الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
ازدهار المونودراما
ازدهار المونودراما
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

إلى ضفة أخرى يأخذنا أستاذ المسرح في جامعة الأسكندرية والمخرج جمال ياقوت، كأن يقول، إن أزمة كورونا خلَّفت مجموعة من القصص الإنسانية التي تتميز غالبيتها بالهم الذاتي، وإذا ما اتخذنا مثلاً موضوع الحجر الصحي سواء في المنازل أو المستشفيات، فإن الواقع المعيش كفيل بأن يقدم لنا آلاف القصص الحقيقية التي يمكن كتابتها مونودراميأً من دون أن تراودنا أحلام نقل الواقع بما يحمله من طاقة مشاعر وآلام وآمال إلى خشبة المسرح، هذا لن يحدث أبداً، فالواقع أكثر قسوة، وأشد إيلاماً، فإذا ما تخيلنا أحد الأشخاص المحجورين في غرفة انفرادية داخل منزله، وقد أصبحت صالة بيته التي يصول ويجول فيها طوال الوقت من المناطق المحظور عليه التوجه إليها؟ كذلك فإن جرس الباب يمكن أن يدق دون أن يملك الحق في التوجه للباب لفتحه، وسيكون لزاماً عليه أن يحافظ على مسافة تباعد بينه وبين الزوجة والأبناء. هل يمكن أن تتخيل لحظة أن تحضر إليه زوجته الطعام لتضعه على عتبة الغرفة؟ وكيف يمكن أن يقبل أو يفسر حركة نفور عفوية من ابنه أو ابنته، وماذا لو تواصلت عيناه مع عيني ابنه الذي يخاف من الأب، وماذا يرد على طفله الصغير الذي يطلب حضناً أو قبلة؟ وإذا راوده الحنين لأن يطبع قبلة على خد زوجته، لن يستطيع، وماذا لو كان هذا الرجل من الطبقة التي تأتي برزقها بشكل يومي، من أين يأتي المال كي يطعم الأبناء؟ ولو كانت الزوجة هي المحجورة، ستفكر في من يعتني بالزوج والأبناء، وأمور أخرى تخص ربة البيت، وأياً كان الشخص المعزول فإنه سيفكر في لحظة الموت الدانية، وسيقدم لنفسه كشف حساب طويلاً يخص علاقاته بالآخرين، كذلك يخص الحقوق والواجبات التي قام أو لم يقم بها. وإذا ما انتقلنا إلى الحجر الصحي في المستشفيات فإننا يمكن أن نشاهد الكثير من المواقف التي تتميز بمونودراميتها، فهي أحداث تقع هنا الآن لشخص واحد محبوس في غرفة وحيدأً لا يملك إلا الرهبة والأمل.هنا يمكن القول، يوضح جمال ياقوت، إن الأمر سينعش المدرسة التعبيرية التي تهتم بإبراز ما تعيشه الشخصية من آلام وآمال، وعن طريق تقنياتها، ومنها الحلم، يمكن أن ينتعش خيال المؤلفين ومن بعدهم المخرجين لتقديم نصوص تمثل علامات فارقة في تاريخ الكتابة للمونودراما. وتحضرني فكرة طارئة، مفادها أن أحد الأشخاص قرر أن ينهي حياته كي يتخلص من الألم والتوتر بعد أن تأكدت إصابته بكورونا. الأسباب تختلف من شخص لآخر، أحدهم مديون، الآخر لا يستطيع أن يتحمل الألم، آخر لا يقوى على الوفاء بالالتزامات، آخر تسببت كورونا في خسارته مبالغ طائلة ... الخ.وإذا كان هذا هو الواقع بما يحمله من حكايات تنعش المونودراما، فلنا أن نتخيل الحال، كما يقول جمال ياقوت، إذا أطلقنا العنان لخيال المؤلفين الذين سينطلقون من الواقع ويطورون حكاياتهم. الأمر لن يتوقف على كتابة نصوص جديدة، ولكن يمكن أن يعاد طرح نصوص قديمة برؤى "كورونية"، فأنا الآن مثلاً أعكف على إعادة كتابة نص "أضرار التبغ" لتشيخوف. ففي النص الأصلي يتحدث الرجل عن أضرار التدخين، فهل لنا أن نتخيل لو أن هذا الرجل مريض بعشق التدخين، وفي الوقت ذاته هو مريض بالوهم، وهو يجلس معزولاً في منزله في انتظار كورونا فقرر أن يتوقف عن التدخين الذي يعشقه وفشل في التخلص منه طوال حياته لأنه سيعجل بموته إن هو أصيب بكورونا.أتصور، يقول ياقوت، أن أزمة كرونا يمكن أن تحل أزمة المونودراما - انطلاقاً من حل أزمة النصوص الخاصة -  فهل يمكن أن نجد خلال شهور قليلة المكتبة المسرحية العالمية وقد تكدست بنصوص عظيمة تشجع المخرجين على الاهتمام بإخراج نصوص المونودراما، وهو ما يمكن أن ينعش الحركات الموازية مثل نقد المونودراما، والتنظير لها، وأخيراً التوسع في مهرجانات المونودراما على مستوى العالم؟ من الجائز جداً. لم لا؟

المشـاهدات 593   تاريخ الإضافـة 21/04/2020   رقم المحتوى 6348
أضف تقييـم