السبت 2024/4/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 36.95 مئويـة
في ذكرى ميلادها الاغر صحافة العراق بين الآلآم والامال
في ذكرى ميلادها الاغر صحافة العراق بين الآلآم والامال
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.د.عبدالرزاق الدليمي
النـص :

رغم كل السحب السوداء التي تخيم على المشهد العراقي بكافة جوانبة ومااصاب العراق من جراح بعد احتلاله ورغم معاناة الشعب وآلامه المتفاقمة الا ان ثمة جانب لا زال المواطن العراقي يراهن عليه وهو ضمير الصحافة...وتاريخ العراق بعمقه يشهد ان الصحافة العراقية الوطنية الشريفة النزيهة في أحلك الظروف واقساها كانت تنحاز الى الشعب ولهذا لانجد غرابة في اتخاذ عدد لايستهان به من الصحافة مابعد الاحتلال تحاول ان تنهج موقفا نزيها مؤيدا لمطالب المواطن العراقي المغلوب على امره نتيجة تداعيات الاحتلال والفوضى الخلاقة التي كان الشعب العراقي للاسف احد أهم حقول تطبيقها.وكانت اولى مظاهر هذه الفوضى قد برزت بشكل واضح للجميع عبر اصدار كم هائل من الصحف بعد الاحتلال مباشرة حتى وصل عددها في تلك الفترات 265 صحيفة والملفت للانتباه عن عملية اصدار الصحف اصبحت متاحة لكل من هب ودب حيث تركها المحتلين بلا ضوابط ولا محددات بشكل مقصود لتضيع في اجوائها الوقائع وغابت عن نهارها شمس الحقيقة عما كان يحدث من خراب ودمار وسرقة وسلب ونهب ويبدو ان تأسيس سلطات  الاحتلال لبعض الواجهات لضبط ايقاع وسائل الاتصال لم يحد ولن يقلل من حجم الفوضى الاتصالية التي اصبحت سمة ملازمة لوسائل الاتصال بعد الاحتلال. ومن نافلة القول ان عدد من الصحافة التي صدرت بعد الاحتلال اطلقت لصحفييها العنان لكي يفضحوا سياسيي الصدفة التي فرضتهم علينا سلطات الاحتلال حتى اصبحت السخرية منهم متنفس حيث لاحظنا ان كثيرين من السياسيين والقادة الحكوميون يتعرضون الى تنكيل وسخرية مستمرة كنتيجة لتكرار وعودهم الكاذبة. (فما زال العراقيون يسخرون من تصريح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي - الذي فقد العراق بعهدته ثلث أراضيه لتنظيم "داعش" - الذي وعد فيه باستعادة السيطرة على الموصل خلال 24 ساعة، وذلك بعد سقوطها بيد التنظيم مباشرة. ولم ينجُ خلفُه العبادي من التعليقات الساخرة على تصريحاته التي ترفع شعار الضرب "بيد من حديد" أو وعوده بمحاسبة الفاسدين ومفاجأتهم، حتى طالت السخريةُ مشروع الترشيح الالكتروني على الوزارات، الذي ابتدعه عادل عبد المهدي بداية توليه رئاسة الوزراء في تشرين الاول / اكتوبر2018). ولا نعلم ان كانت هذه الصحافة ستواجة رئيس الوزراء الحالي بنفس هذا الاسلوب رغم ان الظاهر على سلوكه قدرته على التكتيك والتكنيك السياسي؟!! ورغم ان بعض الصحف التي اختارت لحد الان الاصطفاف مع مطالب الشعب لكنها تواجه التضيق والترهيب والترغيب من قبل احزاب السلطة واجهزتها القمعية. في وقت بدى فيه واضحا ان كثير من وزارات الدولة ودوائرها أرغمت موظفيها على التعهد بعدم المساس بالـدولة وبالرموز الوطنية والدينية للعراق المحتل سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تنافست بعض الجامعات بملاحقة طلبتها الذين ينتقدون الوضع العام في البلد الذي انعكس على الأداء الأكاديمي الرديء بعقوبات وصلت الى الفصل..

