الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 31.95 مئويـة
الربط الخليجي, هل سيحل أزمة الكهرباء في العراق ؟
الربط الخليجي, هل سيحل أزمة الكهرباء في العراق ؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. كوفند شيرواني
النـص :

يعيش عراق اليوم مجموعة من الأزمات تبدأ بالماء والكهرباء والصحة والتعليم والخدمات, ولاتنتهي بالأقتصاد والفقر والبطالة والأمن والسياسة. حيث لا يوجد, وللأسف, مجال من مجالات الحياة في العراق لم تطله الأزمات والمشاكل. ومن أكثر الأزمات ايلاما و وقعا على حياة المواطنين, أزمة نقص الطاقة الكهربائية والتي تتمثل في هبوط كبير في إمدادات الكهرباء من محطات التوليد والتي تبلغ قدرتها الحالية 13,000 ميجاوات/ساعة, فيما تبلغ الحاجة المحلية 23,000 ميجاوات, ترتفع في فصل الصيف (موسم الذروة) إلى 26,000 ميجاوات. ‏ويعني ذلك وجود نقص أو عجز لا يقل عن 10,000 ميجاوات. ولمعالجة هذا النقص, قامت الحكومة العراقية باستيراد الطاقة الكهربائية من الجارة إيران وبواقع 1200 ميجاوات, ترسل عبر أربع منافذ حدودية, اضافة الى استيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي لتشغيل محطات كهربائية تنتج 3000 ميجاوات. وبذلك يكون مجموع الطاقة المستوردة من إيران حوالي 4200 ميجاوات, ‏ويصبح العجز المتبقي 5800 ميجاوات والذي يشكل نسبة 25% من الحاجة الفعلية للكهرباء. وبحسب هذه الأرقام, وبصرف النظر عن الضائعات من الطاقة والتجاوزات على الشبكات الكهربائية, فإن الطاقة المجهزة للمواطنين والمؤسسات العمومية والاهلية يفترض أن تكون بحدود 75% أي تغطي نحو 18 ساعة يوميا. لكن واقع الحال ليس كذلك, فالكهرباء المجهزة للمواطن لاتتجاوز, في أحسن الأحوال, ‏12 ساعة يوميا ,وفي بعض المناطق تكون أقل من ذلك بكثير!!

‏التعاون العراقي-السعودي في مجالات الطاقة

الحكومة العراقية الجديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي, تدرك أهمية الطاقة الكهربائية وتأثيرها على حياة المواطن ومعيشته, فأبتعثت لذلك السيد وزير المالية عبد الامير علاوي إلى المملكة السعودية يوم 22‏/5‏/2020 ,أي بعد أسبوعين فقط من مباشرة الحكومة أعمالها, وذلك للتباحث والأتفاق حول التعاون في مجالات الكهرباء والطاقة. وتمحورالاتفاق بين الطرفين على ثلاث جوانب :

* ‏تفعيل الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج : انشأت هيئة الربط الكهربائي لدول الخليج في ديسمبر من العام 2001 , ووقع العراق اتفاقية ربطه بشبكة كهرباء دول الخليج في شهر نيسان من عام 2019. هذا يعني, أن مشروع الربط الكهربائي هو تفعيل لاتفاق موقع سابقا. وفي الزيارة الأخيرة للكاظمي الى أميركا والتي بدأت في الثامن عشر من شهر آب الجاري, شجعت الأدارة الأمريكية العراق على المضي قدما بمشروع الربط الخليجي وأعلنت دعمها الكامل له.

* ‏تطوير أسواق الطاقة, ويقصد به التعاون في المجال النفطي وتنسيق سياسات الإنتاج والتصدير وغيرها.

* ‏الاستثمار والمشاركة في مشاريع توليد ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية التقليدية والمتجددة.

الاتفاق يشكل بداية مرحلة جديدة من التعاون بين العراق والجارة السعودية اثراستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في شهر ديسمبر 2015, وسيرسخ ذلك عودة العراق فعليا إلى الوسط العربي والخليجي واستعادة مكانته الطبيعية فيهما.وقد تجاوز حجم التجارة السعودية مع العراق مليار دولار في العامين 2018 و 2019, ومن المتوقع ان تتضاعف في العام الحالي والأعوام اللاحقة بعد أن خصصت المملكة مليارات الدولارات لتطوير وتحسين المنافذ الحدودية البرية مع العراق. وستكون لهذا الأتفاق المزايا التالية:

* ‏الجدوى الاقتصادية: سيتيح استيراد الكهرباء من دول الخليج للعراق توفير مبالغ كبيرة, فالطاقة المستوردة من الخليج تقل تكلفتها الى الثلث مقارنة بقيمة الكهرباء المستوردة من إيران. كما أن هذا الاتفاق هو مجزي كذلك لدول الخليج والتي يتوفر لديها فائض من الطاقة, لا يمكن تخزينه بطبيعة الحال, يمكن توريده الى الدول المجاورة مثل العراق و يغطي بشكل كامل العجز في الطاقة الكهربائية في العراق.

