أضيف بواسـطة addustor

في ظل التراجع الكبير الذي تعرفه النصوص المسرحية عربيا فإن الكثير من المسرحيات بات يلتجئ إلى الاقتباس من الروايات بشكل خاص. لكن الاقتباس من الروايات لا يكون موفقا دائما، حيث أنّ هناك نوعا من الاستسهال أو سوء الاختيار أو عدم التعامل مع النص الأدبي بشكل جيد، وهو ما يخلّف أعمالا باهتة نصيّا.بات تحويل الكثير من الروايات الأكثر مبيعا في الأسواق إلى مسرحيات يتم تقديمها على مسارح الشباب، قضية جدلية في الأوساط الأدبية في ظل تراجع كبير لفن الكتابة المسرحية خلال الآونة الأخيرة.وبدت مسارح الشباب أكثر اعتمادا على الروايات الرائجة، لتستقي منها نصوصا تقوم بمسرحتها لجذب جمهور جديد، بعد انصراف كبير من الجمهور عن المسارح خلال السنوات الأخيرة.

تراجع فن المسرح

عرضت فرقة القاهرة “تياترو”، وهي فرقة شبابية على مسرح الهوسابير مسرحية بعنوان “وش البركة” من إخراج محمد فاروق، مأخوذة عن رواية “1919” للروائي والسيناريست أحمد مراد، لتقدم جانبا من أحداث الرواية، لكن بشكل كوميدي أكثر جذبا وبأداء مجموعة ممثلين جدد، أبرزهم باسل مالك، ومادونا مجدي، ومصطفى عبده، وتوقف العرض على المسرح بسبب كورونا، لكن تم نشرها على مواقع السوشيال ميديا حاليا لتلفت أنظار الجمهور الذي كان آخر عهده بالمسرحيات الجميلة قبل أكثر من عشر سنوات.قبلها عرضت فرقة مصرية شبابية أخرى، هي فرقة الحلم، مسرحية “نسيت كلمة السر” المأخوذة عن رواية بالاسم ذاته للروائي المصري حسن كمال، وصدرت قبل عامين عن دار الشروق بالقاهرة، ودخلت ضمن قوائم الروايات الأكثر مبيعا في ذلك العام.لم يقتصر الأمر على الروايات العربية الشائعة، وإنما امتد أيضا إلى روايات مترجمة شهدت رواجا مثل رواية “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة التركية إليف شافاق، حيث أعيدت كتابتها بواسطة ياسمين إمام وخيري الفخراني، وأخرجها عادل حسان لتقدم للجمهور كمسرحية تتناول سيرة شمس التبريزي، وجلال الرومي.يعكس هذا التوجه ضعفا شديدا يسود فن الكتابة المسرحية الذي فقد رونقه وخاصمه الجمهور نتيجة ضعف الأفكار وتكرار الموضوعات، فضلا عن تأثر المسرح نفسه، بمواقع التواصل وظهور “اليوتيوبيرز”، إلى جانب اتساع قبضة الرقابة الدينية والسياسية في الكثير من الدول العربية.وقد قال الدكتور جابر عصفور الناقد الأدبي، ووزير الثقافة المصري الأسبق في حوار سابق مع “العرب” إن فن المسرح تراجع بشدة خلال السنوات الأخيرة، لكنه لن يموت، وينتعش ذلك الفن باعتباره فنا مباشرا بالديمقراطية واتساع مساحات التعبير.تطرح الظاهرة تساؤلين مهمين، أولهما عما إذا كانت الروايات الأكثر مبيعا يمكن أن تكون طوق النجاة لإنقاذ فن المسرح وإحيائه بعد موت سريري طال سنوات، وثانيهما عما إن كان مثل هذا التوجه يمثل اعتداء على فن الرواية وتشويها لها.ويؤكد الروائي أحمد عبدالمجيد، صاحب روايات “ترنيمة سلام”، و”عشق”، و”التابع” صحة التساؤل الأول رغم كون فن المسرح هو أبوالفنون الأدبية، وهناك بالفعل انحسار واضح لذلك الفن على مدى العشرين عاما الماضية، وهو انحسار جاء نتيجة لأسباب مختلفة.ويضيف في حديثه لـ”العرب” أن هناك تصورات لدى بعض المسرحيين خاصة من جيل الشباب تتلخص في إمكانية استخدام الروايات الرائجة لإعادة تسليط الضوء على المسرح مرة أخرى.أما بالنسبة للتساؤل الثاني، فإن الكثير من الأدباء يرفضونه لأن كل فن له معاييره الخاصة لتقييم جودته، وأن أحدا لا يقول عن رواية مسرحية أو العكس، وإنما تبقى الرواية رواية والمسرحية مسرحية.وفي حديثه لـ”العرب” يلفت الروائي المصري حسن كمال، صاحب رواية “نسيت كلمة السر”، والتي تحولت إلى مسرحية، إلى أنه يمكن بناء مسرحية جيدة على رواية جيدة، لكن وفق شروط محددة تضمن أن تكون المسرحية في حد ذاتها عملا فنيا جديدا مقتبسا من الرواية الأصلية وليس تجسيدا مسرحيا للرواية.من هنا يمكن القول إن هناك كاتبا ثانيا للمسرحية المستوحاة وغالبا ما يركز على زاوية بعينها ويحاول تقديمها بشكل عميق ومركز.ويرى كمال أن التجربة كانت مقبولة بالنسبة إلى الشباب من طلبة الجامعة وتأثروا بالرواية وقرروا تحويلها إلى مسرحية تُعرض مباشرة للجمهور، لكنها بالطبع لا يمكن النظر إليها كعمل احترافي.

