الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
الحُرَّاس الخالدون.. مُستنقع أفكار
الحُرَّاس الخالدون.. مُستنقع أفكار
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب عبد المنعم أديب
النـص :

يتساءل البعض عن كيف يحمل الفيلم السينمائيّ الأفكار إلى عقول مُشاهديه في حالة الأفلام الجادة وذات الدراميَّة العالية لا يستوجب هذا السؤال جُهدًا في الإجابة عنه أو إعطاء أمثلة. لكنَّ الأمر يحتاج لتوضيح وضرب أمثلة في الأفلام كُلَّما بدا ظاهرُها أنَّها سطحيَّة تجاريَّة وحسب، بل بعيدة كلَّ البُعد عن الجدّ وإدراك الأهداف. إنَّ سوء هذه الأفلام أنَّنا نظنّ أنَّها لا تحمل لنا شيئًا فنشاهدها بتقبُّل لكنَّها في حقيقة الأمر تحمل الكثير ممَّا تسرِّبه لنا شيئًا فشيئًا وصولاً إلى إعطائنا الجرعة الكاملة.فيلم “الحرس القديم” الذي طرحتْه شبكة “نتفلكس” منذ أيام وتصدَّر المشاهدة فيها، وأعطتْه ترجمة “الحُرَّاس الخالدون” مثال بارز للغاية وفرصة جيِّدة لنتأمل جميعًا كيف تتسرَّب لنا الأفكار من خلال الوسيط الفيلميّ -الترفيهيّ منه خاصةً- دون أن ندري، وبكل أريحيَّة.يدور الفيلم الذي أخرجته “جينا برينث” في إطار خياليّ عن أربعة من المحاربين هُم: آندي، بوكر، جو، نيكي. كونهم محاربين هو شيء عاديّ، لكنَّ غير العاديّ أنَّهم خالدون كما وصفوا أنفسهم في الفيلم كثيرًا. والأصحّ أنْ يقال إنهم ذوو أعمار طويلة أو بالغة الطول؛ وسرّ هذا هو قدرة أجسادهم على الاستشفاء من أيَّة جروح أو إصابات مهما كانت بالغة. لكنْ يأتي عليهم وقت تتدهور فيهم هذه الخاصيَّة ويكونون قابلين للموت كالبقيَّة. ويكمن سرّ ضعفهم في أنْ يحبسوا ليعيشوا خالدين في قُمقُم كما الجنيّ الذي يُحبس في زجاجة أو مصباح في القصص القديمة.هؤلاء المحاربون وقائدتهم “نيكي” (تشارليز ثيرون) ظلوا يحاربون مع الخير طوال مئات السنين. والآن تجمَّعوا في دولة “المغرب” للقاء أحد عملاء الحكومة الأمريكيَّة الذي يبلغهم بضرورة تحرير أطفال مدرسة مُختطفين في “السودان”. ورغم إحساس القائدة بعدم جدوى ما يفعلونه على سير الشرّ في العالم وتعاظُمه تضطرّ لقبول المهمة بعد رؤيتها لصورة الأطفال. ويكتشف الجميع أنَّ الأمر خدعة لتصوير قدرتهم لأحد أكبر شركات تطوير الدواء، التي تحاول بدورها الانقضاض على تجارب البحث هذه كفرصة عُمر لن تتكرر. وتتعقد الأجواء مُصاحبةً لعِلمهم أنَّ هناك شابة سمراء البشرة مُجنَّدة في الجيش الأمريكيّ “نايل” تمتلك الهبة نفسها. فماذا سيحدث في الصراع بين جميع الأطراف؟