* العراق لن يتمكن من المضي في استيراد الطاقة (الكهرباء والغاز الطبيعي) من ايران بعد انقضاء الأستثناء الممنوح له لمدة 120 يوما تنتهي قبل نهاية العام الحالي, وذلك بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران والتي تحظر على سائر الدول شراء الطاقة منها. وبحال عدم ألأمتثال لذلك, سيقع العراق وأقتصاده تحت طائلة عقوبات أميركية يصعب احتمالها. فالطاقة التي ستورد من الخليج, ستمثل البديل الأقتصادي الأمثل لسد النقص الحاصل عن قطع امدادات الطاقة من ايران.

* ‏الاستثمار في مجالات الطاقة: الاتفاق يفتح مجالات جديدة ومتميزة للتعاون مع المملكة, وتشمل الاستثمار في مشاريع الطاقة الكهربائية (الانتاج والنقل والتوزيع). والمعروف ان مشكلة الكهرباء في العراق لا تقتصر على التوليد (الأنتاج) و تدني القدرات التوليدية للمحطات الحالية, فشبكات التوزيع والنقل هي الأخرى متهالكة وتتطلب تحديثا وصيانة وصرف مبالغ إضافية تقدر بمليارات الدولارات يتعذر تأمينها في ظل الأزمة الأقتصادية الراهنة في العراق. وهنا تكمن أهمية استقطاب الاستثمارات أو المشاركات الاجنبية ‏في تطوير هذه الجوانب من ملف الكهرباء في العراق.

* ‏مصادر الطاقة المتجددة: أكملت المملكة السعودية في نهاية العام 2019, وبالتعاون مع خبرات أجنبية, انشاء محطة ضخمة للطاقة الشمسية الكهروضوئية (أي توليد الكهرباء من ضوء الشمس) في منطقة الجوف وبقدرة تصل الى 300 ميجاوات وهي طاقة متجددة ونظيفة, كما خططت لأقامة 12 مشروعا للطاقة الشمسية خلال الأعوام الأربع القادمة. ويمكن للعراق الاستفادة من نقل الخبرات السعودية في هذا المجال وأنشاء محطات مماثلة في العراق, حيث أن بيئة ومناخ العراق مواتية ومثالية لمثل هذه المشاريع. ‏وهذا التوجه نحو الطاقة المتجددة, سلكته من قبل دول عربية أخرى مثل المغرب ومصر والإمارات العربية المتحدة حيث أنشأت جميعها محطات كبيرة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية.

* ‏التعاون في مجال الغاز الطبيعي, حيث عرضت السعودية في وقت سابق كذلك توريد الغاز إلى العراق و بأسعار تنافسية, وكذلك امكانية الحصول على قرض مالي يسعى العراق اليه وقدره عدة مليارات من الدولارات. هذا القرض سيمكن, في حال الحصول عليه, وزارة المالية العراقية من تجاوز ألأزمة الحالية للرواتب وإلى نهاية العام الحالي على أقل تقدير.

‏الأنجاز المصري في توفير الكهرباء

افتتحت مصر في منتصف العام الحالي ثلاث محطات عملاقة للطاقة الكهربائية تعمل بالغاز الطبيعي أنشأتها شركة سيمنز الألمانية الشهيرة وبقدرات انتاجية يقارب مجموعها 15,000 ميجاوات وبكلفة اجمالية بلغت حوالي 7 مليارات دولار للمحطات الثلاثة مجتمعة ونفذت خلال 18 شهرا فقط. وأنجزت مصر بذلك ‏حلا جذريا لمشاكل الكهرباء المتراكمة لسنوات, مع توفير فائض من الطاقة أتفقت على تصدير بعضه إلى الأردن وبكلفة متدنية تبلغ حوالي ثلاث سنتات للكيلووات الواحد. وتسربت أنباء عن طرح عرض مصري على العراق للأنضمام الى الشبكة ذاتها وبنفس التكلفة, ألا ان الحكومة العراقية لم تتجاوب آنذاك مع هذا العرض !! السؤال الذي سيتبادر الى ألأذهان, اذا كانت مصر قد أفلحت في حسم معضلة الكهرباء بموازنة 7 مليارات دولار خلال سنة ونصف فقط, فما سبب اخفاق العراق في حل نفس المعضلة على مدى 17 عاما رغم أنفاق أكثر من 50 مليار دولار على قطاع الكهرباء ؟ ألأجابة جاءت صريحة في خطاب لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجهه الى الشعب العراقي يوم 27/7/2020  وصف فيها أزمة الكهرباء الراهنة بأنها نتاج (سنوات طويلة من التخريب والفساد وسوء الأدارة, ولا حل لها في يوم وليلة).  

