الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
البحث عن الفردوس ..ما بين الشاعر والناقد
البحث عن الفردوس ..ما بين الشاعر والناقد
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب هدى عبد الحر
النـص :

( شعرك العمودي جميل وبالغ الاحكام )  عبارة موجزة  للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد (1930-2015 ) قرأتها على غلاف المجموعة الشعرية  الأولى للشاعر مجيد ياسين( البحث عن الفردوس ) . ولأننا لن نعهد  أسلوب المجاملة واطلاق ألفاظ المحبة الباذخة والعبارات الفضفاضة طريقة متبعة في الاحكام النقدية على الأعمال الأدبية مهما كانت بسيطة أو عظيمة ومهما كان الحكم عليها سلبا او إيجابا ، ولا سيما عندما يكون هذا الحكم صادرا من شاعر بمكانة عبد الرزاق عبد الواحد...فقد استوقفتني هذه العبارة ..مثلما استوقفتني عبارة الناقد والاكاديمي الدكتور عبد الرضا علي : ( أنت والله شاعر كبير تتدفق الصور بين ثنايا أبياته على نحو مدهش يترك في المتلقي المتعة والانحياز إلى لغتك العالية الرائعة ) .ومن بوابة هذين القولين دخلت عالم مجيد ياسين الشعري إذ بدا لي أنهما علامات مضيئة صادرة من شاعر كبير ، و ناقد حصيف  ، على هذه المجموعة الشعرية المتكونة من اثنين وستين نصاً شعريا تراوحت بين الحر والعمودي والومضة وتضمنت موضوعات عديدة .و كان دافعي الأول هو الإجابة عن سؤال افترضته : (إلى أي مدى  تطابق الحكمين على المجموعة الشعرية ؟)  وبحثت أولا عن الشعر العمودي  أو ( شيء من العمود ) كما أسماه مجيد ياسين  لأن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ميزه عن بافي الأنواع  :  (شعرك العمودي ... )   وكان مستهل ذلك مقطوعة عنوانها ( نكهة اندلسية ):

 

خفف جفاك فقد اضر جفاكا                       اني وحقك لا اريد سواكا

 

يا صاحب اللحظ الذي زاد الجفاء              بسحره حتى غدا فتــــــاكا

 

لا ترمني بسهام لحظك فالهوى                 يكفي لقتلي قد جعلت فداكا

 

أوليس ظلماً أن تكون جريرتي                   أني بكل جوارحي أهواكا ؟

 

و أول ما أسجله على هذه المقطوعة أو القصيدة القصيرة هي لغتها المركزة المكثفة ، السهلة البسيطة مع التأشير على أن لغتها لا تنتمي إلى عصرنا فهي لغة عباسية أو أندلسية كما لمّح في العنوان على الرغم أن هذا لا يسوغ  أن تأتي اللغة جاهزة من عصر آخر من دون أن نلمح فيها روح العصر وتراكيبه .

 

وفي ( لحظ ولظى)

 

اجمل ما في النساء لحظ                   ففيه من سحرهن ومض

 

وخير ما في الحسان حوض               فهو لكل الرجال روض

 

رايتها ، مرة ، تــــــــــهادى               فهاج قلب وجن نبض

 

فليت ما احرقت فـؤادي بــه                بها من لظاه بـــــعض !

 

نجد المشكلة نفسها في استعارة لغة وروح عصر آخر على الرغم من رشاقة العبارة الشعرية والانسجام الواضح  في المفردات والموسيقى العالية التي  كلّلها حرف(الضاد) النادر والصعب في القوافي لكنها بقيت معان معادة ومكررة نجدها في المئات من نماذج شعرنا العربي الغزلي فلا دهشة جديدة نجدها هنا.

 

أما ( خيزلى)

 

فاتنات اعطافهــــــــــن طيوب                    وجـــميل لقاؤهن حبيب

 

بين لحظ يفيض سحرا وخد                     كل زهر الربى عليه يذوب

 

خيزلى مشيهن لو شئن اضحت               في خشوع بساطهن القلوب

 

فهو يكرس منهجه الشعري القائم على التقليد والمتابعة لنماذج الشعر العربي القديم من دون أن يشعرنا بتفرده أو شخصيته الواضحة ومثلها في قصيدة: ( طقوس)

 

أنت إن ما عشقت امرأة                          فاجعل القلب مهرها والهوى

 

فهي معبودة وانت لها                           ساجد والصلاة بنت الجوى

 

واستمع للشغاف ينبيك                         ان الخفق حق اذ الفؤاد نوى

 

لذا تترسخت لدينا قناعة لاشك فيها ولا ريب أننا إزاء شاعر يمتلك أدواته الشعرية ولكنه لا يمتلك التفرد  والظهور بشخصيته الشعرية المعاصرة فهو يلجأ إلى لغة أخرى وعصر  ومن هنا بدت عبارة عبد الرزاق عبد الواحد دقيقة ...إذ قال أنه شعر جميل وهو فعلا جميل وبالغ الاحكام ...ولكنه يدور في فلك الشعر العربي القديم ...هو شعر (جميل)  إذن  ..جميل فقط..!! أما مقولة عبد الرضا علي فلا تذهب بعيدا مع التأكيد أن لغة الشاعر لا تنتمي للعصر أبدا وإذا كان الشاعر والناقد  قد  قبلا بهذه اللغة فأنني أرى ومن باب التلقي المغاير أن (البحث عن الفردوس) وأن كان قد تكامل من حيث سلامة اللغة والأداء الشعري إلاّ  أنه بقي في دائرة التقليد  ..التقليد الجيد فقط.

 

المشـاهدات 856   تاريخ الإضافـة 25/07/2020   رقم المحتوى 8266
أضف تقييـم