تسعى الصحافة الاستقصائية الى بروز الدور الريادي للصحافة بشكل عام, فمهمتها الاولى تكمن في تسليط الضوء على مشاكل الناس و كشف ما خلف الكواليس وعرضه للرأي العام, لذلك تسعى شبكة " اعلاميون من اجل صحافة استقصائية عربية(اريج)"  التي اسست عام 2007, الى تطوير خبرات الصحفيين وانماء مهاراتهم في استقصاء الحوادث والجرائم , و في خطى ذلك اصدرت دليلها(على درب الحقيقة) الذي اعتبرته اول دليل ارشادي تفاعلي للصحفي المتقصي في العالم العربي.

يوضح الدليل هدف صحافة الاستقصاء الاحترافية التي لا تتعلق بالبحث عن النجومية او الثأر او الابتزاز, وانما تكشف المستور وتوثق قضايا المجتمع على امل انتباه الجهات المتسببة للتجاوزات سواء كانت قاصدة او مهملة, وتحقيق اركان السلطة الرابعة التي تقوم على اساس العدالة والشفافية وترسيخ مبدأ المساءلة. تتكون المهمة المركزية للعمل الاستقصائي المنطلق  حسب منظور شبكة(اريج) والتي تكمن في رواية قصة مكتملة الاركان تكشف قضية عامة لها مساس بحياة الناس, وذلك من خلال تطوير فرضية قابلة للنفي او التأكيد بعد جمع معلومات تتحول في المحصلة الى حقائق ساطعة لا لبس فيها وتسمى "التحقيق القائم على فرضية". ويطرح الدليل السؤال الاتي :ما هي صحافة الاستقصاء؟ كيف تعمل ولماذا يتحتم علينا خوضها؟ يجيب على السؤال د. مارك هنتر استاذ الاعلام والصحافة الاستقصائية في جامعتي باريس وانسياد والمشرف على اعداد هذا الدليل, يقول: صحافة الاستقصاء ليست تغطية عادية لخبر ما بل هي اعمق من ذلك ولا يزال القراء والصحفيون غير متفقين على تحديد هوية صحافة الاستقصاء بعد مرور 35 عاما على فضيحة ووترغيت التي انهت الحياة السياسية للرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون عام 1974. ومن مهام صحافة الاستقصاء كشف امور خفية للجمهور, امور اما اخفاها عمدا مسؤول في السلطة او اختفت صدفة خلف ركام من المعلومات, ويتطلب الاستقصاء استخدام مصادر معلومات ووثائق سرية وعلنية التي تساعد في ارساء الركيزة الاولى للقصة.

يضع الدليل مقارنة توضح الفارق بين الصحافة التقليدية وصحافة الاستقصاء من حيث(البحث/العلاقات بالمصدر/ النتائج) فمن ناحية البحث,فالصحافة التقليدية تجمع المعلومات وتنشرها يومياً او اسبوعياً او شهرياً على عكس صحافة الاستقصاء التي لا تتمكن من نشر المعلومات الا اذا تم التأكد من اكتمالها وترابطها. وايضا سرعة اكتمال البحث في التقليدية على عكس الاستقصاء الذي يستمر فيه البحث واحتمالية تواصله بعد النشر لحين التثبت من القصة. اما من ناحية العلاقات بالمصدر ففي الصحافة التقليدية تكون الثقة بالمصدر مفترضة وفي الاغلب دون التحقق منها, بينما تفترض صحافة الاستقصاء عدم الثقة بالمصدر معللة ذلك ان يقوم المصدر بتقديم معلومات مزيفة او مضللة ولا يستطاع استخدامها دون التحقق منها, تقدم المصادر الرسمية المعلومات للصحفي مجانا لتعزز دورها وتروج لأهدافها. فيما تخفى المعلومات عن الصحفي المتقصي لأن كشفها قد يعرض مصالح السلطات او المؤسسات للخطر. تتمحور النتائج في الصحافة التقليدية في عدم رغبة الصحفي في الوصول الى نتائج ابعد من مجرد اخبار الجمهور بموضوعه. في حين يرفض  الصحفي المتقصي  قبول العالم كما هو, فهدف القصة اختراق وضع معين او تعريته كي يصلحه او يدينه وفي حالات معينة يعرض مثالا نحو طريق افضل.

في اطار استراتيجيته في اختيار القصة, يقدم الدليل مجموعة من الطرق التي تمهد لاستقاء  قصة تصلح لأن تكون استقصاءً, منها مراقبة وسائل الاعلام والانتباه لما يتغير في بيئتك والاستماع الى شكوى الناس واخيرا, عدم البحث عن افعال سيئة فقط. في اثر  ذلك تأتي مرحلة بلورة الفكرة وصياغة الفرضيات والتي تعتبر (جوهر الاسلوب الاستقصائي) وفي سياق الفرضية تتم طرح اسئلة محددة يجب الاجابة عليها لمعرفة ان كانت معقولة ام لا, ويحدث هذا خلال عملية تقطع فيها الفرضية الى محاور واجزاء حتى يتسنى الاجابة على الادعاءات المحددة المتعلقة بكل محور (تأكيداً او نفياً).بعد تلك الخطوة تأتي مرحلة الاعداد للعمل بتحديد مصادر المعلومات ووضع خارطة طريق من حيث الترتيب وسهولة الحصول عليها والتعامل بشكل دقيق مع المصادر البشرية التي تعتبر معلوماتهم اكثر اثارة. ولضمان نجاح القصة يجب تنظيم استخدام المعلومات المتمثلة بالوثائق وانشاء قاعدة بيانات تسهل عملية البحث ومراجعتها دون عقبات. اما المرحلة الاخيرة فهي كيفية كتابة الاستقصاءات متعمدة على تبلور الاسلوب وترتيب الاحداث والدقة في نقل الاحصائيات وعدم الخوض في ما يدعو الى الرتابة والملل .

لا يقتصر الدليل على التحقيق الاستقصائي المقروء. بل يقدم شروح متعددة حول بناء التحقيق المتلفز التي تتمحور اسهل الياته حول استخدام تعليق صوتي مواكب مع توفير تصوير فديو سريع الى جانب عدد من المقابلات لتضمينها في الداخل. في سياق ما ورد, يستعرض الدليل فن الموجهة واجراء المقابلات وكيفية التحضير والاعداد لها. بالإضافة الى التطرق الى فقرة مهمة  وهي مقومات الثقافة القانونية للإعلاميين التي ترتكز على عدة معايير يوصي الدليل الالتزام بها, منها توثيق المعلومات ومراعاة الدقة في نشرها والالتزام بحق الرد وعدم نشر اخبار غامضة او مبالغ فيها. وفي سياق ما مضى, يسعى الدليل الى ترسيخ اخلاقيات المهنة في وجدان الصحفي المتقصيمنبهتاً اياه بأن لا يكذب ولا يسرق وثائق من مكتب موظف او مسؤول وان لا ينتحل شخصية غير كونه صحفي, ولا يجب ان يدفع اموال بغية الحصول على المعلومات الخاصة من الموظفين, ولا يسجل او يصور بدون اذن او يتجسس على معلومات الاخرين.

الدليل يتكون من مقدمة واربعة عشر فصلاً بواقع 218 صفحة وقد طبع بدعم من منظمة يونسكو-باريس. في المملكة الاردنية