تماس فنون الأدب

تقول الأديبة المصرية صفاء النجار “هناك تماس بين كافة أنواع الأدب، ويمكن تحويل نصوص بعينها إلى أنواع مختلفة من الأدب، وتم تحويل كافة مسرحيات الكاتب البريطاني وليم شكسبير إلى أفلام سينمائية، وكثيرا ما تم تحويل روايات أو قصص قصيرة إلى مسرحيات أو مسلسلات تلفزيونية”.وتذكر لـ”العرب”، “يجب أن نعيد تقييم كل عمل وفق قواعد الفن المقدم من خلاله، وثمة روايات لنجيب محفوظ أعجبت الناس، لكنها لم تحظ بالنجاح المماثل عندما تم تحويلها إلى أفلام سينمائية”.وترى النجار أن الحذف أو الإضافة اللذين يطرآن على النص لتحويله لا يعتبران تشويها للنص الأصلي الذي يظل محفوظا كما هو في طبعته الروائية، وضربت المثل بمسرحية “قواعد العشق الأربعون” التي شهدت تقريبا كتابة جديدة مختلفة عن الرواية وكانت ناجحة جدا.ويقرّ الروائي السوداني حامد الناظر، والذي وصلت روايته “نبوءة السقا” إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية سنة 2016 أن مسرحة الروايات ليست خطأ، لأن النص في الأصل نص سردي له شروطه الفنية المتعلقة بعرضه على الخشبة للجمهور.ويشير لـ”العرب” إلى أن جميع الفنون السردية متصلة ببعضها من خلال خيط سري غير مرئي في أصلها المشترك يضمن المتعة والمعرفة والشعور بالجمال.في السياق ذاته، يقول الروائي أحمد القرملاوي، والحاصل على جائزة الشيخ زايد للشباب عام 2018، لـ”العرب”، “إنه لا ينبغي اعتبار أي تداخل أو تشابك لفن إبداعي مع فن آخر بمثابة تشويه، لأن هذا الوصف يخنق الإبداع ويصنع من الأفكار قوالب صماء غير قابلة للنمو أو التفاعل، ولكل فن طبيعته ومحدداته التي يُقيم من خلالها”.مع ذلك هناك من يرى أن التوسع في مسرحة الروايات يضعف الكتابة المسرحية على المدى البعيد، ويجعلها تابعة أو فرعية لكتابة الرواية، بحيث لا تُكتب مسرحيات جيدة إلا مستمدة من روايات ناجحة.كما أن كتابا كبارا كتبوا المسرحيات مباشرة وحققت نجاحا عظيما رغم أنهم سبق وكتبوا روايات جيدة، مثل توفيق الحكيم، الذي كتب مسرحيات لافتة مثل “السلطان الحائر” و”بنك القلق” وكتب من قبل روايته الشهيرة “يوميات نائب في الأرياف”.وربما كان دافعه لذلك إيمانه بوجود فوارق أكبر من الفوارق الشكلية بين الرواية والمسرحية، بمعنى أن هناك حكايات تحتاج إلى القالب المسرحي وأخرى إلى القالب الروائي، فضلا عن الاعتقاد بأن فن الكتابة المسرحية أقدر على الوصول إلى الجمهور، وأكثر حيوية من فن الرواية، وهنا  فإن إطلاق فكرة مسرحة الروايات يؤدي على المدى البعيد إلى عدم ظهور كتاب مسرح جدد.

مصطفى عبيد

المشـاهدات 756   تاريخ الإضافـة 16/06/2020 - 03:34   آخـر تحديـث 29/03/2024 - 05:00   رقم المحتوى 7370
جميـع الحقوق محفوظـة
© www.Addustor.com 2016