صحافة مكبّلة

(في 24 تشرين الاول/ اكتوبر2018، أصدرت "هيئة الاعلام والاتصالات العراقية" تعميماً وجهته الى وسائل الاعلام الناشطة في العراق كافة تحذر فيه من "المساس بالرموز الوطنية والدينية" وتهدد بمعاقبة المخالفين. أثار التوجيه امتعاضاً عاماً وتناقله العراقيون كبرهان على التضييق. للآن لم يُجب أحد على سؤال ماهية "الرموز الوطنية والدينية"، وفي هذا مجال كبير للتأويل. فتجربة النظام الكسيح ما بعد الاحتلال الامريكي لبغداد 2003 قام على أساس المحاصصة الطائفية، ولكل طائفة وفئة رموزها في السياسة والدين، فمن تعتبره طائفةٌ ما رمزاً، قد يمثل لطوائف أخرى خصماً.ومن مما يلاحظ  على النظام الذي فرضه الاحتلال ان وسائل الاعلام والمؤسسات الصحافية في العراق لم تحظى بالمساحة الكافية لاجراء التحقيقات الاستقصائية أو أن تتمكن من  الاجابة صحفياً على مايدور من كم كبير من الاسئلة المشروعة والمنطقية للشارع العراقي. فالنظام الذي بني من ورق في العراق يشيّد أسواراً بين الصحافي والمعلومة، وحاول المشرّع ؟!! استخدام عبارات مبهمة حول هذا الحق في دستورهم الملغوم. أما الحق في الحصول على المعلومات فما زال اوراق مسترخية في أدراج مجلس النواب رغم المطالبات بإقراره.

انتكاسة الصحافة في العراق

اعتبرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، عام 2019 عام انتكاسة صحفية في العراق جرّاء العنف والانتهاكات غير المسبوقة التي طالت المؤسسات الصحفية في البلاد، لافتة إلى أنها سجلت 373 حالة اعتداء بينها اغتيال وتهديدات بالتصفية الجسدية.وقالت الجمعية في تقريرها السنوي الصادر في 1 كانون الثاني/يناير وتابعه "ألترا عراق"، إن "عام 2019 شهد انتهاكات جسيمة في مجال حرية الصحافة في العراق، المكفولة دستوريًا، إذ سجل هذا العام انتهاكات غير مسبوقة، وإغلاق وتهديد وتكميم للأفواه بطريقة مباشرة ومعلنة، وارتفاع نسبي في عدد الانتهاكات الكلية".ولفتت إلى أنها "سجلت 373 حالة اعتداء طالت صحفيين، وشملت اغتيال وتهديد بالقتل والتصفية الجسدية، واختطاف، واعتقال، واحتجاز، واعتداء بالضرب، ومنع وعرقلة التغطية، ومصادرة معدات التصوير، وهجمات مسلحة طالت صحفيين ومؤسسات إعلامية، وإصابات للصحفيين، فضًلا عن إغلاق مؤسسات صحفية، في مختلف المدن العراقية".وأشارت إلى أن "معظم الحالات سُجلت ما بعد الأول من تشرين الأول، ومع لحظة اندلاع التظاهرات الاحتجاجية، شهد الفصل الأخير من العام 2019، أكبر عدد للاعتداءات في الفترات المماثلة منذ تغيير النظام، في عام 2003"، موضحةً أن "هذا يؤشر إلى محاولة لإسقاط السلطة الرابعة في البلد الذي يُحكم وفق النظام الديمقراطي".كما بيّن التقرير أن "الجمعية سجلت (210) حالات اعتداء بالضرب، ومنع وعرقلة التغطية وهذا ما يدعم رأي الجمعية بتضييق الخناق على الصحفيين/ات"، مبينةً أن "الانتهاكات توزع وفق المحافظات، فقد شهدت كل المحافظات العراقية أنواعًا من الانتهاكات ضد الصحفيين/ات وتتصدرها بغداد، حيث سجلت (109) حالة انتهاك، تليها البصرة بواقع (48) حالة، ثم الموصل بـ (44)، وهذا يعني أن المدن الرئيسة في العراق هي الأكثر تضييقًا وانتهاكًا لمبادئ الدستور الكافل لحرية العمل الصحفي، والسلطة الرابعة في البلاد".وأضافت الجمعية في تقريرها، أن "إجراءات الحكومة في عزل العراق عن العالم الخارجي، وإغلاق الجو العام، بعد قطع خدمة الإنترنت لأيامٍ عدة، خلال أيام التظاهرات في أغلب مدن العراق، عدا إقليم كردستان، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي لما يقارب الشهرين (تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفبمر)، يشكل هو الآخر، انتهاكًا صريحًا وفاضحًا للدستور، والمعايير، والمبادئ الديمقراطية، ولائحة حقوق الإنسان، ونقض للاتفاقيات والمعاهدات الدولية".

