الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
عبد الحميد بوشناق نوبة شاعريّة ‎بين التّريو المسرحيّ والسّينمائيّ والتّلفزيونيّ
عبد الحميد بوشناق نوبة شاعريّة ‎بين التّريو المسرحيّ والسّينمائيّ والتّلفزيونيّ
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

‎بين شاعرية المضامين وإحترافية التّقنيات يجمع عبد الحميد بوشناق ثلّة أصيلة وأخرى متجدّدة من رجالات المسرح والسّينما في مسلسل تلفزيوني تمتدّ ظلاله إلى عرض نوبة على مسرح قرطاج العرض الّذي مزج نمط الأغنية الصّوفية الملتزمة وآلات المزود الشّعبي استوحى منه المخرج ذكرى فنّيّة مخلّدة في أذهان الذّائقة التّونسيّة بين نوبة الرّقصات وإيقاع الآلات ونسق الأغاني ورفرفة الأعلام وروائح البخور الّتي أضفت على اللّوحة الفنّية لمسة من ذات الفنّان. ‎لوحة اجتمعت فيها كلّ الحواس في مشهديّة تبدو في ظاهرها تقليديّة للمتفرّج ا ولكنّها تختزن في أعماقها  الكثير من الدلالات، لوحة استباح فيها المخرج عشقه للحياة ليصيّر عنوان نوبته "عشّاق الدّنيا" والّذي اعتبر أنّ لكلّ فنّان نوبته وعشقه وابداعه لم يوثّق عبد الحميد بوشناق لنوبة 1991 بقدر ما أضفى البعد الدّرامي وقد أشرف بنفسه على السيّناريو الّذي أراد   من خلاله أن يدلق عليه فلسفته المتشبّعة بحضارته الأصيلة وثقافة السّينما الهوليوديّة، إذ ارتكز الجينيريك على صوتي الفنّانين لطفي بوشناق والهادي حبّوبة إثنان من أعمدة الفنّ الغنائي التّونسي مع خلفيّة موسيقى المزود الشّعبيّة الّتي سرعان ما ترتجف لها الأجسام لحظة سماعه.نجح بوشناق في نقل الإطار الزمكاني بأمانة الفنّان العضوي وبجمالية الصّورة للمدينة العتيقة وبحنين جارف للموروث الشّعبي والّتي زادها السيناريو بنائيّة على مستوى الأفعال ومسارات الشّخصيّات بتعابيرهم الموغلة بالأحاسيس وما تأتّى منها من تناقضات جمعت بين الجدّ والهزل وبين اليأس والأمل وبين العجز والقوّة وبين الكره والمحبّة لتضع النّظم الإجتماعيّة والمعايير الأخلاقيّة محلّ استفهام هذا وتؤثّث عناصر الحبكة الدرامية وتشبع تعطّش المتفرّج غير أنّ المخرج قد تلاعب بعاملي الإثارة والغموض ما زاد الفرجة تشويقا وإمتاعا بين التقطيع التّصويري للمشاهد والتّقاطع النّسقي بين الصّوت والصّورة.أمّا على مستوى الأداء التّمثيلي فقد تألّق فتحي الهدّاوي الّذي تقمّص دور شخصيّة مركّبة تجمع بين الأب العطوف ودور المخنّث الّذي كسر فيه الفنّان الصّورة النّمطيّة لهذا النّموذج الإجتماعي سيّما وأنّ المساحة التمثيلية قد فسحت له المجال ليتفنّن على مستوى الإيماءات والتّعابير السيميائيّة الّتي تميّزه عن ذويه ناهيك عن اللحظات الأدائيّة المرتجلة الّتي تضفي صدقا وتعاطفا مع شخصيّة "رضا دندي" أمّا بالنّسبة إلى القدير كمال التّواتي الّذي عُرف بمسيرة مسرحيّة زاخرة بأعمال فنّية كان رائدها بين الكوميديا والدّراما فقد لعب "دوربراداريس" شخصيّة تجمع بين دماثة الرّيفي الصّارم على غير ما دأب عليه المتفرّج دورا يجمع بين العنف والخشونة وعصبيّة الأبوّة الجارفة بالمشاعر.قد يكون لفضاء التّياترو الفضل الأكبر على وجوه مسرحيّة شابّة تتلمذت على يد المخرج المسرحي والمؤسّس توفيق الجبالي شأن "ياسمين الدّيماسي" و"هالة عيّاد" و"عزيز الجبالي" وحتّى "عبد الحميد بوشناق" نفسه الّذي صرّح في أكثر من مناسبة بتأثير الجبالي على المستوى الأدائي لخرّيجي معهد التّياترو على غرار مسرحيين قديرين شأن "البحري الرّحالي" و"المهذبي الهميلي" وغيرهم الّذين يبدون مرونة وسلاسة على مستوى التّعابير والحركات المسرحيّة في الإنتقال من مشهد إلى آخر.أبدى بوشناق جرأة في الطّرح وفي التّعاطي مع القضايا النفسيّة السوسيولوجيّة وأظهر وعيا بمزج ذوي المواهب بذوي الخبرات لتبرز الحرفيّة في الأداء مع إنتقائيّة في الأدوار بين النماذج الفنّية المعروضة وقد اهتمّ بعمليّتي تركيب المونتاج والميكساج مع توليف موسيقى صنعت تريو سينمائيّ مسرحيّ تلفزيونيّ عرّى من خلاله عبد الحميد بوشناق الواقع بما فيه من قضايا إنسانية سواء على مستوى المحتوى المعروض أو حتّى على مستوى الشّبكة العلائقيّة للمخرج مع بقيّة الفريق والّتي ظهرت صور تضامنهم في كل مراحل العمل أجمع النّقاد والذّائقة الفنّيّة على تميّز عرض "نوبة" دلالة وأداء في جزئيه المتتاليين فتفرّد بوشناق في عرض مثل هذا التّمازج الحلو بين فنون مختلفة بطرائق متجدّدة ولا متناهية بيّنت نبغه وولعه بأعماله الّتي بدأت فكرة آمن بها وخطّط من أجلها إلى أن باتت مشروعا واضحا وقائم الذّات، إذ أنّ التّميّز في إنشاء أثر فنّيّ ليس بالجديد على عبد الحميد بوشناق فقد ارتاد إخراج أوّل فيلم رعب في تونس "دشرة" الّذي لاقى بدوره تشجيعا وإعجابا من النّقاد والمختصّين في الفنّ السّابع وتهافتا على قاعات السّينما أيّام مهرجان قرطاج السّينمائيّة إلى أن أضحى معروض في منصّة عالميّة ''نيتفليكس'' لما فيه من تكامل في بناء الأحداث وربط علاقات بين الممثلين بما يقتضيه السيناريو من ضرورة لتصعيد سيرورة الأحداث وخلق حميميّة مع المتفرّج الّذي طالما أبدى بوشناق الخصوصيّة التّونسيّة في عمله حيث راهن كعادته بوجوه شابّة رافقوه بعدها في مسلسل "نوبة" ولما لا تكون هاذين التّجربتين الفنّيّتين عتبة صلبة ليخوض الفنّان مشواره ويرسم ملامح كينونته في خضمّ مخاضه الأنثروبولوجي بين نشأته الوجوديّة ومطامحه الغائيّة.

المشـاهدات 866   تاريخ الإضافـة 27/07/2020   رقم المحتوى 8326
أضف تقييـم