‏احدث أجراءات الحكومة العراقية في مجال الطاقة والغاز

تعمل أغلب المحطات القديمة للطاقة بوقود الجازويل (زيت الغاز) أوالنفط الثقيل, الأ أن ألمحطات الحديثة بدأت بالتحول إلى وقود الغاز الطبيعي وبعضها إلى الطاقة النووية. وبالحديث عن الغاز الطبيعي, فرغم الاحتياطي الضخم من الغاز الطبيعي في العراق (حولي 126 تريليون قدم مكعب) الا أن محاولات استثماره بشكل اقتصادي وعلمي لا تزال متواضعة جدا في العراق. ففي الوقت الذي يحرق ويضيع ما مجموع 18 مليار متر مكعب ‏من الغاز الطبيعي سنويا, تستورد الدولة نحو 17 مليارمتر مكعب من الغاز من إيران من أجل تشغيل محطات الكهرباء في محافظات شرق البلاد. ‏وقد بدأت وزارة النفط  العراقية وبمعاونة شركة شيل العالمية بعدة مشاريع لتجميع الغاز, وأفلحت من تجميع قرابة 50 مليون متر مكعب من غاز حقول نفط الجنوب كمرحلة اولى. وكشفت الوزارةعن خطة لتجميع قرابة 10 مليارمتر مكعب من الغاز سنويا. ‏وعند اكتمال هذه المشاريع, ستنتفي الحاجة لاستيراد الغاز الطبيعي من خارج العراق, وستتمكن الدولة من استغلال الغاز في تشغيل محطات الطاقة الحالية والمستقبلية .واثناء زيارته الى الولايات المتحدة في شهر آب الجاري, وقع الوفد العراقي عقدين مع عملاق الطاقة, شركة جنرال اليكتريك, لتأهيل بعض محطات الطاقة الكهربائية وتحسين شبكات النقل والتوزيع. هذا اضافة الى عقد وقعته وزارة الكهرباء في العام 2019  مع شركة سيمنز الألمانية لأغراض مماثلة. وفي شهر تموزالفائت، أعلنت وزراة الكهرباء العراقية اكتمال 80% من التزاماتها تجاه الأتفاقية التي وقعتها مع هيئة الربط الخليجية. وفي المرحلة الاولى من هذه الاتفاقية, سيتم تزويد البصرة بـ 500 ميجاوات من الكويت عن طريق المحطات التحويلية في الفاو. وصرح السفير العراقي في السعودية بان الربط الخليجي سينهي أزمة الكهرباء في العراق في عام واحد.كما أفادت مصادر دبلوماسية أن التحضيرات جارية للزيارة المؤجلة للسيد الكاظمي الى المملكة, ويعول المراقبون على هذه الزيارة في اعطاء الزخم لمشروع الربط الكهربائي ومشاريع اخرى واعدة في مجالات الطاقة والتجارة. ‏أن الأخفاقات المتراكمة وتفشي الفساد والمحسوبية في إدارة العديد من مفاصل الدولة العراقية لم تقتصر على قطاع الكهرباء والطاقة وحسب, بل وطغت على سائر القطاعات الاقتصادية الأخرى. وذلك مرده عدم وجود رؤية اقتصادية واضحة تجسدها خطط علمية قابلة للتطبيق والرقابة كفيلة بأن تحيل الفشل المستمر في ادارة الدولة إلى نجاح دائم يخدم الوطن والمواطن. ان بلدا كالعراق حرارة صيفه تفوق 50 درجة مئوية, تصبح الكهرباء فيه ضرورة لاتقل شأنا عن الماء والهواء والغذاء, ضرورة تدفع الشباب للاحتجاج والخروج من أجلها الى ساحات وشوارع بغداد ومدن العراق في تظاهرات لا تزال ساخنة منذ أشهر لم تهدئها حرارة الصيف الملتهب ولا غدر الوباء ولا هراوات الشرطة والعسكر.

المشـاهدات 927   تاريخ الإضافـة 04/09/2020   رقم المحتوى 8570
أضف تقييـم