الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
كتابات رشا فاضل البرزخ بين الشعر والنثر
كتابات رشا فاضل البرزخ بين الشعر والنثر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علي الامارة
النـص :

يبدو ان رشا فاضل تريد ان تبقينا معلقين نحن قراءها - مثققي اخر زمن – في المنطقة الزئبقية الرجراجة بين الشعر والنثر قلا هي تكتب لنا نصا شعريا صريحا لنهيء له عيوننا و قلوبنا التاويلية وهي القادرة على ذلك من خلال المتوفر من كمية الشعر في كتاباتها ولا هي تتركنا نمشي ببراءتنا القرائية قي منطقة النثر بلا حذر من ان توخزنا اشواك الشعر المحيطة بوروده ورحيق ازهاره .. فهي مصرة على السباحة في فضاء اثيري بين هاتين المنطقتين لانها ترى – كما ارى – ان هذه المنطقة الكتابية هي الارض الحرام المزروعة بالغام الشعر والنثر ايضا .. واصرارها هذا جعلها تتيح لنا ولها منطقة سحرية تؤثثها بلمسات فنية من كل اجناس الكتابة فننسى نحن في أي حقل من الكتابة نمشي بل ننسى اننا نمشي .. !

لاننا سنحلق معها حين يميل نصها باتجاه التحليقات الشعرية او التصويرات المشهدية او الفلاش باك السينمائي او الدراما الواقعية المستمدة من واقع سحري لم يسمع به لا ماركيز ولا استورياس و لا كل كتاب امريكا اللاتينية ..!

فنرى رشا زاهدة بالشعر والتمتع بالوقوف تحت مظلة جمالياته .. ومتمردة على النثر وخارجة على حدوده و مواصفاته في آن واحد .. انها ترى ان الشعر ليس قادرا او كافيا على البوح بكل تفاصيل معاناتها وحنينها وخساراتها التي اقلها العمر...! والحلم الممتد من احضان الطفولة الى مخالب موت يداهمنا اقصد يداهمها في كل لحطة .. فتمتد كلماتها الى مساحات اخرى غير الشعر بحثا عن علاج كتابي ترمم به زمنها الذي هدتمه ايادي العذابات المتوالدة من رحم الاحداث والجراح المباغتة

اننا في زمن نريد ان نصرخ به لا ان نتفنن في صراخنا ..

ولكن الصراخ حين يطول يتحول الى انين ، والانين حين يطول يتحول الى اغنية ، وهكذا نتورط تدريجيا في الشعر ومسالكه الموحشة !

و ان رشا تترك انينها يختار شكله العفوي دون التدخل المتكلف في وضع مساحيق الكلام عليه فهي في كتابتها التي تطرحها على هيئة نصوص مثل ( موتانا ، صلاة عراقية ، خشخشة الحصى .. وشاطئ الحلم ، ) او حتى في النصوص العالية الشعرية فهي بالتاكيد قصائد مثل ( حين بكى فوق ظلاله ، الى عباس خضر .. الى مدافن الورد ، مدينة البقاء وغيرها .. ) لا تابه بالرسم الشكلي للقصيدة او توزيع سطورها واشطارها أي تشكيلها في فضاء الورقة البيضاء فهي تتركها تسبح في فضاء النص المنفتح على كل التاويلات والمسميات النصية فتترك للمتلقي حرية التسمية ليشاركها في كتابة النص وتسميته وتصنيفه او احالته على الاجناس الادبية المختلفة فاذا وقفنا مثلا عند نصها النشور في- الورشة – يوم 28 / 10 / 2006 المرسوم على بياض الصفحة بهيئة المقال لا بهيئة القصيدة التي تستدعي الفراغ الاكبر من الورقة نجد ان الشعرية تبدا بالانهمار علينا من السطور الاولى فنقرا ..