هذا هو إطار الأحداث الذي خلقه الفيلم في تصنيف إثارة وحركة. وكل هذا لا يمثل مشكلة ففي النظرة الأولى قد يبدو فيلمًا عاديًّا جدًّا كالفيلم الذي طرحتْه الشركة نفسها ” Extraction ” (الإجلاء أو عمليَّة الإجلاء) قبل شهرين فكلاهما من التصنيف ذاته وكلاهما فيلم تجاريّ وكلاهما فيلم قد يضعه بعض عاشقي السينما الحقيقيَّة تحت تصنيف “تافه”، ويضعون عليه ختم “مُهمَل”. لكنْ هناك فارق بين الفيلمين أنَّ فيلم الإجلاء فيلم بالغ التميز الفنيّ وبالمقارنة بينهما لا يعد “الحرَّاس الخالدون” فيلمًا أصلاً، أو على تقدير مُتلطِّف به مجرد فيلم. بالرغم من أنَّ كليهما قد تأثَّر بفيلم “جون ويك”. وعلى صعيد المعاني والقِيَم لمْ يقدم “الإجلاء” نفسه إلا على أنَّه فيلم مغامرة وحركة وحسب، لمْ يدَّعِ شيئًا ولا طلب منك شيئًا -باستثناء ترسيخ قِيَم العُنف. أمَّا فيلمنا هذا فقد رسَّخ الكثير من المعاني والقِيَم وأودعها عقول المُشاهدين.وقبل عرض عينة من معاني الفيلم أنوِّه إلى أنَّ الفيلم مُنهار داخليًّا وبه الكثير من الفجوات. وباختصار يُسمَّى ما وقع فيه الفيلم بنائيًّا بـ “تداعي المنطق الداخليّ للعمل الفنيّ”. فلكُلِّ عمل فنيّ منطق هو يصنعه بمُجرَّد البدء فيه ونسج خيوطه، والأهمّ من بعض العيوب الأقلّ قدحًا في العمل هو ألا يقع في المشكلة العُظمى وهي انهدام منطق العمل وتناقضه. بالقطع الفيلم خياليّ وهو نفسه قد أسَّس لقوانين الخيال لكنَّه قد ترك فراغات عظمى جعلتْ البناء منهارًا.أهمها أنَّه لمْ يضع قواعد أصلاً لبنائه فعندما قدَّم فكرة شخوصه لمْ يُبرِّرها ليكمل عمله -حتى شكليًّا- بل اكتفى فقط بأنهم هكذا! مما سمح له بعد ذلك -ولأهداف تخدم قصته- بتغيير فكرة الخلود إلى العُمر الطويل، ولا أحد يعرف أيضًا لماذا ينتهي عُمرهم، كما لمْ يعرف أحد لماذا هُم هكذا. وهذا ليس تجنِّيًا على الفيلم لأنَّه يتصل هذا بأحد الأفكار في الفيلم وهو إنكار الإله. وهذه الشابة المُجنَّدة في جيش مُحارب عاشتْ طوال عُمرها ولمْ تدرِ بأنَّ جروحها وكسورها تُجبر آليًّا إلا عندما قررتْ المخرجة هذا!! .. وعلى سبيل الأحداث عندما هاجمتْ القوة الكنسية لتأخذهم لإجراء التجارب عليهم أخذتْ اثنين “جو ونيكي” وتركتْ الثالث “بوكر” بحُجَّة أنَّه مصاب رغم أنَّهم أتوا لاختطاف أناس قادرة على الاستشفاء!! وهذا بالقطع لأنَّه سيحتاج الاثنين خاصةً في معنى سيأتي لذلك أخذهما وترك الثالث. هذه مجرد أمثلة من البناء الكُلِّيّ وبعض الأحداث الجزئيَّة على تداعي المنطق الداخليّ للعمل.أمَّا المعاني فهذا الفيلم المُنهار التجاريّ قد أتى بعدد من المعاني لا تليق بحجمه الكُلِّي. أوّلها وثانيها جاءا في حوار بين البطلة والشابة المُجنَّدة؛ حين قالتْ لها البطلة بالنصّ: “ليس لأيّ شيء معنى على أيَّة حال”. والثاني هو إنكارها وجود إله في الكون. ولعلَّ المُشاهد يسأل لِمَ نأتِ بمثل هذه الجُمل الرنانة ونحن لمْ نبرِّر حتى السياق الدراميّ للعمل كُليًّا. وبالأحرى لعلَّ المُشاهد عرف أنَّ الفيلم قد برَّر عدم وجود أيّ مُبرِّر؛ لأنَّ الفيلم أراد أنْ يُصدِّر لنا أنَّه لا معنى هناك أصلاً، وأيضًا لا إله في الكون. إذن فما فائدة وجود تبرير لأيّ شيء وليس هناك معنى وليس هناك مُدبِّر؟!

 

المشـاهدات 1090   تاريخ الإضافـة 26/07/2020   رقم المحتوى 8310
أضف تقييـم