الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 23.95 مئويـة
إشارة الوسط الثقافي ..والاشاعة
إشارة الوسط الثقافي ..والاشاعة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منذر عبد الحر
النـص :

قال لي محدّثي , وهو شخصيّة ثقافية ذات حضور طيّب في الوسط الثقافي  , بعد أن أعطيت ُ رأيي الموضوعي حول شاعر اشتهر وكبر اسمه دون عطاء فنيّ وشعريّ يستحق شهرته الكبيرة , وهناك ظروف معينة ساهمت في انطلاق اسمه وبالتالي إشاعة فكرة أهميته الشعرية , محدثي قال : لا تحكم على الآخرين بهذه الطريقة , فالشاعر الفلاني شاعر كبير معروف وله أعمال خالدة , قلت ُ له وما هي هذه الأعمال الخالدة , فلنناقشها معا ؟ قال لي أنا لا أعرف شيئا عنها , أو لا أتذكرها الآن , ولكنه بشهادة نقاد معروفين شاعر له مكانته , قلت له : هل حفظت له بيتا أو جملة أو أي قول مؤثر ؟ قال لي : لا فأنا لست معنيا بالشعر كثيرا ! , قلت ُ له : أنا سأذكر لك أهم أعماله , وأهم ما قاله من قصائد , وسأحيلها إلى أعمال كتبت قبل كتابته لما سأشير إليه , وهذا يعني أنه تعكز على آخرين وبنى شهرته وتواصله بأساليب لا تمت للثقافة أو الشعر بأيّة صلة ! .. صمت محدّثي , وذكرت ُ له أعمال الشاعر الذي عنيته , وقرأت له شيئا من شعره وأعدته إلى التجارب التي سبقته , فما كان من محدّثي إلا أن واجه الموضوع بابتسامة محرجة وقال وهو يهز يده : إذن نحن مخدوعون به , بل العالم وضعه في مكان لا يستحقه ! .

 وهكذا , الكثير من آرائنا الثقافيّة بنيت على الاشاعة , فهذا كاتب كبير , لأنه أشيع عنه ذلك , وتحدّث عنه فلان الفلاني , أما أعماله ومنجزه فهو أمر مفروغ منه ولا داعي لبناء الحكم النقدي والثقافي على أساسه , أما فلان الفلاني فلأنه بعيد عن المجاملات والجلسات الخاصة التي تتم فيها تقسيم الأهميات وإشاعة الرأي البعيد عن الدقة والموضوعيّة , لذلك كبرت تجارب هزيلة , وصغرت تجارب رائعة فذة وأصاب أصحابها الاحباط , وكلّ ذلك بالاشاعة , فالبعض مثل محدثي حسم الأمور وكأنها بديهيات , فالأسماء الأدبية والثقافية المهمة هي ما اتفق على تداولها دون النظر إلى طبيعة المنجز والنوع والتأثير على المتلقّي  والقيمة الفنية التي ميّزت هذا الاسم عن غيره .

إن ثقافة الاشاعة ليست جديدة على وسطنا الثقافي والأدبي , فأنا أذكر أن أحد متعاطي ثقافة الاشاعة , قلت ُ له مرة مازحا أنني قرأت الرواية الأخيرة لغابرييل غارسيا ماركيز وهي تتحدث عن أزمات العرب , وسردت له تفاصيل من خيالي , لأمزح معه لا أكثر , لكنني وأنا جالس في مقهى حسن عجمي مرة , جاءني أحد الأصدقاء وقال لي لقد وعدني (فلان ) بجلب آخر روايات ماركيز التي كان قد قرأها مؤخرا وهي تتحدث عن أزمات العرب !! , قلت ُ له ( فلان ) يقول لك قرأتها , قال لي : نعم , قلت ُ له : كيف ذلك وأنا كنت أمزح معه وأشرت إليه بأن هناك رواية جديدة لماركيز تتحدث عن أزمات العرب , فمتى قرأها وهي وهم , وكيف سيجلبها لك وهي غير موجودة إلا في خيالي الساخر من (فلان ) ؟ تعجب صديقي وقال غريب أمر هؤلاء , يروّجون للوهم والاشاعة , ترى كم من الأدباء والمثقفين وعدهم (فلان) بجلب رواية ماركيز الوهمية لهم ؟

ثقافة الاشاعة مرض خطير , ليته اقتصر على الأدب والنماذج الأدبية بل أخذ مسارات أخرى وهي تشويه سمعة الناس , والصاق تهم ببعض الأدباء هم منها براء , ذلك من أجل تسقيطهم أمام الآخرين بالاشاعة السوداء الماكرة الدنيئة التي لا تمت للأدب والثقافة بأية صلة مهما كانت أهدافها ونواياها .

المشـاهدات 832   تاريخ الإضافـة 24/10/2020   رقم المحتوى 8919
أضف تقييـم