الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
شرفات أسطورة الماء والنار في بعض الأعمال الروائية
شرفات أسطورة الماء والنار في بعض الأعمال الروائية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب محمد الحفري
النـص :

تأثير الأسطورة في الكثير من الأعمال الفنية والأدبية كالشعر والقصة والمسرح جلي وواضح وليس بحاجة لمن يثبته، والأسطورة قد يرتبط وجودها مع وجود الإنسان الأول، ولعل الخوف هو الذي أوجدها، الخوف من كل ما يحيط بالبشر «النار، الماء، العواصف، الأمطار» وغيرها، وهنا نخص الرواية، إذ استفاد الكثير من كتابها من هذا الأمر ليعبروا بها عن وجهة نظرهم أو الزاوية التي ينظرون من خلالها، ومهما كان النص الروائي فهو يحمل العديد من المقولات المهمة، وربما تكون بين سطوره مقولات أخرى هي أهم من مقولته الواضحة وهي متروكة كفراغات لقارئ عليه أن يكملها، وإذا كان للماء من قوة خفية كما يؤكد الكثير من الأساطير القديمة وكما الواقع حقيقة، فقد تماهى مع ذلك العديد من كتاب الرواية، وعلى رأسهم يأتي الروائي العالمي السوداني الطيب صالح في روايته الشهيرة الموسومة في «الهجرة إلى الشمال» وأعمال أخرى مثل «عرس الزين وضو البيت» وغيرها ويمتد إلى بعض قصصه «كدومة ود حامد» فنبع الخير والعطاء لتلك الأرض، وأقصد هنا النيل، يتحول أحيانا ً إلى خطر علينا مواجهته بشراسة تختلط بمهارة،لننجوا من حبائله، وهو ربما يتحول إلى خلاص لا مفر منه، إذ يدفع الكاتب ببعض أبطاله إلى جوف نهر النيل خلاصاً منهم ومصيراً محتوماً لهم، وأحياناً يكون ذلك زيادة وتنميقاً لبطولة البطل، وعموماً قد يكون هذا حلاً ماثلا ً أمام الروائي بشكل مباشر، أو حاضرا ً في مواجهة شخوصه وأبطاله وفما ًمفتوحاً على الموت أو مصائر أخرى كالضياع والتشرد وفقدان الذاكرة، وفي الجهة الأخرى من الشرق خاصة في سورية والعراق، يظهر الفرات جليا ًكمصدر للعطاء ومصدر للخطر، وهو في النهاية ليس ببعيد عن النيل، ولكل ماء أسطورته الخاصة وهذا ما يلاحظ في رواية «الهدس وحارس الماعز» لإبراهيم الخليل وفي «أدراج الطين» لإسماعيل الرفاعي وعند إبراهيم خريط في «نهر بلا شطآن» إذ يبدو الكاتب بروايته تلك وكأنه يؤرخ لنهر عظيم، والفرات بقوته قد أخذ من الأبناء ما أخذه النيل، والماء مهما كان ضحلاً وقليلاً له جماله وخطره في الآن ذاته، وله أيضاً هذه القدرة السحرية التي تسحبنا، أوربما تدفعنا لنتورط ونقع في المحظور، وهذا ما فعله الكاتب محمد فتحي المقداد في روايته الجميلة «دوامة الأوغاد» إذ قضى أكثر من طفل نحبه في مستنقع قريته الصغيرة وكأن ذلك المستنقع جزء من الدوامة الكبيرة التي تشبه الحياة، وقد نجد في رواية «جسر بنات يعقوب» للروائي حسن حميد ما يداعب ويتلاقى مع قوة الماء الخفية، إذا بنى يعقوب الغريب جسراً لا يمر من فوقه إلا من يدفع ثمن ذلك العبور، وبطبيعة الحال للنص دلالات أخرى، فقد جاء ذلك اليعقوب إلى المنطقة مسكيناً ومشرداً، ثم اشتدت شوكته يوما ً بعد آخر ولم يتوقع منه أحد من سكان المنطقة أن يأخذ منهم الإتاوة بالقوة ويستغلهم ولا يرد الجميل لمن فتحوا قلوبهم من أجله ..

