتم الشمل ،إذ لا أحد يهوى الانفراد بعزلته فالرابط أقوى ” ( ص74 ) لكن هذا الرابط ما لبث أن صار يضعف حتى آل إلى الانهيار بسبب خطأ صغير ، كان وراء انهيار العلاقة بين عبد الغفور وزوجته ليلى المعلمة التي كان قد تزوجها عن حب . وسواء كان ذلك الخطأ مقصوداً أو غير مقصود فقد اصبح من المتعذر تلافي ما يترتب عليه, كانت سعاد المترملة والموظفة في المصرف القريب من محل عبد الغفور لبيع الأدوات الاحتياطية للسيارات وهي صديقة ليلى وتعيش في الزقاق الذي تعيش فيه أسرتها ،قد أعطت عبد الغفور مظلة في يوم ممطر فكانت تلك المظلة مبعث شك ليلى لاسيما أن المظلة كانت بلون تستخدمه النساء ففتحت باب جهنم على العلاقة الزوجيةزادت في ذلك رائحة العطر الغريب التي شمتها في زوجها.وكانت سبباً في تدهور تلك العلاقة وانهيار صحة الزوجة . وكان حدس وشك الزوجة في محله فقد ارتبط الزوج بعلاقة مع سعاد من وراء ظهر زوجته ، ويلقي الزوج مسؤولية ذلك الانهيار على عاتق زوجته : يتهمها بأنها عزفت عنه من أول بذرة شك ، لكنه يتجاهل أنانيته واهماله لبيته : سفره ألى خارج العراق لوحده وغيابه المتكرر عن البيت واهماله لإبنه المراهق وقد ارتبط بعلاقة مشينة مع جارة لهم بعمر أمه وهي صديقة زوجته ، ونال الإهمال من ابنته آمال فأطاح بالآمال التي كانت معقودة عليها .

يدور جزء كبير من أحداث الرواية في ( عكد الأكراد )المتفرع من منطقة باب الشيخ حيث مزار الشيخ الكيلاني . ويكون لهذا المزار حضور واضح على المستوى الروحي،وهو المكان الذي توسع الروائي في تفصيله متناولاً طبيعة الواقع الإجتماعي للحي بشكل عام وللعكد بشكل خاص ( يذكّرناً الحديث عن هذا الزقاق بـرواية ” الرجع البعيد ” لفؤاد التكرلي مع الاختلاف في طبيعة الموضوع الذي تنتاوله كل منهما فموضوع “موت الأم ” خاص ” في حين أن موضوع ” الرجع البعيد “عام ” تناول حركة المقاومة التي كانت قد اندلعت في الحي نفسه في 8شباط 1963 ). لقد تمثلت نقطة التحول في طبيعة المكان في انتقال عبد الغفور للسكن في البيت الجديد الذي شيدته سعاد في حي الحارثية وقد تزوج منها ، مع الفارق الكبير بين حيه القديم والحي الجديد وما ترتب على ذلك من تحول في سلوكه .

نزعم أن حنون مجيد يتقمص شخصيتين من شخصيات الرواية في آنِ واحد : شخصية الأب عبد الغفور ببنيانه الجسدي وطبيعة سلوكه الهادىء وسعة علاقاته فيبدو في صورة كأنها مستنسخة عن صورة الروائي نفسه ، ثم شخصية الأبن رأفت وتنطوي على اشارات صريحة إلى الروائي نفسه،مثل ” لكن رأفت ، الذي سيصبح لاحقاً قاصاً ، فيدوّن الحكاية قصة قصيرة يعطيها عنوان ” قرار “ينشرها في إحدى صحف بغداد ثم يضمها إلى مجموعة قصص أخرى تصدر له في كتاب تحت عنوان ” الطائر ” ( ص 74) ، و” الطائر ” هو عنوان مجموعة حنون مجيد القصصية التي كانت قد صدرت عام 1990 .

ومع أن الرواية تركزت حول ما هو خاص في العلاقات الزوجية فأنها مرت بما هو عام على عجل. من خلال الإشارة إلى حدث سقوط ليلى من السلّم بعد أن أربكها مرور الطائرة المقاتلة ( في إشارة إلى الحرب ) ثم الاشارة إلى الحروب المتلاحقة واستخدام الرجال وقوداً لها وتكميم الصوت الحر واختفاء بعض الشباب مع اشارة مبتسرة إلى الارهاب.ولعل في مقدمة ما يحتسب لهذه الرواية لغتها التي بدا معها كأن حنون مجيد كتبها بأناة وصبر بإزميل تحات ماهر ينحت في الصخر !

المشـاهدات 607   تاريخ الإضافـة 20/04/2020   رقم المحتوى 6299
أضف تقييـم