( وجلست عند ضفاف الشاطيء ارقب ملامح سخريته ..وهو يحكي لي تعاقب ألازمنة فوق مراياه )

ثم تتصاعد هذه الللغة الشعرية :

(ونستمع لحكاياه ونرتعش بردا حين يروي لنا حكاية المدينة التي قصوا ضفائرها وجاؤوا بها الى ملاهي الليل والبسوها ثوبا بمقاس خيبتها وعلموها ان تخلع ذاكرتها وتاريخ خضرتها الضاربة في اعماق المعرفة وارض الحكمة ..)

ولكن هذا النص الزاهد سرعان ما يمضي باتجاه مصيره الشعري ويكسر القيود التشكيلية التي بدا بها منذ بدايته على سطح الصفحة ليطالب كاتبه وقارئه ايضا بان يكتبه او يقراه على هيئة ابيات او اشطر شعرية .. وان يمنحه استحقاقه التشكيلي من فراغ الصفحة الذي سوف تملؤه مساحة التاويل ودلالات الشعر العميقة حيث ان سطح الصفحة لم يعد يتحمل ثقل النص فينغمر النص في عمق الصفحة فعلى القارئ اذن ان يتوغل الى الطبقات غير المرئية من الرؤية الكتابية ليكتشف اسرار النص حتى لو انغمر معه الى قاع الصفحة – و لا اقصد اسفلها طبعا – ليقرا :

كلانا يبحث عن ملامحه فوق مرايا الكلام...

نحمل الريح في صدورنا والسؤال في عتمة المشهد ..

نتساءل عن البيت الكبير..والعيد الكبير..والظل الطويل ..

نحمل راية الهزيمة في الكف ألمناظرة لحقائب الرحيل

استمع لأغنيتك واجهش بالسؤال : من يوقظ الغناء في الحناجر؟

من يخرس هذه الموسيقى الحزينة؟

واردد مع سليل الروح : اما لهذا الليل من آخر ؟

ظل قاتم يتكور فوق القلب..وانا الرائحة نحو وهم النجاة..وهم الانبعاث بثياب أجمل لا تفوح منها رائحة الحريق..

أنا ألعابرة فوق جثة الوطن بلا نشيج ..

انا تمثالك الاخر الذي يحلم فوق حصى الشاطئ ..بأجنحة تطير)

وهكذا تفعل في نصوص اخرى مثل نص ( موتانا ) الذي تعدد فيه وتحاور الموتى الغائبين في الزمن المهدور الحاضرين في اوراقنا واحداقنا واخطائنا ونبض ساعاتنا المعلقة على جدران الوهم فنرى النص او جزءا منه ينتفض على شكله فياخذ شكل الفضاء الفسيح الذي يليق بتخوم وجعه و لانهائيته فنقرا :

هالني الفراغ الذي اخذت اصابعي تتخبّط فيه ..!

تسرب التراب من ثقب صغير ..!

هكذا ضاعت المدن .. من ثقوب عيوبنا ..

وهكذا اخذنا نتسرب في هوّة الدماء حلما اثر آخر..

فلتغفري لي غيابي .. ولا تترقبيني عن سفوح قبرك بعد اليوم ..

.. انها تذكرني كامراة تكتب في حريق الزمن في النصوص النثرية منها بكتابات غادة السمان ولا سيما في كتابها ( لا بحر في بيروت ) ..

اننا نتوق بل نحتاج الى هكذا كتابة ولا سيما من النساء الشواعر لا كقراء فقط وانما كبشر بمارس الاحتراق اليومي .. ان الكتابة هذه المنبعثة من قلب الحريق تبلل مشاعرنا واحاسيسنا الملتهبة بالاحداث والاخبار التي تباغت ساعاتنا مثل حبل من النار ينزل من شاشة التلفزيون على قلوبنا المشاهدة نحن المشاهدين القابعين في قاعة الترقب والذهول .

المشـاهدات 779   تاريخ الإضافـة 26/04/2020   رقم المحتوى 6466
أضف تقييـم