الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
الانتقال المجازي من الصورة إلى التخييل مقاربات بنيويّة
الانتقال المجازي من الصورة إلى التخييل مقاربات بنيويّة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب فيصل خرتش
النـص :

في كتابه «الانتقال المجازي من الصورة إلى التخييل»، منشورات «الهيئة العامة السورية للكتاب»، وترجمة زبيدة القاضي، يحاول الناقد الفرنسي البنيوي «جيرار جونيت» أن يعود إلى مصطلح الانتقال المجازي الذي ينتمي إلى حقل البلاغة الكلاسيكية، ويسعى في كتابه هذا أن يستغل الممارسة اللغوية في المجالات المتنوعة كالأدب والرسم والمسرح والسينما، فتخيلات جونيت وتفسيراته وتأويلاته تسمح بتجديد العلاقة التي تنشأ بين الشخصية- الشخصيات والنصّ، بين القارئ والنصّ، وعلى ذلك يمكننا أن نفهم بشكل أفضل طبيعة هذه المقاربة النقدية الجديدة له. 

من إحدى حالات الانتقال المجازي تلك الحالة الخاصة التي يطلق عليها اسم «الانتقال المجازي للكتب» ومجالها يمتد إلى العديد من الصيغ الأخرى للانتهاك المجازي أو التخييلي لعتبة التجسيد

إنّ قصة (إقامة أوليس عند بوليفيم، ورحلات السندباد) تنتج عن تجسيد سردي تقوم به شخصية في القصة الإطار، وعتبة هذا الإدراج هي تجاوز لعتبة هذا التجسيد، لقد وصف هذا التجاوز بأنه شبه تابع للعالم التخييلي للقصة، وبوساطته يقوم الراوي الأول بأخذ مكان راوٍ ثانٍ وكأنه يقول له: «قم من هنا سأحل مكانك». هذه المواربة السردية الخارقة، هي «الانتقال المجازي»، ومما لا شك فيه أننا نجد الاستخدام الأكثر لهذا النمط من «الانتقال المجازي» في ممارسات الرواية الجديدة، والتخييل في نهاية المطاف ليس سوى صورة مأخوذة حرفياً ومعالجة كحدث فعلي، و «الانتقال المجازي» يتحقق من عالم السرد الروائي إلى السيرة الذاتية للكاتب خارج عالم السرد. ومن هذه السيرة الذاتية إلى عالم سرد روائي آخر، ثم عودة إلى عالم السرد الأول والانتقال المفاجئ من الشخصية التخييلية إلى الممثل الإنسان الذي يواصل الكلام، أو بالحركات والإيماءات مع جمهوره الواقعي على خشبة المسرح، هذا الانتقال المجازي لم يعد يدهش المشاهد المدرب، وأثناء عرض المسرحية يكيّف انتباهه مع تصرفات الشخصية تارة، ومع كفاءة الممثل تارة أخرى، وسريعاً مع الجانبين معاً؛ في إحالة إلى تعريف الشخصية التي تجسدها له.

ألا تتمكن شخصية تخييلية مسرحية أو سينمائية من مغادرة عالمها التخييلي للتدخل إلى عالم صالة العرض (أي العالم الواقعي) إلا في سباق التخييلي يسمح لهذا الانتقال الخارق، فتلك استحالة لا تمنع مطلقاً ممثل مسرح أو سينما من القيام بهذا التمرين. إنّ الصيغة المجازية التي يمثلها فيلم «وردة القاهرة القرمزية» تضع على المحك العلاقة بين العالم الواقعي لصالة العرض، والعالم التخييلي للميتا سرد السينمائي « الفيلم»، وتشارك السينما مع المسرح في مناسبة مجازية أخرى يجهلها التخييل السردي، وتتمثل في قدرتهما على جعل الممثل أو الممثلة يقوم بأداء عدّة أدوار، كما في المسرح، والسينما، حيث الشبيه ليس سوى الممثل نفسه، إنها مناسبة مجازية، لأن التباس المجازي الذي تحتمه الأدوار المزدوجة لا يتطلب سوى تجاوز مقدمة المسرح أو الشاشة، وجر المشاهدين أنفسهم إلى هذا الدور.

إن هذه المؤثرات في التحريك التخييلي، ليست حديثة العهد، إذ نجدها مستخدمة في النشيد رقم /18/ من الإلياذة، في الوصف الشهير لدرع آخيل، يمكن هذا الفرق لا أهمية له، إنه مرهون بالزمن، ليس فقط لأن الدرع موصوف بمقدار ما ينتجه (هيفايستوس) بل لأن «لوحة» ما مجسدة كهذه، هي في الواقع مشهد تبعث فيه الحياة في الشخصيات، فتتحرك وتتصرف، وتسمع صيحاتها وأقوالها وصوت موسيقاها، والتعبير عن مشاعرها، إنّ الدرس الذي تقترحه كل هذه المتاهات السردية والوصفية والمسرحية والسينمائية، استخلصه أحد مهندسيه الحاذقين، لماذا نحن قلقون، الآن البطاقة مدرجة بالبطاقة، وان ألف ليلة وليلة داخل كتاب ألف ليلة وليلة، وان «دون كيشوت» قارئ كتاب «دون كيشوت» وهاملت مشاهد لمسرحية هاملت.

أعتقد أنني وجدت السبب: إن قلباً كهذا يشير إلى أن شخصيات تخييل، ما إذا كان بوسعها أن تصبح قراء ومشاهدين، فيمكننا، نحن قراءهم ومشاهديهم، أن نصبح شخصيات تخييلية، قد نكون حملنا بلا رويّة صورة بسيطة أكثر مما تحتمل أو يخطر بباله، لكن هل يعلم أحدنا حقاً ما يخطر ببال الصورة ؟

تجدر الإشارة إلى أن جيرار جونيت، قد أنجز مجموعة من الكتب النقدية المهمة، فيما يتعلّق بالبنيوية والتناص، مثل «الأشكال»، و«خطاب الحكاية»، و«من البنيوية إلى الشعرية» بمشاركة رولان بارت.

المشـاهدات 844   تاريخ الإضافـة 30/09/2020   رقم المحتوى 8624
أضف تقييـم