التفنّن بالقمع

جاءت احتجاجات الاول من تشرين 2019امتداداً لتظاهرات ساحة التحرير التي بدأت عام 2011 إبان حكم المالكي وقوبلت بقوة مفرطة، شهدت محافظات العراق الجنوبية صيف 2018 غضباً عارماً، بدأ في البصرة وجاء بعد سنوات سبقته من الاحتجاجات على انعدام الخدمات وتفشي الفساد. لم يُجدِ ترياق الوعود بالإصلاح مع البصريين فاستمروا بتظاهرتهم رافعين شعارات تهجو الطبقة السياسية وفسادها حتى باتت تهدد وجود العملية السياسية، فتحركت فوّهات بنادق الأجنحة المسلحة للأحزاب وتشكيلات الأمن نحو المتظاهرين العزّل، لتبدأ بذلك ما اعتقده المسؤولون الصفحة الأخيرة للاحتجاج، خصوصاً مع اشعال النار بمقار حكومية ودبلوماسية.ورغم أن كل ماحدث وما يزال يحدث فأن  لا أرقام دقيقة لضحايا القمع ،الا ان المهم في هذا الاطار هو استمرار الملاحقات لمن ينقل اخبار الاحتجاجات سيما من الصحفيين أو يدعو لها او يؤيدها حتى ان كثير من الصحفيين الوطنيين هربوا لكي ينشروا معلوماتهم او ارائهم الى مواقع التواصل الاجتماعي وفي خطوة تترجم عجز السلطات عن المعالجة، قامت بحظر مواقع التواصل الاجتماعي وايقاف خدمة الانترنت أيام الاحتجاج تجنباً لتفوّره أكثر وخروجه عن سيطرتها.في الوقت نفسه كان البغداديون يعيدون احياء ساحتهم، لا "التحرير"، بتظاهرات مؤيدة للبصريين، لكنها سرعان ما قُمعت. وفي تقريرها السنوي الذي يستعرض حالة حقوق الانسان في العراق، قالت منظمة العفو الدولية ان قوات الأمن في بغداد "قامت بالقبض التعسفي على المحتجين واحتجزتهم وتعرضت لهم بالضرب واستخدمت اجهزة الصعق الكهربائي واستجوبتهم وأرغمتهم على توقيع أوراق بدون الاطلاع على محتواها قبل اطلاق سراحهم".وقسّمت مؤسسة "دار الحرية freedom house" في تقريرها السنوي بلدانَ العالم الى ثلاثة أصناف (حرة، حرّة جزئياً، وغير حرّة بالمرّة) معتبرةً العراق، وفق ألاحداث من عام 2018 ، ونعتقد انها مستمرة حتى الان بلداً غير حر بالمرة!

الصحافة متهمة دائما

يعتقد البعض ان الصحفيين جماعة لا هم له غير انهم يشككون ويسخرون ويخربون وأنهم فئة غير عادلة ومنحازة ومؤذية ومزعجة، تضخم الأحداث وتثير العواطف، وتستغل الفرص لمصلحتها. فلا تحاول أن تفهم ما يقوله الناس لها، ولا تفسح لهم مجالا ليفهموها. وأن الصحافة تقسوا على من تريد، وتطري على من تريد، تسالم جماعة وتعادي آخرين، وأن الصحفيين فئة بلغت أنانيتهم حدا وصلت معه إلى عبادة ذاتها، ونسيان كل شيء آخر حتى وطنيتها.هكذا يصور بعض رجال السياسة الصحفيين، ويصفونهم بأصحاب الأقلام الرذيلة، كما وصفهم جورج براون وزير خارجية بريطانيا الأسبق، التي تعتبر أم الديمقراطية. وقال براون: إنها صحافة عاهرة، وأن ممارسيها أصحاب أقلام رذيلة.أما أدورد هيث رئيس وزراء بريطانيا الأسبق فأسماهم( رجال الورق) والحقيقة أن الصحفيين ليسوا قديسين، ففي هذه المهنة كما في أية مهنة أخرى تجد أصنافا مختلفة من الناس فهناك الشريف والنزيه والوطني وهناك خلافهم، الا ان شعار الصحافة الحقيقية كان وسيبقى هو(قل الحق دائما). فالصحافة هي المهنة الوحيدة التي لا يتسنى للصحفي الحقيقي فيها أن يرّفه عن نفسه لأنه عبد مهنته. فهي مهنة مرهقة وكل ما فيها بذل وتضحية وعطاء. وإذا كان رجال السياسة والسلك الدبلوماسي يريدون منها أن تتطور وتتقدم، فعليهم أن يفتحوا لها الطريق وأن يبدأوا بأنفسهم. فمن ينصّب نفسه إماماً بين الناس، عليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل غيره. ختاما نهنئ هيئة تحرير جريدة الدستور بذكرى انطلاقتها في 21 حزيران 2004 متمنين لهم ولصحيفتنا الغراء دوام التألق والتقدم كما لابد ان نقول سلاما لرجالات الصحافة الشرفاء في العراق في ذكرى عيد الصحافة داعين الله ان يوفقهم بجهودهم الكبيرة للدفاع عن حقوق وطموحات الشعب العراقي.

المشـاهدات 805   تاريخ الإضافـة 16/06/2020   رقم المحتوى 7352
أضف تقييـم