الجمعة 2024/3/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
قضايا ثقافية الغناء العربي تحت سطوة  العولمة المالية
قضايا ثقافية الغناء العربي تحت سطوة  العولمة المالية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب تحسين عباس
النـص :

التجرد عن كل غرض سوى الغرض الفني في النقد هو من يضع كلام قائله في مرتبة التاريخ فالموضوعية في تناول المادة الفنية والتحليل العلمي لتداعيات الزمن هو من يضع الحدث للتاريخ فلا وجود للتاريخ من دون حدث، أما التلميع الذي يقوم به النقد المنحاز في تقييم الأغنية أو المقطوعة على أساس صداقة أو عداوة لفنان معين قطعاً لا ينمو في أديم الفكر.  فقد نرى في وقتنا الحالي دولاً استغلت الوضع النفسي الذي عاشه الفنان في وطنه الأم،فراحت توفر له العيش الرغيد وسبل الشهرة التجارية على القنوات الفضائية وما إلى ذلك من توفير المستلزمات الصحافية في ترويج الأغنية إعلامياً من خلال النقاد والبث الفضائي  وكان مقابل ذلك كلِّه أن يغني المطرب الأغنية باللهجة الدارجة لذلك البلد؛ ويُستثنى من غنى بغير لهجته طوعاً منه في حب جمهورهِ. وأما من كان مشهوراً اكتفت بإغرائهِ بالأموال التي تفوق التوقع، فمثل هذا الترويج اثـّر وبنسبة كبيرة في تقدم العمل الفني حيث أصبح التفكير الأساس في كيفية إعلاء لهجة ما على باقي اللهجات، هو الغاية المنشودة‏ أو نقول : أنها عولمة الفن إن صح التعبير، فهي من  جعلت المطرب يلتجئ إليها لما يتمتع من يمارسها بمقدرة ٍ إعلامية من خلال المستوى الاقتصادي ، ولو استقصينا تاريخ هذه الدول لوجدنا أن السبب الرئيسي لمزاولة هذه الطريقة هو افتقارها للإرث الحضاري  فأخذت تروج للهجتها دون أن تخطط لبناء ملامحَ فنية  في أرضها تنبع من تدبر وإدراك مسبق.  ولو استعرضنا الكتابة الفنية التي تحتويها خزانة التقييم الفني عن الشعوب الأخرى ولاسيما المجتمع الأوربي لوجدنا لها منهجاً جاداً في النقد والتاريخ الموسيقي .فالنقد الذي ارتقى إلى مرتبة التاريخ، هو ذلك النقد الذي اعتنى بمبدأ معالجة الحدث لا العلاقة الشخصية ليحلل هذا الحدث، في دراسة دقيقة للعمل الموسيقي في مكوناته البنيوية والاجتماعية والتعبيرية ومدى علاقة المكونات بالمجتمع الذي نشأ فيه هذا الفن.  أما عن تاريخ الموسيقى العربية فالأمثلة حافلة بالمفارقات الغريبة ولا تحصى في هذا المجال وحتى لا يتحول المقال إلى ساحة للتأويل ، سأتناول الحقبة الزمنية التي عاشها الفن المصري في ثلاثينيات القرن المنصرم.  فالصحف المصرية الفنية والسياسية آنذاك كثيراً ما كانت تضمُّ اسماً شائعاً تناوله الصحافيون الفنيون باعتناء ، هو منصور عوض، في المرحلة التي كانوا فيها يتغافلون عن إطراء اسم لموسيقي آخر، اسمه سيد درويش، وذلك لان منصور عوض كان مديراً فنياً في شركة «بيضافون» فغدت حاجة التقرب منه مسألة ضرورية في نظر الصحافة ومصالح الجريدة أو المجلة.  أما التقرب من سيد درويش، فليس إلا تعبئة فنية لصفحات النشر بين موسم وآخر ولا تستدعي شيئا من التملق . والشيء بالشيء يذكر أن لمنصور عوض فضلاً  لا ينكر في الحيز الفني من خلال موقعه الذي كان يحتله، لكن أين هو اليوم من ذكر الشيخ  سيد درويش ؟ فعند انقضاء الزمن وانتقال الفنانين إلى دنيا الحقيقة حتما ستزول كل المصالح والصداقة والعداوة ، وما  سيبقى من نقد اليوم هو ذلك الذي ابتعد عن الشخص،واقترب من الموضوع  أليست هذه المفردة (الموضوع) هي مضرب المثل: الموضوعية؟ أ وليست الموضوعية هي الضمان الأمثل لمعرفة القيمة التي نبحث عن قياسها الصحيح، حين نكتب في النقد الموسيقي؟ لقد اهتمت أهم المؤلفات النقدية الأوروبية على الخصوص: بالشكل والمضمون وتطور الفكر الموسيقي وعناصر النسيج الموسيقي في العمل. كذلك عالجت مدى تداخل هذه المؤلفات الموسيقية بالتاريخ القومي والمزاج العام، وتطور الآلة الموسيقية وأثر هذا التطور في أسلوب التأليف .وحين تناولت حياة الموسيقيين وسيرهم، فإنما أخذت بها  من باب أثرها في ولادة الحدث الموسيقى الجديد ، لا من باب ترويض الكتابة الفنية أو من باب تحقير موسيقيّ ما على حساب تمجيد آخر. وفي كثير من الحالات كان للقلم الجاد في نقد الموسيقى، أثر واضح في ترقية التربية الموسيقية، لأن المؤرخين الجادين استطاعوا أن يكشفوا في هذه السيرة أو تلك، سر نبوغ يتبلور من العوامل البيئية في تربية معينة، آتت نتاجاً مثمراً.

المشـاهدات 679   تاريخ الإضافـة 26/07/2020   رقم المحتوى 8291
أضف تقييـم