ولقوة مياه البحر بما فيه من أرزاق وخيرات، ما هو أكثر خطراً من الأنهار التي تصب فيه، كما هو عند أسماء الزرعوني في «الجسد الراحل» على سبيل المثال، ولعل من برز في هذا المجال هو الروائي الكبير حنا مينه إذ يعد مختصاً في رواياته البحرية وهو أشهر من نار على علم، وخاصة في روايته المعروفة بالعاصفة والشراع، وإذا كان عبد الله بطل رواية الكاتب رشاد أبو شاور «الرب لم يسترح في اليوم السابع» قد وقف على ظهر السفينة «سولفرين» المغادرة من بيروت إلى تونس خائفاً من ذلك البحر الواسع المتلاطم الأمواج، ومن أسماك القرش التي تمرح في وسطه، فقد كان خائفاً أكثر من البارجة الأمريكية المرافقة لسفينتهم، والأخطر من ذلك وقد تكون تلك وجهة نظر الكاتب ذاته هو أبو الطيب ذاك الثوري المتخم بثورته كما يقول «النواب» والذي يلف قدمه بالجبس كذبا ً متحصلاً على الثراء بركوبه ظهر الثورة الفلسطينية، وعلى أية حال فللرواية مقولتها الفكرية والسياسية التي لا مجال لذكرها هنا، وما يهمنا أنها تطرقت وتوقفت عند المياه وقوتها التي تشكل رعباً في قلب الإنسان الذي يحسب في بعض الأحيان أن الخوف وحالاته قد يكون أصعب من الموت ذاته.

وما دامت الرواية والكتابة عموما ًبحثاً دائماً وقديماً عن التوازن والظمأ إلى الحقيقة والحرية والأمن فقد أوجد الكتاب ما يتمشى مع تلك الأساطير ولعل بعضهم، وهم قلائل بطبيعة الحال، من استخدم الأسطورة ذاتها كما فعل أيمن ناصر في رواية اللحاف لتتحول مع الوقت إلى نوع من العبودية، كحال بطل روايته مع أسطورة «الميدوزا» فحين يموت الأب يعود الابن إلى قناعة أبيه وتعامله مع تلك الأسطورة، وهذا ما فعلته أيضاً نجاح إبراهيم في رواية «إيمار» حين مزجت بين الميثولوجيا والواقع المعيش، وبقيت بطلتها تبحث عن تميمتها المفقودة أو المسروقة، وقد كانت باسمها منذ الولادة حين ذبح والدها الخراف فرحاً بقدومها، وقام الدكتور «باتريك» عالم الآثار بطلاء جدران المعبد بدم ذلك القربان ومن ثم العثور على التميمة وفقدانها ومن بعدها الأصدقاء.

وقد تعد النار هي القوة الأسطورية الخارقة التي قد تعادل الماء، وهي مصدر مهم من مصادر الطاقة وعبدت كما الشمس، وكان لها الكثير من المهابة والقداسة، وهي مرتبطة بالمعابد والصحراء والبراري وحتى بالقرب من المياه فبينهما صلة من الصعب فهمها بسهولة، وهذا ما قرأناه في رواية «مدينة الرياح» لموسى ولد إبنو حيث تبدو الصحراء بامتدادها الشاسع وحدودها اللامنتهية، بشمسها ونارها ورمالها الغادرة كمصائر لابد من أن يلقاها أبطال أعمال كثيرة،ولعل من كان الأشهر والأبرع في اقتناص الأسطورة واللعب عليها وتسخيرها لمصلحة النص، هو الروائي الشهير إبراهيم الكوني الذي كتب أعمالاً كثيرة نذكر منها «عشب الليل، الشرخ، التبر، نزيف الحجر، من أنت أيها الملاك، ناقة الله» وفي رباعيات الكسوف التي تتألف من «القمر، الواحة، أخبار الطوفان الثاني، نداء الوقواق» وهذا يمتد إلى قصصه ومنها «القفص، ديوان النثر» ولا نبالغ حين نقول: إن كل عمل من أعماله يستحق الكثير من الدراسة والتحليل، ومن الجدير ذكره أن الروائي باولو كويللو قد استخدم فكرة النار وأسطورتها في رواية «الألف» كما استخدمها وكثيراً في روايته الشهيرة «الخيميائي».. ونختم والحديث لم ينته بذكر رواية «أغنية الماء والنار» لعبد الله خليفة حيث حكاية ذاك السقّاء الفقير الذي سخرته السيدة ليحرق بيوت قومه وجماعته، ففيها مزج بين الضدين الماء والنار، لنقول: إن مجال الأسطورة وعلى كل الصعد شاسع لا يحد، ولو قمنا بجولة استعراضية سريعة، سنجد آلاف الكتب التي تختص بالأساطير ومن استفادوا منها في مجال الفن والأدب عموماً.

المشـاهدات 867   تاريخ الإضافـة 12/07/2020   رقم المحتوى 8090
أضف تقييـم