النـص : تتميز لغة الكاتب العراقي سلام إبراهيم في روايته الجديدة “رؤيا الغائب” عن دار المدى بدفقها وغزارتها، فالمفردات لديه لا تستنفذ معجمها، بل على العكس نشعر بسيل جارف من النعوت والتشابيه والكتابة. تبدو لنا في احتفال صاخب لمخيلة خصبة، أو في عرس مأساوي صارخ لما يختلج في قلب مجروح. أنه الأخ الغائب المقتول رميا بالرصاص، أو المذبوح، أنه الأخ الذي اختفى بإحدى السجون وتبدأ الرؤيا الهاذية خلال هذا الغياب المفجع. أنها الفجيعة في الهلوسة، في خربطة الخيال، أنها رؤيا العبث المجنون، ليس هو نهاية العبث الوجودي، ولا العبث السريالي، أنه فوضى العدم، لا جدوى الحياة. الموت هو العنصر الوحيد الموجود حقيقة وبقوة على صفحات الكتاب، في أسطر الرواية المتراصة الأجزاء، المتكاثرة الأطراف، المتولدة من ذاتها، والمنتهية وكأنها لم تنتهِ. موت الآخر هو المحور وهو الأسلوب، إذ يكتب “سلام إبراهيم” كأنه غائب بدوره، فلا المشهد حقيقي كلياً، ولا الشاهد على ما يجري نستطيع لمسه تماماً. فهنالك شعور لدى القارئ بوجود فجوة في مكان ما من الرؤية. الفجوة التي تحقق الهذيان في الرؤية، تحقق الحلم الكابوسي في الكتابة، الرؤيا التي تصطفي الأوقات لكي لا تبقى منها سوى عمقها وجحيمها. والعمل يكمن في تأثير كل هذا الخراب الجنوني في الروح وفي العقل.
عمق أوقات سلام إبراهيم الروائية هو انحرافها عن واقعها ومعقوليتها لتزول المعالم المألوفة في السرد ويخلق لنا الروائي مناخاً يجمع بين الواقع واللا واقع فيختلط المشهد في جو غني وذلك أصيل. لا يجوز لنا أن ننتظر من سلام إبراهيم تفاصيل إعتقالات وحرب ودمار.
يقدم الكاتب إلينا نمطا من السرد يبرز عبر الصفحات المشحونة توتراً وحزناً وألماً، وهو سرد مسرف، مفرط، غزير حيث المخيلة جياشة تدعمها لغة راغبة جارفة، لا تقول إلا لكي تبني أسلوباً، لا لكي تحكي لنا الحادث. يرتكز نص “سلام إبراهيم” في الدرجة الأولى على التقنية وعلى مادة هذه التقنية، إلا وهي شحنة الرؤية المعجونة في كمية هائلة من الأحاسيس والانفعالات. وكان هم سلام إبراهيم أن يخبرنا ألمه. لكن كل همه أن ينقل لنا هذا الألم عبر لغة أزهرها وأخصبها على طريقته.
|